يونس فراشين: احتجاجات جيل "زد" مبررة وتعكس فشل السياسات العمومية وفقدان الثقة في المؤسسات

يونس فراشين: احتجاجات جيل "زد" مبررة وتعكس فشل السياسات العمومية وفقدان الثقة في المؤسسات جانب من الوقفة الاحتجاجية لجيل Z وفي الإطار يونس فراشين، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم
منذ أيام، يعيش الشارع المغربي على وقع احتجاجات غير مسبوقة يقودها جيل "زد"، حيث خرج آلاف الشباب للتعبير عن غضبهم من تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، واحتجاجًا على تردي واقع الصحة والتعليم وانتشار الفساد. في هذا الحوار، يقدم يونس فراشين، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، قراءته لهذه الحركة الشبابية وأسبابها العميقة، وموقف النقابات منها، ورؤيته لإصلاح التعليم بالمغرب.

منذ أيام والشارع المغربي في حالة غليان بسبب احتجاجات جيل "زد"، ما هي قراءتك الأولية لهذا الغضب الشبابي؟
الاحتجاجات في الواقع مبررة ومفهومة، وطبيعية خاصة أنها جاءت من قبل الشباب، وذلك بالنظر إلى أن نسبة البطالة في صفوف هذه الفئة تقدر بشاب على اثنين يعاني من البطالة، أي أن نصف الشباب في حالة عطالة، وأكثر من مليون ونصف منهم لا يوجدون في المدرسة أو التكوين أو العمل.
 
إضافة إلى الوضعية التي توجد عليها الصحة والعديد من القطاعات الاجتماعية التي تعرف حالة من التردي في الخدمات الاجتماعية، ليس بسبب إشكالية الحكامة أو التدبير، بل بسبب الإرادة السياسية التي أوصلت هذه القطاعات إلى هذه الحالة، والتي تكمن في خوصصة وسلعنة القطاعات العمومية وتدمير كل ما هو عمومي لتشجيع القطاع الخاص.
 
ويمكن القول إن الخروج إلى الاحتجاج تأخر، لأننا كنقابات أو مجموعة من التنظيمات، كالجبهة الاجتماعية، قمنا بالعديد من الاحتجاجات، وكان من المفترض أن تعرف هذه الاحتجاجات الكثير من الزخم. واليوم هؤلاء الشباب أخذوا المبادرة، وهناك فئات أخرى لابد أن تنخرط في هذه الاحتجاجات، لأن ليس الشباب وحده من يعاني. فحينما يصرح وزير الصحة في البرلمان أن حارس الأمن الخاص يتقاضى 600 درهم شهريًا، فهذا الحارس لابد أن يكون بدوره ضمن المحتجين. وهناك أوضاع كارثية للعديد من العمال، وبالتالي فإن الأسباب التي أدت إلى هذا الاحتقان الاجتماعي موضوعية بالنظر إلى السياسات العمومية.

لكن ما الذي استجد حتى انتفض هؤلاء الشباب بسبب الوضعية التي يعرفها قطاعا الصحة والتعليم، علما أن هذين القطاعين يعانيان منذ عقود من الأعطاب؟
حاليًا هناك سياق دولي لهذه الحركة، فقد عرفت مجموعة من الدول هذه الاحتجاجات كما هو الحال في الفلبين والنيبال ومدغشقر.
 
إضافة إلى أن هذا الجيل لديه وسائل خاصة في التواصل، وأعتقد أن هذا الجيل لابد أن يأخذ تجربته الخاصة، وهذا أمر محمود. فحتى حركة 20 فبراير جاءت في سياق احتجاجات على المستوى الإقليمي، فهذا الجيل الجديد يقود الاحتجاجات لتحقيق مطالب اجتماعية بأفق سياسي.
 
