في الخامس أكتوبر من كل سنة، يخلد المعمور اليوم العالمي للمدرس؛ عرفانا واعترافا بالأيادي البيضاء للمدرسين على المتعلمين ، على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الدراسية؛ من التعليم الأولي إلى التعليم العالي والجامعي.
إنها بالفعل مناسبة هامة ونفيسة؛ ليس فقط، من أجل تكريم هذه الفئة المتميزة في المجتمع، بل، وللتأمل في مَهَامها ووظائفها الجليلة التي تسديها للأمة بدون كلل أو ملل في تبتل ونكران ذات...
إن جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق مدرسينا ومدرساتنا، أكبر، وأنبل، وأقدس، من أن يختزل الاحتفال بها، وتكريم أعضائها، والقائمين عليها، في يوم واحد، اتفق على أن يكون الخامس من شهر أكتوبر من كل سنة...اللهم إن كنا سَنَعُدُ الاحتفاء سلوكا رمزيا، يراد به لفت انتباه الجميع لهذه الفئة الحيوية من المجتمع ...
إن المدرسين، هم جميعا دون استثناء، جديرون، بالاحتفاء ، والاحتفال، والتكريم، والتنويه، في كل شهر ويوم وساعة ودقيقة وثانية من عمر السنة، هذا إن كان في قلوبنا ومهجنا وأفئدتنا ذرة من حب لفلذات أكبادنا، هل يمكننا أن نحب أولادنا دون أن نقع في حب منقذيهم من ضلال الأمية، وظلام الجهل؟
متى أفلحت أمة، غدا فيها إهمال المدرسين سلوكا سائدا؟
هل يمكننا أن نحقق التنمية المنشودة، والنهضة المأمولة في بلداننا بدون مدرسين؟
هل الأفراد حين يناصبون المدرسين العداء، ويشوهون صورتهم في الأذهان، قادرة مجتمعاتهم على أن تبلغ الشأو العظيم في سلم التقدم والازهار ؟
هل حين تتناول وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها، المدرسين وتذكرهم بسوء، انطلاقا من حالة شاذة، لا تساهم في الإساءة للأمة بكاملها ؟
ما ذا عن أحوال مدرسينا؟
ما تمثلات الأسر حول من يسهرون على تعليم أبنائهم وتعلمهم ؟
هل وَفَرنا للمدرسين أجواء تربوية، وموارد مالية، ووسائل تتناسب وجسامة المهة التي يقومون بها ؟
هل بذلنا الجهد الضروري من أجل الارتقاء بمهنة التدريس، وتطويرها بما يفيد ويساعد المدرسين؟
ما التكريم اللائق الذي يحتاجه المعلمون بمناسبة اليوم العالمي للمعلم؟
لابد من الاعتراف بأنه ليس من التعبير عن التقدير، والإقرار بالفضل، بمناسبة يوم المعلمين العالمي، الاكتفاء بتوجيه التحيات، وصياغة الكلمات الرقيقة والمعبرة، وتقديم باقات الورود، للمدرسين والمدرسات.
ألن تصبح سلوكاتنا المحصورة في هذا اليوم فقط، نوعا من النفاق الاجتماعي الذي أصبح في حكم التقاليد المكرورة، التي تمارس بنوع من طقوس التمثيل عند حلول الذكرى فقط؟
ما أحوجنا لاستمرار الاحتفاء بمدرسينا طيلة أيام السنة، لم لا، والمدرسون لا يتوقفون عن ممارسة مهنتهم النبيلة، على الرغم من قساوة ظروف مزاولة أنشطة التعليم والتعلم .
إن تكريم المدرسين، يجب أن يبدأ بحسن تكوينهم وإعدادهم قبل مزاولة مهنة التدريس، وبناء عليه، فإدماجهم في سلك وظيفة التعليم دون تمكينهم من امتلاك الكفايات المهنية والبيداغوجية والديداكتيكية الضرورية لهذه المهنة، و التي لا مناص منها داخل مراكز تكوين الأطر ومؤسساته، يعتبر إساءة كبيرة لهم وللمجتمع، وإهانة بليغة لهذه المهنة النبيلة التي على أساسها تبنى الحضارات المتقدمة ، وتنهض الأمم التواقة للرخاء والازدهار ...
