عجز صارخ ينعكس على البحث العلمي، وعلى التواصل العمومي، بل وحتى على الممارسات الطبية داخل الأندية.
في المغرب، حيث كرة القدم ليست مجرد رياضة بل شغف شعبي ومحرّك للوحدة الوطنية، تصبح هذه الفجوة أكثر خطورة.
إن انتصارات أسود الأطلس قادرة على توحيد شعب بأكمله، لكن خلف الأهازيج والاحتفالات، يظل التحدي الأكبر هو: حماية صحة اللاعبين بطب رياضي أكثر تنظيماً وحضوراً وفعالية.
من غير المقبول أن تبقى المستشفيات الجامعية، العيادات الخاصة، والفيدراليات الرياضية تعمل بشكل متفرق، بدل أن توحّد جهودها لبناء خبرة محلية، وإنشاء سجلات لإصابات اللاعبين، ونشر المعلومة الطبية بأسلوب مبسط يفيد اللاعبين والجمهور على حد سواء.
طب رياضي مشتّت ومعلومات مفقودة
الطب الرياضي المرتبط بكرة القدم يغطي مجالات شديدة التنوع: من الرضوض والكسور إلى طب القلب والأعصاب، مروراً بـ التغذية، الغدد الصماء، والطب النفسي. ومع ذلك، تبقى المعرفة العلمية متفرقة، محصورة في مجلات متخصصة، يصعب الوصول إليها حتى على الأطباء العاملين في الأندية.
أما المعطيات الوبائية حول إصابات كرة القدم، فهي مجزأة، غير محدثة، ولا تعكس الواقع المحلي.
والأدهى أن غياب التبسيط العلمي يترك اللاعبين وأسرهم في ظلام شبه تام: لا توعية حول مخاطر الارتجاج الدماغي، لا حملات حول طرق التعافي بعد المجهود المكثف، ولا نقاش جاد حول مخاطر الإفراط في الأدوية والمنشطات.
وفي هذا الفراغ، تنتشر الشائعات والعلاجات العشوائية التي لم يثبتها أي دليل علمي.
فجوة هائلة بين الشمال والجنوب
في أوروبا، صار الطب الرياضي مكوّناً أساسياً للأداء: أجهزة تصوير متطورة، تتبّع غذائي دقيق، مراقبة عبر الـ GPS، وقياسات بيولوجية متواصلة.
أما في إفريقيا والعالم العربي، بما في ذلك المغرب، فما زال الإشراف الطبي ضعيفاً. هناك أندية لا تملك طبيباً متخصصاً واحداً، ولا تجهيزات كافية، فيما التنسيق بين الأطباء والأطر التقنية الاخرى يظل هزيلاً، بعيداً عن مفهوم الرعاية المتكاملة.
أسئلة محرجة بلا أجوبة
من يدرس أثر الصدمات المتكررة على الدماغ واحتمال تسببها في أمراض تنكسية عصبية؟
من يتطرق بجدية إلى خصوصيات اللاعبات وحاجتهن إلى مقاربة طبية مختلفة؟
من يهتم بتأثير المناخ – الحرارة، الرطوبة، أو الارتفاع – على صحة اللاعبين وأدائهم؟
وأين هي السياسات التي تضمن المتابعة الصحية للاعبين المعتزلين بعد مسيرة مليئة بالإصابات؟
كل هذه الملفات مغيبة تقريباً.
مؤسسات صامتة ومجتمع رياضي معرّض للخطر
الاتحادات الكروية والهيئات المسؤولة نادراً ما تنشر تقارير شفافة عن الإصابات، أو بروتوكولات واضحة للوقاية والعلاج.
هذا الصمت المؤسسي يعمّق الفوضى، ويؤخر أي إصلاح حقيقي.
نحو ثورة مطلوبة
إن استمرار هذا الوضع لم يعد مقبولاً. يجب إنشاء منصات مركزية للمعلومة الطبية، تنظيم حملات وطنية للتوعية، وفرض دمج الطب الرياضي في كل الأندية بلا استثناء.
في المغرب، يشكل هذا الملف فرصة تاريخية: تحويل شغف كرة القدم إلى رافعة للابتكار الطبي وحماية صحة الرياضيين، خاصة ونحن مقبلون على محطتين كرويتين مصيريتين: كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030.
الدكتور أنور الشرقاوي
طبيب، خبير في التواصل الطبي وصحافة الصحة