بريهوما: حزب العدالة والتنمية.. من هزيمة الماضي إلى هزيمة المستقبل

بريهوما: حزب العدالة والتنمية.. من هزيمة الماضي إلى هزيمة المستقبل عبد القادر بريهوما
لا يزال حزب العدالة والتنمية يعيش تداعيات الهزيمة الثقيلة في انتخابات 2021، وهي هزيمة لم تكن وليدة الصدفة، بل نتيجة تراكمات سياسية واقتصادية وإدارية أرهقته وأفقدته بريقه. فقد أقدم الحزب على قرارات سياسية غير شعبية خلقت هوة مع قواعده ومع فئات واسعة من المجتمع، أبرزها توقيع اتفاقيات وقرارات لم تنسجم مع خطابه السابق ووعوده للناخبين. وعلى المستوى الاقتصادي، تبنى إجراءات أنهكت جيوب المغاربة، من زيادات في الأسعار وضرائب أثقلت كاهل الطبقات الوسطى والفقيرة، إلى قرارات مالية كانت محل استياء عام. يضاف إلى ذلك مواقف غريبة ومتناقضة في قضايا حساسة، أظهرت الحزب في صورة المرتبك الذي لا يملك رؤية واضحة، مما زاد في فقدان الثقة به. ومع كل هذه الأخطاء، ظل السبب الأعمق كامناً في تلك الثنائية الملتبسة بين حركة التوحيد والإصلاح والحزب، حيث ظلت الحركة تتحكم في مفاصل الحزب جهويا ووطنيا  بل تتحكم في جميع قرارات الحزب وتفرض مرجعيتها الدعوية على العمل السياسي، وهو ما خلق ارتباكًا لدى الرأي العام وقلل من ثقة الناخبين. 

وما يزيد من تعقيد المشهد أن الحزب استغنى عن عدد كبير من قياداته البارزة في الصف الأول (الرميد، الرباح......)، وتمت إزاحة شخصيات وازنة كانت تشكل رصيده السياسي والتواصلي، من خلال فبركة قضايا لها وتجهيز تُهم على المقاس بمباركة الحركة المسيطرة على اللجنة الوطنية للتأديب، ليصبح الحزب اليوم أشبه بتنظيم مغلق يقوده "القائد العظيم"، حيث تُخنق كل محاولة للنقد أو التجديد، ويُهمَّش كل صوت مخالف. هذه المركزية المفرطة لم تزد الحزب إلا ضعفًا وابتعادًا عن قواعده الشعبية التي شعرت بأن القرار أصبح محصورًا في دائرة ضيقة. 

واليوم، حين يتحدث بنكيران عن انتخابات 2026، فإنه يحاول ترميم صورة مهترئة وتقديم خطاب يوحي بالثقة، لكنه في العمق يعمل على استقطاب المواطنين البسطاء محاولة منه للالتفاف على اصواتهم، ومستهدفًا في نفس الوقت بعض الفئات التي تحمل توجهات إسلاموية أو توجهات عدمية، في محاولة لخلخلة المشهد الحزبي وخلط الأوراق. هذه الاستراتيجية تقوم على دغدغة المشاعر وعلى اللعب على العاطفة الدينية واستغلال السخط الاجتماعي، وإيهام هؤلاء بأن الحزب هو الملاذ الأخير، بينما الهدف الحقيقي هو إعادة تدوير نفس القيادات المستهلكة وإعادة تدوير كذلك بعض "القيادات" الجهوية بنفس الخطاب الذي أثبت فشله، وإعادة إنتاج عقلية الغنيمة لا عقلية الإصلاح. والازدواجية التي يعيشها بنكيران نفسه تجسد جوهر الأزمة: فهو في النهار رئيس حزب سياسي يخضع للقواعد الدستورية، وفي الليل يشتغل تحت الإشراف المباشر لرئيسه الحقيقي، رئيس حركة التوحيد والاصلاح، التي تدعي زورا بانها حركة دعوية بمرجعيات موازية. إذن، كيف يمكن لهذا التناقض الذي يعيشه بنكيران أن ينتج مشروعًا سياسيًا ناجحًا؟ 

الحملة الانتخابية التي أطلقها بنكيران قبل الأوان ليست سوى محاولة لخلق وهم العودة واستعادة الأنفاس، لكن التاريخ القريب للحزب يثبت أن كل اندفاع يقابله انكشاف أعمق. فالحزب الذي لم ينجح وهو في أوج قوته ومع نخبه السياسية الفاعلة، لن ينجح وهو اليوم يجر وراءه إرث القرارات الفاشلة، عبء الحركة الدعوية المسيطرة على مفاصل الحزب، وطرد قياداته المؤثرة. وبالنظر إلى هذه المعطيات البنيوية والموضوعية، فإن التوقع المنطقي هو أن الحزب مقبل على هزيمة نكراء في انتخابات 2026، لأن من فقد توازنه التنظيمي وخسر ثقة شعبه لن يقدر على استعادة الصدارة، بل سيبقى أسير أخطائه وتناقضاته الداخلية.