سعيد ودغيري حسني: حين تصمت يد الفيتو وتتكلم الأرض

سعيد ودغيري حسني: حين تصمت يد الفيتو وتتكلم الأرض سعيد ودغيري حسني
وأنا أتابع أشغال الدورة العادية لجمعية الأمم المتحدة بنيويورك
وأحتفل مع العالم بمرور ثمانين سنة على قيامها
تخيلت
تخيلت قاعة بلا فيتو
تخيلت قرارات تخرج من رحم العدالة لا من أقبية المصالح
وتخيلت مجلسا لا يُعطّل الحق بخمس أياد مرفوعة
ولا يذبح الأمل بخمس كلمات باردة
ثمانون عاما من الانتظار
ثمانون عاما من وعود السلام
لكن كم من مرة سقطت فلسطين في فخ الفيتو
كم من مرة صمتت العدالة أمام صرخات البوسنة
كم من مرة نزفت رواندا حتى آخر قطرة دم
كم من مرة احترقت سوريا بينما القرارات مؤجلة
الفيتو لم يكن يوما سيفا للحكمة
بل كان مقصلة للعدالة
لنتخيل خمس سنوات بلا فيتو
خمس سنوات فقط
نترك القرارات تمضي كما أرادتها الشعوب
لا كما رسمتها خرائط القوة
خمس سنوات نرى فيها فلسطين تعود إلى شمسها
ونرى اللاجئ يجد وطنا لا خيمة
ونرى الطفل يكبر بلا خوف
خمس سنوات قد تعيد للأمم المتحدة روحها الأولى
روح سان فرانسيسكو يوم قالت للبشرية لن يتكرر الخراب
أيها السادة
إن العالم لا يحتاج إلى وصي
العالم يحتاج إلى ضمير
ولا يحتاج إلى ورقة تمنع القرار
بل إلى إرادة تجعل القرار حياة
الفيتو قيدٌ يكسر جناحي العدالة
فكيف نطلب من السلام أن يطير
يا مجلس الأمن
لقد آن الأوان لتجربة الحلم
خمس سنوات بلا فيتو
خمس سنوات بلا شلل ولا انتظار
خمس سنوات تكشف إن كان العدل ممكنا بلا سلاسل
وإن كان صوت الإنسانية أقوى من أي صوت آخر
لنتخيل عالما بلا فيتو
عندها لن تكون فلسطين وعدا مؤجلا
ولن تكون دماء الأبرياء حبرا على هوامش المحاضر
ولن يكون الفرح بعيدا عن أطفال الأرض
بل سيعود العالم إلى إنسانيته الأولى
إلى وعده الأول
إلى صورته التي حلم بها المؤسسون قبل ثمانين عاما
حين تصمت يد الفيتو وتتكلم الأرض
سيعرف العالم أن العدالة لم تكن وهما
وأن الحلم المؤجل يمكن أن يولد
وأن الإنسانية أقوى من كل الحسابات
ذلك اليوم قد يبدو بعيدا
لكنني أراه يقترب مع كل كلمة صادقة
ومع كل ضمير يرفض أن تُباع الحقيقة بخمس كلمات
نداء إلى البشرية
يا شعوب الأرض
يا ضمير الإنسانية
آن الأوان أن تقولوا كلمتكم
أن تجعلوا صوتكم أعلى من أصوات المصالح
أن ترفضوا أن يبقى مصيركم أسير خمسة مقاعد
أن تطالبوا بتجربة بلا فيتو
فالعالم ليس ملكا لأحد
العالم بيتكم جميعا
وإذا تكلمت البشرية بصدق
فلن يقوى أي فيتو على إسكاتها
تخيلوا أيدينا الممتدة نحو السماء بلا حواجز
تخيلوا أصواتنا تتحد مع أنين الأرض والمياه والجبال
تخيلوا كل طفل يولد مبتسما بلا خوف
تخيلوا المدن التي تنبض بالحياة بلا صمت القنابل
تخيلوا قلوبنا تتسع لكل إنسان
حتى لمن لم نعرفه بعد
تخيلوا أن الحرية والعدل يرقصان في كل شارع
وتخيلوا أن التاريخ يكتب بألوان الحياة لا بألوان الدماء
أيها البشر
انهضوا
تحدثوا
اجعلوا العدالة صوتا جماعيا
اجعلوا الإنسانية أوسع من كل حسابات القوة
خمس سنوات فقط
لتجربة الحلم
ولتثبت أن الأرض لا تحتاج إلى فيتو
بل إلى قلوب صادقة تصنع السلام