محمد شخمان: الصحراء المغربية.. كيف تم تحويل شاب صغير الى ورقة للتجاذبات السياسية بين الأمم ؟!

محمد شخمان: الصحراء المغربية.. كيف تم تحويل شاب صغير  الى ورقة للتجاذبات السياسية بين الأمم ؟! محمد شخمان
إنها بطاقة لطالب مغربي بالرباط سنة 1973 عمره 24 سنة، يدرس بالسنة الثالثة بكلية الحقوق.
لو أن الطالب مصطفى الوالي السيد كان طالبا عاديا كمعظم الطلبة لانتظر سنة ونصف لنيل الإجازة وبعدها يذهب الى تدريب لسنة على الأقل ليصبح موظفا عاديا وبأجر أقل من متوسط، لكن كان للرجل مسار قوي، مفاجئ وعجائبي .

ففي ظرف سنتين ونصف التي تفصله عن التوظيف تمكن من أن يؤسس دولة ثورية تسمى ( الجمهورية العربية الصحراوية .. ) التي أعلنت في 27 فبراير 1976.

الاستعمار الاسباني كان يجثم على أراضي الصحراء الغربية فكيف تأسست (الجمهورية الثورية) في ظرف سنتين وبضعة أشهر وأعلنت في يوم كان المغاربة قد بسطو سيطرتهم على صحرائهم ؟

الشاب/الزعيم الثوري  قبل أن يغادر المغرب التقى بعلال الفاسي وعلي يعته ليساعدوه كقادة وطنيين هو ورفاقه في طرد الاستعمار الاسباني من الصحراء المغربية، غير أنه لم يظفر منهم بشيء، فقط عبد الرحيم بوعبيد وعمر بنجلون ومحمد اليازغي عن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية أبدوا بعض الاهتمام بمطالبه  ـ رغم صغر سنه - ولم يتجاوز الأمر أن وجه لكي يلتقي برفاقهم بالجزائر حيث كان لهم جناح مسلح هناك.

التقى الوالي مصطفى السيد في الجزائر بالفقيه محمد البصري وطلب تزويده بالسلاح وهو ما لم يرفضه البصري، وفي نفس الوقت فتح له قناة مع القذافي.

شحنت أول دفعة سلاح من ليبيا عبر الصحراء في اتجاه سفارة ليبيا في نواكشوظ ومنها تسلم ثوار مصطفى الوالي رشاشاتهم التي وجهوها ضد جنود الاحتلال كبداية حرب عصابات ضد المحتل الاسباني  وأغلبهم لم يستفد بعد من أي تدريب.

تفاجأت الجزائر بامتلاكهم للأسلحة التي مرت عبر أراضيها دون أن تفطن للأمر وهي التي كان الموضوع بالنسبة لها في الثلاجة فما كان من المخابرات الجزائرية الا أن تحركت وفي بضعة أسابيع غيرت بوصلة الثوار لتتلاءم مع أهداف بومدين المناهضة لوحدة التراب المغربي والحاقد على النظام الملكي ( الرجعي ).

ومن المعلوم أن بومدين كان يرى في أن أي صعود للدولة المغربية يشكل تهديدا على الجزائر لأن ( الأمبراطورية الشريفة )، لها عمق تاريخي وروحي قد يبتلع الجزائر إن تم بعث الروح في ( الأمبراطورية القديمة )، وكانت فكرة فصل الصحراء الغربية وإيجاد منفذ للجزائر على المحيط الأطلسي هو رأي لأقلية متنفذة داخل  القيادة الجزائرية سرعان ما أصبح عقيدة تدين بها القيادة العسكرية وتجعلها صمام أمان داخلي بخلق عدو خارجي.

في 27 فبراير 1976 أعلنت الجمهورية الصحراوية ورئيسها هو الشاب مصطفى الوالي السيد صاحب الراية التي تتوسطها النجمة والهلال وكل ذلك دون أن يكون للرجل سابق تفكير في الموضوع، فالجزائر قررت وهذا يكفي، ولم تكن له أرض يقيم فيها دولته ولا شعب يحكمه، لكن تندوف كانت مقره المؤقت/الأبدي، غير أن قيادة الجزائر ساعدت الرئيس في أن تجد له شعبا أتت ببعضه من صحرائها ومن صحراء موريتانيا والبعض الٱخر اختطف من الصحراء المغربية اعتمادا على سلاح القذافي وجنود بومدين، وكل الشعب لم يتجاوز الى اليوم مئة ألف محتجز تحت القيادة الرشيدة/الأبدية والمستفيدة من مأساة إنسانية.

زعيم  البوليساريو، القائد الثوري ضاق ذرعا بتسلط القيادة الجزائرية وتدخلها في تفاصيل اختيارات البوليساريو فاختار أن يستقل عنها وذلك بأن يجد له موطئ قدم يرحل إليه بعيدا عن أعين وسلطة المخابرات الجزائرية فكان اختياره هو الهجوم على نواكشوظ وإسقاطها ومن ثمة إيجاد حل له ولجماعته أو ( الاستشهاد ). 

الثائر هاجم نواكشوظ وضرب القصر الرئاسي وهم بأن يستولي على كامل عاصمة موريتانيا، لكن طيران الأخيرة قصفه فقتل هناك.

من المعلوم أن الثائر مصطفى الوالي السيد لم يكن مقاتلا وأن المقاتل القائد عزيز غالي تخلف عن المعركة،كما تخلفت فرقتين أخريتين فكان مصيره المحتم الذي رسمته له حليفته الجزائر التي وضعت مكانه محمد عبد العزيز رغم ( غمغمات ) اللجنة التنفيذية لجبهة البوليساريو التي لم يكن ضمن أعضائها.

محمد الفقيه البصري قائد جيش التحرير المغربي ضد الاستعمار الاسباني والفرنسي في الخمسينات، وقائد الجناح المسلح لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في الستينات والسبعينات الذي كان يريد قلب النظام الملكي المغربي ـ قبل التوبة ـ وتأسيس جمهورية على كامل التراب المغربي اضطر لترحيل معسكره من الجزائر الى سوريا بعد أن تم التضييق على مناضليه واعتقال بعضهم عقابا على موقفهم الرافض لتجزيء المغرب.

رحم الله الشاب الثائر الوحدوي مصطفى الوالي السيد صاحب التاريخ العاصف، ثلاث سنوات كانت كافية لكي يغادر الرباط ويذهب مع الفقيه البصري عند القذافي ويلتقي بومدين ليصاحبه قبل أن يغضبه ويؤسس البوليساريو في موريتانيا والجمهورية الصحراوية في الجزائر ويتم اغتياله في أرض بها أسس ثورته وبها استلم بندقيته الأولى وبها كاد أن يجد موطئ قدم لجمهوريته على حساب جمهورية اسلامية.

ثلاث سنوات كانت كافية لخلط كل الأوراق. لكن خمسون سنة لم تكن كافية للوصول الى حل نهائي للملف. غير أنني أعتقد أن 6 نونبر المقبل قد يعلن ملك المغرب عن أن الملف طوي بالنسبة للمملكة المغربية، وقد تكون السنة الموالية هي سنة التخلي على الملف من طرف مجلس الأمن كأحد أطول الملفات التي عمرت في مكتبه.

إنه مكر التاريخ، شاب بسيط مناضل يأكل التمر ويشرب حليب الناقة تم تحويلة الى ورقة سياسية لعبت بها الأمم لعبة التجاذبات والتوازنات السياسية من الجزائر الى ليبيا الى هڤانا الى موسكو الى مدريد الى باريس.

وللحديث بقيات.