مراسلة من باريس – الدكتور أنور الشرقاوي بتعاون مع الدكتور بومهدي بونهير، طبيب أشعة مغربي
من الثالث إلى السادس من أكتوبر 2025، احتضن قصر المؤتمرات بالعاصمة الفرنسية باريس فعاليات الأيام الفرانكفونية للأشعة (JFR 2025)، أحد أهم الملتقيات الطبية في العالم.
هذه الدورة، التي رفعت شعار «الأشعة… صور من الحياة»، جمعت الأطباء والمهندسين والمصنّعين حول هدف واحد: جعل التصوير الطبي أكثر دقة وأماناً وإنسانية.
صور أدق لتشخيص أوضح
لم تعد تطورات الأشعة حكراً على مختبرات البحث العلمي المتقدمة. فبفضل الجيل الجديد من أجهزة السكانير المسماة المحسِّبة للفوتونات (Photon Counting CT)، أصبحت الصور أكثر وضوحاً وتفصيلاً مع تقليل جرعة الإشعاع التي يتعرض لها المريض.
هذه التقنية تسمح بالكشف المبكر جداً عن الأمراض، خصوصاً سرطانات الرئة وأمراض القلب والشرايين، مع راحة أكبر للمريض وتقليل للمخاطر المرتبطة بالتعرض للأشعة.
وفي مجال الدماغ، قدّمت أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي (IRM) تقنيات جديدة تجمع بين التصوير بالتروية (Perfusion) والتحليل الطيفي (Spectroscopie)، مما يمكّن الأطباء من التمييز بدقة بين أنواع الأورام ومتابعة تطورها بعد العلاج.
هكذا أصبح التشخيص أكثر موضوعية وسرعة، مما يسهل اتخاذ القرار العلاجي من طرف الأطباء المعالجين.
من التشخيص إلى العلاج الموجّه بالأشعة
لم تعد الأشعة وسيلة للتشخيص فقط، بل أصبحت أداة علاجية بفضل ما يسمى بـ الأشعة التدخّلية، وهي إجراءات علاجية تُجرى تحت توجيه الصور الطبية دون الحاجة إلى الجراحة المفتوحة.
التطور الهائل في أنظمة الروبوت الطبي والذكاء الاصطناعي (AI) جعل هذه التدخلات أكثر دقة وأماناً، مثل الخزعات الموجهة، واستئصال الأورام، وتسريح الأوعية الدموية المرضية (Embolisation).
نظام CleaRecon DL، على سبيل المثال، يستعمل الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الصورة أثناء العملية وإزالة التشويش البصري (artéfacts)، بينما يتيح نظام Live Liver Assist تحديد موضع أورام الكبد بدقة ميليمترية، ما يقلل من مدة التدخل والمضاعفات المحتملة.
هذه الابتكارات غيّرت الممارسة اليومية في أقسام الأشعة: الإجراءات أصبحت أسرع وأقل ألماً وأكثر أماناً، والمريض يغادر المستشفى في وقت أقصر.
متابعة دقيقة للمريض بعد العلاج
من بين محاور JFR 2025، ركز الخبراء على أهمية المتابعة الدقيقة بعد العلاج. فقد سمحت البرمجيات الجديدة بإدارة صور الأشعة والبيانات الطبية بشكل متكامل، مما يضمن تتبع حالة المريض منذ التشخيص الأولي وحتى المراقبة بعد الجراحة.
التقارير الطبية أصبحت أكثر وضوحاً وتنظيماً، وهو ما يسهل التواصل بين الطبيب المعالج، وطبيب الأشعة، والجراح، وحتى المريض نفسه.
لم يعد المريض مجرد “صورة داخل جهاز”، بل أصبح محور مسار علاجي متكامل يعتمد على أدوات رقمية متطورة تسهّل تبادل المعلومات بين جميع الفاعلين في المنظومة الصحية.
طب الأشعة… علم وإنسانية
رغم كل هذا التقدم التكنولوجي، شدّد المشاركون في JFR 2025 على أن الأشعة يجب أن تبقى قبل كل شيء في خدمة الإنسان.
فالذكاء الاصطناعي والروبوتات لا يمكن أن تحل محل نظرة الطبيب الإنسانية ولا قدرته على الإصغاء والتفهّم.
أشعة الغد ستكون أكثر ذكاءً بلا شك، لكنها ستكون أيضاً أكثر قرباً من المريض، وأكثر احتراماً لخصوصياته في كل مراحل حياته، من الطفولة حتى الشيخوخة.
خلاصة القول:
صور أدق، تشخيص أسرع، علاج أكثر أماناً… والإنسان دائماً في قلب الصورة.