مع مطلع كل موسم دراسي، يعود النقاش حول الخصاص الحاد في الأطر الإدارية بالمؤسسات التعليمية إلى الواجهة. ولم يعد هذا الخصاص حالة استثنائية أو ظرفا طارئا، بل تحوّل إلى معضلة بنيوية متكررة تربك تنظيم الدخول المدرسي وتؤثر بشكل مباشر على السير العادي للدراسة، وعلى حق أبنائنا في التعليم والتعلم داخل ظروف تربوية ملائمة.
فالأطر الإدارية، من حراس عامين ونظار ومدراء، ليست مجرد أطر ثانوية في المنظومة، بل هي العمود الفقري لتدبير الفعل التربوي بالمؤسسات التعليمية، تسهر على تنظيم العمل الإداري والتربوي وتتبع المواظبة والسلوك، وضمان بيئة تعليمية آمنة. وأي خصاص في هذه الفئة ينعكس على الأداء اليومي للمؤسسات ويضاعف الصعوبات أمام المتعلمين.
ورغم الحاجة المستعجلة لتدبير الخصاص الإداري، ما تزال الوزارة الوصية ومصالحها الجهوية والإقليمية متشبثة بمذكرات تنظيمية تُفسر في الغالب بشكل جامد يزيد من حدة الاحتقان بين الوزارة الوصية والمتصرفين التربويين.
وأبرز مثال على ذلك المذكرة الوزارية رقم 3610/24 بتاريخ 18 أكتوبر 2024، الخاصة بشغل المناصب الشاغرة في الإدارة التربوية ومنح التعويضات المرتبطة بها.
هذه المذكرة تشترط أن تُسند المناصب الشاغرة إلى المتصرفين التربويين الذين سبق إعفاؤهم أو لم يتم إقرارهم، ولكن فقط بعد مرور خمس سنوات متصلة على الأقل.
هنا يطرح الإشكال بالنسبة لفوج 2020/2021: كيف سيتم احتساب هذه المدة بالنسبة لمن لم يتم إقرارهم؟ هل يبدأ العدّ منذ تاريخ أول تعيين، أم منذ قرار اللجنة بعدم الإقرار، والذي غالباً ما يُتخذ في شهر ماي؟ فإذا اعتُمد تاريخ لجنة عدم الاقرار، فهذا يعني أن المعني بالأمر يُعتبر غير أهل للمهمة ابتداءً من ذلك شهر ماي، أي أن وضعيته أقرب إلى "الإعفاء" منها إلى "عدم الإقرار".
أما إذا اعتُبر العدّ ابتداء من الموسم الموالي، فإن السنة الأولى من تعيينه تصبح كأنها سنة ملغاة، وهو أمر غير منصف ويمثل ظلماً مضاعفاً لهذه الفئة.
ويزداد الغموض حين نعلم أن تقارير عدم الإقرار تُبنى على الزيارات الميدانية الأولى منذ شهر أكتوبر، أي أن فكرة عدم الأهلية تبنى عملياً منذ تاريخ التعيين، وليس عند نهاية السنة الدراسية.
وهنا يظهر الفراغ التشريعي الذي يفتح الباب أمام تأويلات متناقضة بين المديريات، ويضع المتصرفين التربويين، خاصة فوج 2020/2021، في وضعية ملتبسة وغير عادلة.
إن هؤلاء الأطر لم يأتوا من الريع التشريعي الذي تعرفه مجموعة من القطاعات بل اجتازوا تكويناً نظرياً وميدانياً، أنجزوا بحوثاً وتجاوزوا امتحانات التخرج بنجاح. أي أن مسلك الإدارة التربوية أقرّ مسبقاً بكفاءتهم. ومع ذلك، يجدون أنفسهم خارج المنظومة بفعل تأويل جامد للنصوص، في وقتٍ تعاني فيه المؤسسات التعليمية خصاصاً حاداً. إنهم ضحايا لتأويلات متعصبة جامدة كان يُفترض أن تدعم المدرسة بالكفاءات، فإذا بها تتحول إلى عائق يُفاقم الأزمة.
