والإصلاح الذي بدأ منذ سنة 1957 في قطاع التعليم، مروراً بعدة محطات وصولاً إلى المخطط الاستراتيجي 2015–2030، لم يتبلور بالشكل المقرر له سلفاً. وقد يكون ذلك ناتجاً عن تعاقب الحكومات، إذ إن بعضها لم يستوعب جيداً هذا المعطى، وبالتالي لم يتم تنزيل جميع التصورات الموضوعة في هذا الشأن.
كما أن هناك مشكلاً يتعلق بغياب العدالة المجالية، بحكم أن ما يوجد في المدن الكبرى لا يتوفر في القرى، مما يُنتج هوةً كبرى بين المجالين القروي والحضري، ويُعمق الفوارق الاجتماعية والهشاشة والفقر. فغياب العدالة الاجتماعية يُعتبر عثرة قوية تُكرّس الفوارق الطبقية في الولوج إلى تعليم جيد.
ومن بين الحلول الناجعة، ضرورة توفير تكوين مستمر للمعلمين والأساتذة ورد الاعتبار لهم، على اعتبار أن العنصر البشري أساسي في هذا المجال. كما يجب ربط التعليم بسوق الشغل، إذ لا يمكن أن نسير في المسار الصحيح والتعليم لا يُساهم في تكوين شباب قادرين على ولوج سوق العمل. فالتنمية رهينة بتعليم مرتبط بحاجات سوق الشغل.
وربط التعليم بسوق الشغل يتطلب تضافر الجهود بين الشركات الخاصة والعمومية والمؤسسات التعليمية، حتى تصبح فضاءات للتدريب تمكّن المتعلمين من الولوج إلى سوق العمل دون معاناة أو عراقيل، سواء في المؤسسات العمومية أو الخاصة.
وإذا كنا نريد تنمية شاملة في البلاد، فلا بد من تعليم جيد في المناطق النائية، مع إرساء دعائم تعليمية واعدة هناك، من خلال توفير المدارس والبنيات التحتية الأساسية وشبكات الاتصال. كما ينبغي منح تحفيزات للمعلمين في هذه المناطق حتى يتمكنوا من أداء عملهم في ظروف جيدة.
ويجب على التعليم أن يستحضر المعطى المتعلق بالتكنولوجيا، التي أصبحت اليوم مسألة بديهية، ولا بد من إعطائها الأولوية حتى يرتفع الإيقاع وفق رؤية رقمية تفتح آفاقاً جديدة للمتعلمين على المستويين الوطني والدولي. فالتكنولوجيا الرقمية، التي أصبحت ركيزة أساسية لأي تقدم، يجب أن تُلقَّن في المدن والقرى على السواء.
شخصياً، لا أحبذ مسألة الإسراع في تنزيل إصلاح التعليم على التلاميذ الجدد الذين سيلتحقون بالمدرسة، لأن قضية التعليم مسألة جوهرية ومرتبطة بقطاعات أخرى. والحل الأشمل هو تحقيق تنمية شاملة يكون التعليم قاطرتها. لذلك، لا بد من التريث نظراً لمجموعة من المحددات، من بينها العدالة المجالية والاجتماعية.
ويبقى الاهتمام بالوضعية المادية لنساء ورجال التعليم مسألة لا محيد عنها، لأن المعلم في القرى والمناطق النائية ليس هو المعلم في المدن، ومن ثَمَّ، من الضروري تنزيل الجهوية في هذا الشأن.
وفيما يتعلق بالمنظومة الصحية، فإن الواقع يُثبت أننا نعيش وضعاً صعباً، كما يظهر في ما وقع بمستشفى الحسن الثاني بأكادير، خصوصاً على مستوى صعوبة الولادات، وهو إشكال يعرفه الجميع.
وإذا كانت هناك إرادة للإصلاح، فيجب إعطاء الأولوية للعنصر البشري، لأن هناك خصاصاً كبيراً في هذا الباب. كما يجب توسيع قاعدة التوظيف، والاهتمام بالوضعية المادية للأطباء والممرضين وباقي المهنيين في القطاع الصحي، وتوفير ظروف جيدة للاشتغال، لأن الموارد البشرية عنصر أساسي في أي إصلاح. فلا يُعقل أن يكون عدد الأطر الطبية والتمريضية قليلاً جداً مقارنة مع دول أخرى، في ظل غياب نية واضحة لإصلاح المنظومة الصحية.
وما جاءت به الحكومة بخصوص المجموعات الصحية الترابية، التي كانت التجربة الأولى منها في طنجة وتطوان والحسيمة، يجب تعميمه، مع مراعاة الجوانب التقنية المرتبطة به، وتوفير الأطقم الطبية اللازمة لتنزيل الإصلاحات التي تعتزم الدولة تحقيقها.
وأعتقد أن واقع المنظومة الصحية ظل رهيناً بتطاحنات سياسية بين بعض المنتخبين والوزراء الذين تعاقبوا على القطاع، في حين يجب أن تُدرج المنظومة الصحية ضمن استراتيجية دولة تعلو على الحسابات السياسوية والحكومات المتعاقبة، لأن الأمر يتعلق بصحة المواطنين.
إن الواقع يستدعي الكثير من الانتباه، لأن الصحة تمس المواطنين في صميم حياتهم. لذلك، يجب أن تبتعد التطاحنات السياسية عن هذا المجال، إذ حتى لو تم صرف ميزانيات ضخمة فلن تكون كافية دون توفر تركيبة بشرية تشتغل وفق قيم الطب وبنوايا صادقة. فالمنظومة الصحية قضية استراتيجية يجب أن تبقى بيد الدولة، خاصة وأن نسبة 7% من الميزانية المخصصة للقطاع تبقى بعيدة عن النسبة التي تحددها منظمة الصحة العالمية، والتي تتراوح بين 10 و12%.
وهذا الأمر يتطلب الحسم فيه بسرعة، مع التركيز على المورد البشري حتى نضمن منظومة صحية واعدة وقادرة على تحقيق الكرامة الصحية لكل المواطنين.