هشام البوجدراوي: الخصاص الإداري يهدد جودة التعليم الثانوي بالمغرب

هشام البوجدراوي: الخصاص الإداري يهدد جودة التعليم الثانوي بالمغرب هشام البوجدراوي
مع بداية كل موسم دراسي، يتجدد النقاش حول الخصاص الحاد الذي تعاني منه مؤسسات التعليم الثانوي على مستوى الأطر الإدارية، وخاصة فئة الحراسة العامة والأطر المساعدة لها. وإذا كانت هذه الفئة تشكل ركنا أساسيا في تنظيم البيئة المدرسية وضبطها، فإن استمرار العجز في تغطية هذا الخصاص ينعكس بشكل مباشر على مردودية المنظومة التربوية، في وقت تسعى فيه الوزارة الوصية إلى الارتقاء بجودة التعليم في مدخلاته وعملياته ومخرجاته.
ويرتبط هذا الخصاص بعدة أسباب، منها الإحالة على التقاعد أو الانتقالات المتكررة للإداريين، وعدم التصريح بالحاجيات الفعلية من الأطر الإدارية ببعض المؤسسات، وتوقف مسلك تكوين المتصرفين التربويين عن تخريج أفواج جديدة لمدة من الزمن، بالإضافة إلى إلحاق بعض المختصين التربويين بهيئة التدريس، وضعف التخطيط الاستباقي لتدبير الموارد البشرية.
كما تتدخل أحيانا اعتبارات غير موضوعية في توزيع الخريجين من الإداريين على المؤسسات التعليمية، إلى جانب عدم اعتماد آليات ناجعة لتدبير الفائض بين المؤسسات.
وتترتب عن هذه الوضعية اختلالات متعددة، من أبرزها انتشار الفوضى داخل الفضاءات المدرسية وتعرض الممتلكات للتخريب، وعرقلة السير العادي للدراسة وتأخر التلاميذ عن الالتحاق بالفصول، وتنامي مظاهر العنف المدرسي، فضلا عن بروز سلوكات غير منضبطة خلال فترات الاستراحة. كما يؤدي ضعف التتبع الإداري للمتمدرسين إلى صعوبة ضبط الغياب والمواظبة، ويؤثر سلبا على تدبير الوثائق الإدارية والتربوية الخاصة بالمتعلمين، ويضعف من انخراط المتعلمين في أنشطة الحياة المدرسية وأنشطة المواكبة والتوجيه المدرسي.
وفي ظل هذه الظروف، تتحمل الأطر الإدارية مهاما تفوق طاقتها، وتضطر إلى العمل لساعات إضافية خلال اليوم وأيام العطل المدرسية دون أي تعويض، في حين تستفيد فئات أخرى من تعويضات عن أي عمل إضافي تقوم به، دون المساس بحقها في عدم مزاولة مهام لا تدخل في صميم اختصاصاتها التي تحددها المراسيم والمذكرات المنظمة للمهام.
ويحكي أحد الأساتذة العاملين بإحدى الثانويات في الوسط القروي قائلا:
"المؤسسة التي أدرس بها تضم أزيد من 2400 تلميذ، بينما لا يتجاوز عدد الحراس العامين الرسميين فردا واحدا، وهو ما يجعل من المستحيل مواكبة جميع التلاميذ وتدبير شؤونهم الإدارية والتربوية في الوقت المناسب، رغم تكليف إطارين إداريين آخرين بمهام الحراسة العامة".
