يرى خالد بلعرفاوي، عقيد سابق في القوات المساعدة ومهتم بالشأن العام أن احتجاجات جيل Z والتي عرفتها مجموعة من المدن والمناطق كانت متوقعة، مشيرا بأن احتجاجات جيل زيد كشفت عن حجم الاختلالات الكبيرة التي يعاني منها المشهد الحزبي، كما أن السياسات العمومية التي طبقت منذ أزيد من 20 سنة أو أكثر لم تكن ملائمة، محذرا من تكرار مثل هذه الاحتجاجات مستقبلا، اذا لم يتم اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستباقية، كما يتطرق الى الأعطاب والاختلالات التي يعاني منها قطاع التعليم وقطاع الصحة، وضعف شبكة التكوين المهني، وما أفرزته من اختلالات مجالية أدت الى إقصاء فئة كبيرة من الشباب من سوق الشغل، داعيا في الأخير الى الرفع من قيمة الدعم الاجتماعي الموجه لبعض الفئات الهشة وإعادة النظر في معايير الاستفادة المعتمدة من أجل الاستفادة من دعم السكن وما أفرزته من اختلالات .
كيف تقرأ احتجاجات جيل زيد ؟ وهل هناك دواعي للخروج للشارع للاحتجاج ؟
احتجاجات جيل زيد والتي عرفتها مجموعة من المدن والمناطق كانت متوقعة، فهي نتيجة لمجموعة من العوامل، فالسياسات العمومية التي طبقت منذ حوالي عشرين سنة أو أكثر لم تكن ملائمة، كما أن هذه الاحتجاجات قد تتكرر مستقبلا مع حركات أخرى مستقبلا، اذا لم يتم اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستباقية على عدة مستويات .
فيما يتعلق بقطاع التعليم، لعل أبرز مشكل يبرز بهذا الخصوص هو محاربة الهدر المدرسي والذي نجم عنه من وجود عدد كبير من الطلاب ذوي تكوين ضعيف أو ربما لا يتوفرون على مؤهلات لمتابعة التعليم الجامعي ، وكان من الممكن أن يتم توجيههم نحو مؤسسات التكوين المهني ، بل إن هناك خريجون يحملون دبلوم الإجازة ومع ذلك يفتقدون للتكوين الضروري من أجل الاندماج في سوق الشغل ، خلافا للأجيال السابقة حيث كانت لا تتعدى نسبة الحاصلين على الباكلوريا نسبة 25 في المائة، بينما يبقى التكوين المهني متاحا أمام التلاميذ الذين لم يتوفقوا في الحصول على الباكلوريا، وهذا ما ينبغي العودة إليه، ناهيك عن تراجع مصداقية الديبلومات المغربية في الخارج، حيث أضحت تسلم في ظروف تنقصها الشفافية، ولعل فضيحة بيع ديبلومات الماستر بجامعة أكادير خير مثال.
مع الأسف تم إهمال قطاع التعليم لدرجة أصبح فيه الأستاذ يتعرض للضرب والإهانة من طرف التلاميذ في غياب الأمن سواء في المؤسسات التعليمية أو الجامعات، حيث تروج المخدرات في المحيط المدرسي وتسجل مجموعة من الممارسات والتي تحمل تداعيات وخيمة على التحصيل الدراسي للتلاميذ، ولذلك أقترح إحداث مديرية للأمن المدرسي والجامعي لوضع حد لحالة التسيب في المحيط المدرسي والجامعي.
من جانب آخر، لابد من رد الاعتبار للأساتذة في قطاع التعليم العمومي، فالأجور التي يتقاضونها ليست في المستوى مقارنة مع وظائف أخرى، فالأستاذ يؤدي رسالة نبيلة، وهناك منهم من يتحمل مشاق التدريس في المناطق الجبلية وفي القرى المعزولة، كما أنهم يعملون في ظروف جد صعبة في غياب إمكانيات العمل، فاذا كان الجندي الذي يتم بعثه للعمل في الحدود يتوفر على ظروف لائقة للعمل، فإن الأستاذ في المغرب لازال يعاني من عدم توفر ظروف لائقة للعمل ، وبهذه المناسبة لا يفوتني توجيه التحية لرجال التعليم الذي يعملون في ظروف طبيعية ومناخية صعبة، فهم بمثابة أبطال حقيقيين .
وفيما يتعلق بقطاع الصحي، يلاحظ أن القطاع الخصوصي حظي في السنوات الأخيرة باهتمام خاص من قبل الدولة على حساب القطاع العام، كما أن عدد من موظفي القطاع العام يشتغلون في القطاع الخاص، وأعتقد أنه آن الأوان لتحسين أوضاع الأطر الصحية في القطاع العام، فالطبيب ينبغي أن يتقاضى أجرا محترما على غرار باقي المهن الأمنية والعسكرية والقضائية، ولا ينبغي أن تكون هناك فوارق صارخة في الأجور ، كما ينبغي السماح لهم بإجراء فحوصات لفائدة المواطنين خارج أوقات العمل الرسمية على غرار ما يجري في أوروبا.
وأخيرا، لابد من الاهتمام بالمحافظة على النظام العام من طرف الأمن الوطني، حيث لاحظنا في السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا بالسير والجولان وبالاستعلامات العامة، مقابل عدم إعطاء النظام العام ما يستحقه من عناية، وهو الأمر الذي اتضح من خلال حراك جيل زيد، حيث سجلنا تراجع على مستوى التغطية الأمنية مقارنة مع التغطية الأمنية التي أنجزت إبان حراك 20 فبراير.