جيل "زد" من خلال الاحتجاجات التي يقوم بها منذ أيام يؤكد عدم اعترافه لا بالأحزاب السياسية ولا بالنقابات، وهي من بين مؤسسات الوساطة، ألا تعتقد أنه بالأحرى أن ينخرطوا في هذه الأحزاب والنقابات من أجل المساهمة في التغيير أو حتى تأسيس حزب خاص بهم؟
من بين الخلاصات التي أكدت عليها لجنة النموذج التنموي قضية فقدان الثقة في المؤسسات بشكل عام، وهذا أمر طبيعي، على اعتبار أنه تتغير الأغلبية الحكومية و"تمشي وجوه وتجي وجوه" ولكن الوضع يظل ثابتًا، والاختيارات الكبرى تبقى ثابتة. بل إننا أصبحنا أمام مؤسسات شكلية لا تمثل تطلعات وانتظارات الشباب. ويمكن الاستدلال بما يقع في البرلمان، فهل يمثل هموم وانتظارات المغاربة وتطلعاتهم؟

وهناك مجموعة من القضايا التي تفجرت بسبب تضارب المصالح، مثل المحروقات واستيراد الأغنام، تمت دون فتح أي تحقيق ولم يتم محاسبة المسؤولين عنها. المؤسسات أصبحت بدون معنى في غياب الديمقراطية.

لكن لا يمكن الحديث عن الديمقراطية داخل هذه المؤسسات بمعزل عما يجري داخل النقابات بنفسها، فالكاتب العام يظل في منصبه دون أن يعطي الفرصة لشخص آخر لتقلد المهمة، ألا تعتقد أنه حان الوقت لحركة شبابية داخل هذه النقابات؟
داخل النقابات توجد هذه الدينامية، ولقد عشنا داخل النقابة الوطنية للتعليم هذا الأمر، فقد تم انتخابي كاتبًا عامًا رفقة مجموعة من الإخوان الشباب، وشكل ذلك تقدما كبيرا، وهو الأمر الذي تسير على نهجه العديد من القطاعات داخل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.

الإشكال الحالي يكمن في الأحزاب السياسية التي تتصدر المشهد وتفوز بالانتخابات، هل تضم النخب التي تعبر عن الشعب المغربي؟ ومن صنع هذه النخب؟ فالعديد من البرلمانيين الحاليين إما متابعون قضائيا أو يقبعون في السجن، وهذا إشكال.
 
هل الأحزاب هي من يجب عليها أن تبحث عن الشباب الذي له رغبة في العمل السياسي، أم الشباب هو الذي يجب أن يبحث وينخرط في الحزب الذي يتوافق مع توجهاته؟
الأحزاب دورها القيام بالعمل المنظم، خاصة أن هناك بعض الأحزاب المناضلة والمستقلة، ولديها مطالب متعلقة بالديمقراطية داخل البلاد من أجل إصلاحات مؤسساتية ودستورية وفصل السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وهذا الأمر لا يمكن أن يكون إلا من خلال الديمقراطية، ونحن في المغرب لم نحقق بعد الانتقال الديمقراطي.

لكن بعد دستور 2011 تحدث العديد من المراقبين أن المغرب قطع أشواطا مهمة في تحقيق الديمقراطية المنشودة؟
ما هي الأشياء التي غيّرها دستور 2011؟، فالقرار الاستراتيجي ليس مربوطا بصناديق الاقتراع، والسياسات عابرة للحكومات.
وهذا ما وقفنا عليه من خلال النسخة الأولى والثانية لحكومة العدالة والتنمية، والحزب الذي يسير الحكومة الحالية كان ضمن الحكومتين الأولى والثانية للعدالة والتنمية، والآن يتبرأ منهما، علما أنه كان في مواقع استراتيجية، وقامت هذه الحكومة  بتحرير الأسعار والتعاقد في التعليم.
 