والمفارقة الصارخة أن المديريات نفسها لا تتردد أحياناً في تكليف من لم يقروا، أو حتى من تم إعفاؤهم، بمهام الإدارة التربوية خلال نفس الموسم الدراسي. كما تسند مهام الإدارة التربوية في بعض الأكاديميات إلى أساتذة مواد المعلوميات الفائضين، الذين لم يسبق لهم أن تلقوا أي تكوين إداري، فقط بدعوى سد الخصاص.
فإذا كانت الالتجاء إلى تبني المرونة في تأويل النصوص بدعوى المصلحة العامة في هذه الحالات، فلماذا لا يُؤوَّل النص التنظيمي بنفس المنطق لإرجاع المتصرفين التربويين إلى مناصبهم، دون انتظار مرور خمس سنوات كاملة؟ أو على الأقل عبر احتساب المدة ابتداءً من السنة الأولى لعدم الإقرار.
وللتأكيد على أن التأويل المرن للنصوص ليس بدعة، يمكن الاستشهاد بالمرسوم رقم 2.11.621 الصادر في 28 دجنبر 2011 المتعلق بالشواهد الطبية للموظفين. فالنص يلزم الموظف بتقديم شهادة طبية موقعة من طبيب قطاع الصحة العمومية أو طبيب خاص معتمد.
غير أن الممارسة العملية سمحت بقبول شواهد صادرة عن أطباء خواص غير معتمدين، استناداً إلى مبدأ تيسير المساطر وضمان حق الموظف في الاستفادة من رخصته المرضية. الهدف كان حماية المصلحة العامة وعدم حرمان الموظف من حقه بسبب تعقيدات إدارية. فلماذا لا يُعتمد نفس المنطق مع المتصرفين التربويين؟
إن الإصرار على هذا الجمود لا يفرغ النصوص التنظيمية من عدالتها فقط، بل يهدر أيضاً طاقات وطنية تكونت على نفقة الدولة، ويحرم المؤسسات التعليمية من كفاءات جاهزة كان الأجدر أن تُسخَّر لتحسين المناخ التربوي وضمان تكافؤ الفرص بين المتعلمين. ومن ثمة فإن تجاوز أزمة الخصاص الإداري يقتضي الانتقال من منطق "البلوكاج" إلى منطق المرونة في التعامل مع النصوص التنظيمية، وذلك من خلال إعادة تعيين المتصرفين التربويين الذين لم يتم إقرارهم أو تم إعفاؤهم مباشرة في مناصبهم السابقة، مع تيسير إجراءات التكليف بمهام الإدارة التربوية لفائدة المختصين التربويين والاجتماعيين، دون الحاجة لتدخل نقابي، بما يسمح باستغلال الطاقات المتاحة بسرعة ومرونة، وإعطاء الأولوية للمؤسسات ذات الكثافة العددية المرتفعة نظراً لحاجتها الملحة للدعم الإداري.
أما على المدى البنيوي، فيُستحسن تنظيم حركة محلية خاصة بالحراس العامين لتدبير الفائض والخصاص داخل الجماعات الترابية، مع ضمان العدالة في التوزيع، ومراجعة المعيار القانوني المتعلق بعدد التلاميذ بحيث لا يتجاوز عدد التلاميذ المسندين للحارس العام 600 تلميذ، مع توفير مساعدين إضافيين في المؤسسات الكبيرة، فضلاً عن إعادة النظر في النصوص التنظيمية بما يضمن وضوحاً أكبر في احتساب مدد الإعفاء وعدم الإقرار، حتى لا تبقى رهينة لتأويلات متناقضة.
إن تبني مثل هذه المقترحات بجرأة وإرادة حقيقية من شأنه أن يعيد التوازن للمنظومة التعليمية، ويحوّل النصوص من عائق بيروقراطي إلى أداة لحل الأزمات. وفي نهاية المطاف، يظل الرهان الأكبر هو المصلحة العليا للتلميذات والتلاميذ، التي يجب أن تسمو على أي تأويل ضيق أو جامد للنصوص.