ولاشك أن دقة وجودة انتقاء المقبلين على هذه المهنة السامية، يعتبر كذلك وجها من وجوه التكريم الدائم والمستمر...قد يقع في بعض الظروف قيام الدولة بتوظيف أطر التعليم مباشرة بسبب إكراهات الخصاص، أو ضغط المضربين من حملة الشهادات العليا، ولكن هذا السلوك الاستثنائي الذي لا تعترف به الدول الرائدة في مجال التعليم في العالم، يجب أن يظل إجراء نادرا واستثناء لا يتكرر؛ إن كنا نريد الخير لهذا الوطن ولأبنائه ...كما أن الجهات الوصية على التربية والتعليم يجب أن تخضع هؤلاء المدرسين الذين تم إدماجهم مباشرة في أسلاك التعليم، للتكوين والتأهيل والتدريب لئلا تتحول هذه المهنة مطية للفاشلين في إيجاد شغل قار ...
إن المدرس الناجح ليس هو الذي لم يلج مهنة التدريس صدفة، أو يأتيها مكرها بسبب ضيق العيش وانسداد الأفق، بل هو الذي يختارها طواعية من بين جميع المهن الأخرى، لأنه أحس نحوها ميلا شديدا...وهذا الشعور وتلك الرغبة، يجب أن يقيسهما الخبراء والمختصون من أعضاء لجان مباريات ولوج المهنة...و لا يتم فيهما الاقتصار على ما يصرح به المستجوبون شفهيا.
إن تكريم المدرسين عند بداية التحاقهم بهذه المهنة النبيلة، واقع لامحالة بأيدي الأساتذة أعضاء لجان امتحانات الولوج لمراكز التكوين ...فالانتقاء أو الاختيار لمزاولة هذه المهنة، يجب أن يراعي مدى حافزية المقبلين عليها، لمردودية أكبر.
أقترح أن يتم توجيه الطلبة مباشرة بعد حصولهم على شهادة الباكالوريا نحو مؤسسات التكوين للتدريس؛ حتى نضمن لهم تكوينا مركزا .
المرحلة الثانية من تكريم المدرسين، تتمثل في عدم التصديق على تخرجهم من مؤسسات التكوين قبل التأكد من مدى استيفائهم مجزوءات التأهيل...إن المدرسين الذين لم يكتسبوا الكفايات المطلوبة للقيام بمهمة التدريس، معرضون للفشل المهني، وهو ما سينعكس سلبا على مستقبلهم المهني، ويهدد استقرارهم النفسي، ناهيك عن تذبذب منزلتهم الاجتماعية، سواء في الوسط المهني، أم لدى أسر المتعلمين، وهذا الأمر الخطير بإمكانه زعزعة ثقة المجتمع في المدرسين...ومن شأنه ترسيخ صورة قبيحة عن الأساتذة لدى المجتمع ...
المحطة الثالثة من أجل إرساء احتفاء حقيقي بمدرسينا، تتمثل في مصاحبتهم الميدانية بعد تخرجهم، مصاحبة يجب أن يغلب عليها البعد التأطيري الإشرافي، ولا تقتصر على الوظيفة التفتيشية والتقييم الكمي.
وقبل انطلاق هذه العملية، لابد من أن تعمل الجهات المختصة، سواء الحكومة، أم الوزارة الوصية على تحسين فضاءات المؤسسات التعليمية التي يتم بها التعيين.
فليس من التبجيل في شيء تعيين المدرسين الجدد في القرى النائية؛ التي تفتقر لأبسط شروط العيش...، فهل يصح إبعاد المدرسين باتجاه الأقاصي الخالية من جميع أسباب العيش الكريم، والزعم بأننا نحتفي بهم خلال يومهم العالمي؟
لا طائل من احتفاء يوم بعد سنة من العذاب النفسي والبدني !!!
لا يعني هذا الكلام البتة بأن المدرسين لا يجب أن يتم تعيينهم في الأماكن البعيدة، ولكن يجب أن نوفر لهم جميع الشروط الضرورية التي تمكنهم من الاستقرار والطمأنينة وأداء الواجب المهني...إن الدولة ممثلة في الحكومة، مطالبة بتقديم الحوافز للمعينين الجدد في العالم القروي ...
ومن مظاهر تكريم المدرسين خلال السنة كلها، إتاحة الفرصة أمام المدرسين، للاستفادة من التكوين المستمر، ليس مرة واحدة في مشوارهم المهني، بل وجب تحيين معارفهم ومهاراتهم وكفاياتهم المهنية باستمرار وفي مدد متقاربة ...
