أجداد عادل إمام يرقدون في حضن أطلال شالة 

أجداد عادل إمام يرقدون في حضن أطلال شالة  ماجدة وجمال مغربية - فرنسية وسوري شامي في أحضان شالة
 حكاية مستوحاة من خبر زائف ساخر لكنه غير غريب على المخيال المغربي 
 
كانت الظهيرة في شالة، والشمس الحارّة تنثر أشعتها على الحجارة الرومانية القديمة، وتداعب الأعشاب البرّية التي تحيط بأشجار شامخة، بقايا من قرون غابرة.
اللقلق، ذاك الطائر الأبدي، واقف كشاهد على أطلال غابرة، يخفق بجناحيه ببطء مهيب، كأنما يعلن عن انفتاح ستارة الخشبة على مشهد جديد.
هنا، في هذا الركن من الرباط، كل شيء يشبه ديكوراً سينمائياً: الصمتُ و الظلال متداخلة، والمرشد السياحي بصوته الأجشّ، كأنّه مخرج واثق من لقطة الافتتاح:
ــ "أيّها السيّدات والسادة، اقتربوا! أنتم أمام ضريح جدّ الممثل الكبير عادل إمام! أجل، عادل إمام نفسه، فرعون الضحك المصري، أسطورة المسرح والسينما والتلفزيون العربي."
سرت همهمة في صفوف الزوّار. توقفت الأنفاس، واتسعت العيون بدهشة طفولية.
شدّ طفل ثوب أبيه هامساً:
ــ "أبي، هل هذا صحيح؟"
فأجابه الأب، وقد تردّد قليلاً لكنه لم يردّ أن يُطفئ سحر اللحظة:
ــ "طبعاً. إذا قيل هذا الكلام في الرباط، فهو أصدق من الأهرامات."
واصل المرشد حديثه، ووجهه مضاء بإيمان غريب:
ــ "هناك، تحت هذه القبة البيضاء الطاهرة، يرقد فقيهٌ جليل. 
أحد أحفاده هو حسن الإمام، المخرج المصري الغزير الإنتاج. ألا ترون؟ في شالة حتى اللقالق تُنجب نجوم الشاشة."
في اللحظة نفسها، فرد لقلق جناحيه، وهبط على عشه الذي بُني بعناء وصبر، وأطلق صرخة خشنة: "كراااك!"
ترجم المرشد فوراً، بثقة لا تتزعزع:
ــ "يقول: اصمتوا! هنا يرقد أجداد السينما العربية."
ضحك بعض السياح، وأخرج آخرون هواتفهم، يسجلون اللحظة وكأنها وحي سماوي. 
فتاتان تلتقطان صورة أمام "قبر عادل إمام الكبير" " *سيدي لحسن* *الامام* " ، وزوجان يلتقطان "سيلفي" مع قبة "أئمة الفن السابع".
المشهد بدا كما لو أنه لقطة من فيلم ليوسف شاهين: خليط من قداسة وعبث، من تاريخ ومسرحية هزلية، حيث تتحول الأحجار إلى ممثلين، واللقلق إلى شاهد صامت على حكاية مستحيلة.
رفع سائح إسباني يده متسائلاً بشيء من التهكّم:
ــ "لكن، سيّدي، كيف يكون لأتقياء مغاربة أنساب من فنّانين مصريين؟"
ابتسم المرشد ابتسامة عريضة، كأنه مفتي السينما على وشك إصدار فتوى:
ــ "الأمر بسيط يا عزيزي. نهر أبي رقراق، قديماً، لم يكن نهراً. 
كان بساطاً سحرياً يربط الرباط مباشرة بالقاهرة."
ارتجّ الجمع بين ضحك وتصديق، بعضهم هزّ رأسه وقَبِل الخرافة كأنها تاريخ، وآخرون ضحكوا عالياً.
قال سائح فرنسي مازحاً:
ــ "إذن فشالة ليست موقعاً أثرياً فحسب، بل هي هوليوود أندلسية!"
كنتُ أكتب ملاحظاتي، محتاراً بين الشك والدهشة.
 هل أنا في جولة سياحية أم في بروفة مسرحية لكوميديا عبثية؟
 نظرت إلى الحجارة المتآكلة، إلى الشقوق التي تشبه نقوش الهيروغليف، وخطر لي: "لو حفرت قليلاً، ربما وجدت سيناريو ضائعاً لفيلم الإرهاب والكباب."
في هذه الأيام المرتبكة من المغرب، مع جيل "الزِّد"، لا يُستبعد أي شيء.
أما اللقالق، فلا تبالي. 
تتجوّل كملكات في بلاط، واثقات بدورهنّ في هذا المسرح المفتوح.
 حضورهنّ يجعل الحكاية شبه معقولة، وكأن عيونهنّ السوداء تصادق على نسب عادل إمام وحسن الإمام إلى شالة.
وبينما أنا أُقلب جهاز الآيباد في يدي، ترددت في داخلي أسئلة كثيرة: هل أبحث عن الحقيقة في مسرحٍ خُلِق أصلاً للوهم؟ 
ربما هذا هو سرّ شالة: أن تمنح زوّارها وهماً جميلاً، حيث التاريخ والفن يتداخلان، وحيث كل حجر يسرد نكتة، وكل لقلق يترجم آية من الكوميديا.
في النهاية، غادر السياح مبهورين، مقتنعين أنهم مشوا في "ممرّ أجداد السينما العربية".
وأنا، التزمت الصمت وقلت في نفسي: لو أعلنوا غداً أن لتشارلي شابلن عمّاً مدفوناً وراء السور الموحدي، فلن أندهش.
لأن شالة لم تعد مجرّد مقبرة مرينية، بل صارت "شالة وود" challahwood: مسرحاً يتحدّى التاريخ بالخيال، حيث اللقالق ترفرف مثل كشافات فوق خشبة لا تنطفئ.