ولا تقتصر أدوار الحراس العامين على الجانب الإداري البحت، بل تمتد لتشمل المواكبة التربوية والنفسية والاجتماعية للتلاميذ، من خلال تتبع تحصيلهم الدراسي، والتعرف على وضعهم الاجتماعي، والإصغاء لمشاكلهم، والتواصل مع أسرهم، والتنسيق مع المختصين في الطب النفسي في الحالات الخاصة، وضمان انخراط الشركاء في تدبير العمليات التربوية. وفي هذا الإطار، صرح أحد الحراس العامين بثانوية يفوق عدد تلامذتها 2000 تلميذ بضواحي المدينة قائلا:
"جزء كبير من عملي اليومي في ظل الخصاص من الإداريين لا يقتصر على تدبير العمليات المكتبية للحراسة العامة فحسب، بل يشمل تنظيم الدخول والخروج من المؤسسة، وحل مشاكل إخراج التلاميذ من الفصول الدراسية، ومعالجة حالات العنف المدرسي، ومراقبة الساحة خلال الاستراحة وأثناء الحصص الدراسية، واستقبال أولياء الأمور وتدبير طلباتهم وإطلاعهم على مواظبة وسلوك أبنائهم، فضلا عن القيام بدور الإطفائي في مواجهة مشاكل الآباء والتلاميذ والأساتذة، والإصغاء للتلاميذ الذين يعانون من مشاكل أسرية أو اجتماعية، ومحاولة احتوائهم قبل أن تنعكس أوضاعهم على مسارهم الدراسي".
غير أن الواقع يكشف أيضاً عن اختلالات إضافية مرتبطة بالحركة الانتقالية الخاصة بالحراس العامين والنظار، التي غالبا ما تتم بعد الدخول المدرسي، مما يؤدي إلى ارتباك واضح في تدبير عمليات بداية السنة الدراسية. ويؤكد مدير إحدى الثانويات بالوسط القروي قائلاً:
"الخصاص في الحراس العامين والأطر المساعدة لها خلال بداية الموسم يجعل المؤسسة تعيش حالة من الفوضى، حيث يصعب معه تدبير عمليات الدخول المدرسي بنجاعة، إلى أن يتم تعيين أو تكليف إطار إداري إضافي بعد أسابيع. وغالبا ما يكلف أحد المختصين التربويين بهذه المهمة رغم رفضه المبدئي لها، مقابل تعويض سنوي. وفي حال عدم توفر العدد الكافي من الإداريين، يتم اللجوء إلى المدير "العجلة الاحتياطية" لتغطية الخصاص تحت شعار: غير شوف كيدير".
إن تدبير الخصاص بالثانويات لم يعد ترفا يحتمل مزيدا من التأجيل. لذلك، فإن التخطيط الاستباقي لرصد الحاجيات وربطها بالمناصب المالية المرصودة، مع تدبير آلية لتوقع حالات التقاعد النسبي والانتقال "كعملية التعبير عن الرغبة"، يشكل خطوة أساسية نحو الحل. كما أن اعتماد معايير موضوعية في توزيع التعيينات الجديدة تراعي حجم المؤسسة وموقعها الجغرافي وعدد المتعلمين بها، سيسهم لا محالة في إرساء حد أدنى من العدالة والإنصاف، إلى جانب اعتماد حركة انتقالية محلية لتدبير الفائض والخصاص خاصة بالأطر الإدارية، أسوة بحركة تدبير الفائض الخاصة بالأساتذة، بما يضمن عدالة في توزيع الموارد بين الثانويات.
وخلاصة القول، يبقى واضحا أن أي رهان على إصلاح المدرسة العمومية يظل رهينا بتقوية الأطر الإدارية عدداً وكفاءة، ودعمها بالوسائل اللوجستيكية اللازمة لتدبير المرفق التربوي. فهي ليست مجرد جهاز للضبط والرصد والتنظيم، بل فاعل تربوي واجتماعي يساهم في ضمان الانضباط والمواكبة والدعم النفسي والتربوي للتلاميذ. ولعل تدارك هذا الخصاص يشكل إحدى المدخلات الحاسمة لتحسين جودة المخرجات.
إن مناقشة الخصاص في هذا المقال لا يهدف إلى محاكمة أو نقد جهة معينة، بل ينطلق من باب المسؤولية الوطنية والأخلاقية، التي تفرض على الجميع التجند والمساهمة في تدبير شؤون المؤسسات التعليمية، دون النظر إلى الأذاة أو القوانين والمراسيم المحددة للمهام. إن تبني النهج الجماعي في تدبير المؤسسات التعليمية يشكل مدخلاً أساسياً لتحسين جودة التعليم والارتقاء بالمدرسة العمومية لمستوى توقعات المجتمع.