كما وجب إعادة النظر في معايير الترقية وشروطها، على أن لا يظل الترقي بالشهادات العليا عاملا في ترسيخ عدم تكافؤ الفرص بين المدرسين.
هناك من حالفه الحظ لسبب من الأسباب لإتمام دراسته العليا، وحصد الشهادات الجامعية التي لا زال نظام الترقية يشترطها من أجل تغيير الإطار المهني الأصلي للمدرسين، لكن عددا كبيرا من المدرسين، لاسيما المعينين في البوادي والقرى، لا يتمكنون من متابعة الدراسة والمواظبة على الحضور، وهؤلاء يحسون بالغبن لأنهم يعتقدون أن المتغيبين عن مقرات عملهم، والذين لا يحضرون مع تلاميذهم باستمرار، هم الذين يجري مكافأتهم خلال الترقية بسبب حصولهم على شواهد جامعية، أما الذين يظلون بين التلاميذ لا يتخلفون عن واجبهم، فهم آخر من يستفيد من الترقي من سلم لآخر بسبب عدم حصولهم على الشهادات.
لا يمكن البتة لمدرسينا ترسيخ قيم المساواة وعدم التمييز بين المتعلمين، إن كانوا هو أنفسهم ضحايا التمييز وعدم تكافؤ الفرص في الترقي.
إن تطوير خبرة المدرسين، رهين بالمجهودات المبذولة في إطار تعميق تجاربهم المهنية في تعليم التلاميذ وتعلمهم، لذا أرى ضروريا إعادة فتح مؤسسات التكوين أمام المدرسين لاسيما في العطل المدرسية من أجل مساعدتهم على الارتقاء بممارساتهم...
من هنا لابد من إرساء نظام الإجازة الماستر الدكتوراه (LMD) بمراكز تكوين الأطر العليا؛ حتى يغدو بمكنة المدرسين، الرجوع لمؤسسات تكوين الأطر من أجل تطوير مهاراتهم المعرفية والمهنية...وبواسطة هذا الإجراء سنتمكن من حل مشاكل المدرسين المتعلقة بطلبات السماح بمتابعة الدراسة والتي تكون في بعض الأحيان، إن لم نقل في أكثرها، على حساب المتعلمين كما أننا بتوحيد مسطرة الترقي الذي يجب أن يصبح بناء على الشهادات المهنية في التربية والتكوين، والمحصلة من مؤسسات الاختصاص، نقوم بإرساء مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص بين المدرسين، وهذا لعمري من أقوى الضمانات على استقرار المدرسين نفسيا، وعلى ديمومة عطاءاتهم وتضحياتهم ...
وإذا كان هناك بعض المدرسين الذين ولجوا مهنة التدريس بواسطة الشهادات العليا نظير الدكتوراه، فوجب من باب الاحتفاء بهم، وبقيمة الشهادات العليا التي يحملونها، أن نفسح أمامهم المجال للالتحاق بمؤسسات تكوين الأطر العليا، أو بالمؤسسات الجامعية، كما يجب أن يمنح هؤلاء أفضلية، ونقط امتياز، ليس في الحركة الانتقالية فقط، ولكن في جداول حصصهم الأسبوعية التي يجب أن يعترف لهم فيها بالحق في ممارسة البحث العلمي، ناهيك عن المشاركة في تأطير زملائهم، والمشاركة في الندوات واللقاءات.
في ضوء ما سبق، نستخلص أن تكريم المدرسين، لا يجب أن يخصص له يوم واحد في السنة، على أن يتم نبذ المدرسين فيما تبقى من أيامها وشهورها، كما أن الاحتفاء بالمدرسين ضمانة لجودة تعليم أبنائنا وبناتوتعلمهم ، لا يمكن أن نظن بأن تكريم المدرسين والمدرسات بمثابة أموال تحول لرصيد هؤلاء، ولكننا نعتقد أن من باب إكرام التلاميذ والتلميذات ، والإحسان إليهم ، تنزيل المدرسين والمدرسات المنزلة اللائقة بهم ...من ينكر بأن المدرسين هم جنود الخفاء الذين يقفون بكل نكران ذات خلف جميع النجاحات التي يمكن أن يحققها أي فرد أو مسؤول في المجتمع ؟