البعض يتخوف من القرارات التي سيتم اتخاذها بعد هذه الموجة من الاحتجاجات، لأن القرارات التي اتخذتها حكومة العدالة والتنمية بعد حركة 20 فبراير كانت غير شعبية؟
هذا أمر غير صحيح، فكل حركة احتجاجية يكون من بعدها بعض المكتسبات، فلا يجب أن نعطي انطباعا للمواطنين أن الاحتجاجات لا تأتي بأي مستجد، فهذا غير صحيح. لأن دستور 2011 ليس هو دستور 1996، بمعنى أننا لابد أن نزيد من وتيرة الاحتجاج والحرص على السلمية، فالتغيير لا يمكن أن يتم هكذا من الأسود إلى الأبيض، ولكن الأمر يحتاج إلى النفس الطويل ويتم ذلك بشكل تدريجي.

والتنظيمات المحيطة بهؤلاء الشباب لا يجب أن تركب على هذه الاحتجاجات ولا تعطي الدروس للشباب، ولكن لابد أن تدعمهم وتساندهم وتعطي أفقًا سياسيًا لهذه العملية.

العديد من المتتبعين يتساءلون عن موقف النقابات مما يجري حاليًا؟
نحن حاضرون، حيث تم عقد اجتماع ضم العديد من التنظيمات، والأساسي هو دعم هؤلاء الشباب من خلال المناضلين وشباب النقابة الحاضرين في قلب هذه الاحتجاجات، ولكن دون الادعاء أننا نحن من يقودها أو نركب عليها.
 
منذ سنوات يتم الحديث عن الأعطاب التي يعرفها قطاع التعليم، ما هي الوصفة التي تقترح لتجاوز هذه الأعطاب بشكل نهائي؟
حاليًا الدولة ليست لها إرادة لإصلاح التعليم، والخطاب حينما لا يتجسد في مشاريع وبرامج يتحول إلى ديماغوجية، والواقع يكذب هذا الخطاب.
فالتوجه هو تشجيع القطاع الخاص الذي حقق في سنة 2018 أرباحا وصلت إلى 20 مليار درهم كرقم معاملات.
 
هل تطالب بتأميم القطاع الخاص في التعليم؟
لا، أبدًا، ولكن لابد أن يكون هناك خيار بالنسبة إلى المواطن، لأنه لا أحد يكره أن يسجل ابنه في مدرسة عمومية توفر له التعليم الجيد.علما أن القطاع الخاص بدوره لا يتوفر على الجودة، لأن هناك مستويات مختلفة. اليوم الدولة تراهن على ما يسمى بـ"مؤسسات الريادة"، وحاليًا العديد من الآباء يحتجون، وهناك هجرة حالية للعديد من التلاميذ في السنة الأولى من الإعدادي من المدارس العمومية إلى التعليم الخاص لأنهم شعروا أن مستواهم الدراسي في تنازل.
 
ما هي وصفتك لإصلاح الأعطاب في التعليم؟
البداية بضرورة وجود إرادة سياسية لإصلاح التعليم، والتي لابد أن تتجسد من خلال الميزانية المرصودة للاستثمار في القطاع العمومي، وتغيير البرامج والمناهج.

فلماذا هذه المناهج في القطاع العمومي توجد في شكل وفي القطاع الخاص توجد بشكل آخر؟، هناك دراسة من قبل المجلس الأعلى للتربية والتكوين تؤكد أن المدرسة تكرس التفاوتات المجتمعية. ولابد من إصلاح وضعية رجال ونساء التعليم، لأنه لما تم تدمير صورة رجل التعليم والمدرسة كمصدر للمعرفة والتربية والقيم، نتجت بعض المظاهر التي أصبحت تظهر في الشارع. كما أنه لابد من الاهتمام بالبنيات والتجهيزات الأساسية التي يمكن أن يستعين بها التلميذ، وهذا لا يمكن تنزيله برؤية واحدة، ولكن من خلال نقاش مع جميع الفاعلين من داخل المنظومة، لأن المغرب يزخر بالطاقات.

أما الاستعانة بالوصفات الجاهزة من الخارج ومحاولة تطبيقها على الواقع المغربي، فالأكيد أنها لن تنجح.