هناك من يشير الى أن خروج احتجاجات جيل زيد يعود الى تراجع دور الأحزاب السياسية في التعبئة والتأطير، ما رأيك ؟
مع كامل الأسف أشعر مع اندلاع احتجاجات جيل زيد أن هناك إخفاقا كبيرا لجميع الأحزاب السياسية والتي تعاني من اختلالات كبيرة على مستوى أدائها، ولذلك وبدلا من التركيز على المطالبة برحيل حكومة أخنوش، لابد من المطالبة بمحاسبة جميع الأحزاب السياسية سواء منها المشاركة في الحكومة أو الأحزاب المعارضة ، فنحن بحاجة الى تجديد النخب الحزبية وفسح المجال أمام الأجيال الحديثة لولوج العمل الحزبي، وأعتقد أن هذا يتطلب قرارا سياسيا لأن الأحزاب السياسية في جميع دول العالم تلعب دورا مهما في تأطير وتعبئة الشعب والترافع من أجل قضاياه الأساسية..
لقد كان واضحا منذ البداية أن الاحتجاجات ستخرج عن سلميتها، كما أن الشعارات التي رفعتها جيل زيد لا تعبر عن الشرائح الاجتماعية المنخرطة في صفوفها، فما علاقة شبان في العشرينيات بالمطالب المتعلقة بالنهوض بقطاع الصحة ؟
أعتقد أن هذه المطالب تم تلقينها للمحتجين من طرف مؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دون إغفال معطى التحريض والذي تورط فيه عدد من الأشخاص وضمنهم عبد الإله بنكيران الذي وصف خصومه ب " النكافات " في حين أن " النكافات " هن نساء يمارسن مهنة شريفة، وهي تجميل العرائس في حفلات الزفاف، ولذلك ينبغي تحريك المتابعات القضائية في حق كل من تورط في التحريض، فهناك فرق شاسع بين النقد البناء وتقديم الحلول وممارسة التحريض..
بعض المهتمين يسجلون ضعف شبكة مؤسسات التكوين المهني والتي تقتصر على المدن الكبرى، الأمر الذي يحمل تداعيات على مستوى إدماج الشباب في سوق الشغل ؟
صحيح..لابد من توسيع شبكة مؤسسات التكوين المهني ، لأن المهن حاليا أضحت مطلوبة سواء على الصعيد الوطني أو الدولي، علما أن ضعف الشبكة وغياب عدالة مجالية في توزيعها أفرز اختلالات أدت الى إقصاء فئة كبيرة من الشباب من سوق الشغل، فحتى الشبان الذين قرروا ركوب مخاطر الهجرة السرية صدموا بعد وصولهم بعدم توفرهم على مؤهلات تخولهم الاندماج في بلدان أوروبا، ولو أنهم كانوا يتوفرون على تكوين مهني، فإن هذا سيكون كفيلا بضمان لقمة عيشهم في هذه البلدان.
ماذا عن وجود حالات اجتماعية في صفوف التلاميذ والطلبة والتي لا تلقى العناية الكافية ( منح، سكن جامعي، تطبيب..) حيث تصد في وجهها أبواب الإدارة العمومية ؟
هذا واقع مؤسف في العمالات والأقاليم، حيث لازالت هناك بعض العقليات القديمة لبعض المسؤولين والتي ترفض استقبال المواطنين وقضاء مآربهم الخاصة، خلافا للبلدان الديمقراطية، حيث يمكن للمواطن البسيط الولوج الى جميع الإدارات ومقابلة مسؤوليها بكل سلاسة.
للأسف، لازلنا نعاني من وجود أشخاص غير مسؤولين يغلقون مكاتبهم، ويدخلون ويخرجون من مكاتبهم بسرية تامة، بل أحيانا يوجهون تعليمات لمرؤوسيهم بعد استقبال أي كان، وهذا غير معقول .
توجه بعض الانتقادات الى طريقة تدبير الدعم الاجتماعي، هل يكفي في نظرك لتغطية تكاليف المعيشة التي تضاعفت في السنوات الأخيرة ؟
سؤال وجيه.. ولذلك أقترح أن يتم دمج الدعم الاجتماعي مع دعم السكن وإعادة النظر في معايير الاستفادة من الدعم وإحداث لجان خاصة بذلك على مستوى كل عمالة، وإجراء تحقيقات كي نضمن استفادة الأشخاص المستحقين للدعم بعيدا عن المعايير الحالية التي أدت الى إقصاء نسبة كبيرة من المستحقين للدعم مقابل استفادة أشخاص غير مستحقين.
كما ينبغي الرفع من قيمة الدعم بالنسبة لبعض الفئات الاجتماعية وخصوصا ذوي الإعاقة والأشخاص المسنين، فلا يعقل أن يتقاضى شخص مسن نفس الدعم الذي يتقاضاه شخص قادر على العمل .
من جهة أخرى، أقترح إلغاء الرخص والامتيازات في قطاع النقل العمومي. ينبغي خلق شركات للنقل مع ضمان حقوق العمال الاجتماعية. لا يعقل ان يتعرض سائق سيارة الأجرة للاستغلال من طرف صاحب رخصة النقل والمكتري للرخصة في الآن ذاته، ليخرج في آخر عمره خاوي الوفاض ودون حقوقه في التقاعد، هذا إجحاف كبير في حق هذه الفئة الاجتماعية، واذا كانت هناك أسر تستحق الدعم مثلا أرامل وأبناء شهداء الوحدة الترابية أو أسر أعضاء المقاومة وجيش التحرير فينبغي أن يخصص لهم دعم مباشر من طرف الدولة.