في السنوات الأخيرة، أصبح المغرب محط أنظار العالم مع إعلان استضافته لكأس العالم 2030، وهو ما دفع الدولة إلى تسريع وتيرة الاستثمار في البنية التحتية الرياضية، خاصة بناء الملاعب الكبرى. هذا التوجه يهدف إلى تعزيز صورة المغرب دوليًا وجذب السياحة والاستثمارات، إلا أنه يثير في المقابل تساؤلات جوهرية حول أولويات الاستثمار الوطني، خصوصًا في ظل تراجع قطاعات حيوية أخرى مثل النقل البحري.
رغم أن المغرب بلد يطل على بحرين، المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، إلا أن قطاع النقل البحري عرف تراجعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خاصة بعد إفلاس شركات كبرى مثل "كوماناف" و"كوماريت". هذا التراجع ترك فراغًا كبيرًا في الربط البحري مع أوروبا، ما أثر بشكل مباشر على مغاربة العالم والسياحة، وأدى إلى الاعتماد شبه الكلي على شركات أجنبية لنقل المسافرين والبضائع.
من الناحية القانونية، الاستثمار في قطاع النقل البحري غير ممنوع، بل هناك قوانين تنظم هذا القطاع وتسمح للقطاعين العام والخاص بالمساهمة فيه. إلا أن الواقع يكشف عن تحديات كبيرة، أبرزها ارتفاع التكاليف الأولية لتأسيس شركات النقل البحري، والمنافسة الشرسة من الشركات الأجنبية، وضعف الدعم الحكومي مقارنة بقطاعات أخرى كالملاعب والطرق. ورغم وجود بعض المبادرات المحدودة من فاعلين مغاربة، إلا أنها غالبًا ما تصطدم بعقبات إدارية ومالية وتقنية.
غياب شركة مغربية قوية للنقل البحري له آثار سلبية متعددة، منها إضعاف السيادة البحرية الوطنية، وارتفاع أسعار التذاكر بسبب غياب المنافسة المحلية، وصعوبة تنقل مغاربة العالم خاصة في فترات الذروة مثل عملية "مرحبا". كما أن نجاح التظاهرات الكبرى مثل كأس العالم لا يرتبط فقط بكفاءة الملاعب والمطارات، بل يتطلب أيضًا منظومة نقل متكاملة تشمل النقل البحري، الذي كان من شأنه تسهيل تنقل الجالية والسياح، وتعزيز صورة المغرب كبلد منفتح ومتطور.
في الخلاصة، الاستثمار في البحر ليس ممنوعًا، لكنه غير محفز بما يكفي مقارنة بقطاعات أخرى. هناك حاجة ملحة لإعادة إحياء النقل البحري المغربي، سواء عبر شراكات عمومية-خاصة أو تحفيز المستثمرين المحليين، لأن نجاح كأس العالم 2030 وتطوير الاقتصاد الوطني يتطلبان بنية تحتية متكاملة يكون فيها النقل البحري جزءًا أساسيًا.