المخيمات تحت المجهر.. حماية الطفولة أم اغتيال الثقة؟

المخيمات تحت المجهر.. حماية الطفولة أم اغتيال الثقة؟ صورة أرشيفية
كلما جرى الحديث عن شبهة اعتداء جنسي على الأطفال إلا وارتفعت مشاعر القلق داخل المجتمع، خصوصا حين يرتبط الأمر بالمؤسسات التربوية أو المخيمات الصيفية. هذا ما وقع مؤخرا مع ما راج حول إحدى هذه الفضاءات، حيث انشغل الرأي العام بقضية ما تزال في طور الشبهة، ولا تزال بيد الضابطة القضائية في انتظار ما ستكشف عنه التحقيقات. غير أن ما يجب التوقف عنده هو ضرورة التمييز بين الفعل الفردي المنعزل، وبين المخيم كمؤسسة تربوية عريقة لا يجوز اختزالها في انحراف عابر. فالقانون المغربي واضح وصارم في معاقبة كل من يثبت تورطه في أي فعل من أفعال العنف أو الاستغلال الجنسي ضد الأطفال، والمغرب ملتزم أيضا دوليا بحماية الطفولة عبر اتفاقية حقوق الطفل وغيرها من المواثيق. لكن النصوص وحدها لا تكفي، فالحماية الحقيقية تقوم على التربية والوقاية واليقظة المجتمعية، وعلى إشراك الجميع في توفير فضاءات آمنة للطفولة.

إن المخيمات في أصلها ليست مجرد أماكن للترفيه أو قضاء العطلة، بل هي فضاءات تتيح للأطفال فرص العيش المشترك واكتشاف الآخر والذات في أجواء جماعية. وهي تجربة لا تتحقق إلا بفضل آلاف الأطر التربوية المتطوعة، التي تناضل من أجل المصلحة الفضلى للطفولة. ولهذا فإن اختزال المخيم في شبهة فردية يعد ظلما مركبا، للطفل وللمؤسسة وللأطر. كما أن العنف الجنسي على الأطفال ليس ظاهرة لصيقة بالمخيمات وحدها، بل هو مرض مجتمعي قد يظهر في الأسرة أو المدرسة أو الشارع او المسيد . ومواجهته تتطلب مقاربة شمولية تقوم على التوعية والتكوين المستمر، والدعم النفسي والتشديد القانوني، إلى جانب تمكين الأطفال من ثقافة حقوقية، تجعلهم قادرين على التعبير عن ذواتهم والإبلاغ عن أي تجاوز. وهنا يصبح المخيم نفسه جزءا من الحل، إذا تم استثماره كفضاء للتربية على القيم والحقوق، ولتعليم الأطفال سبل حماية أنفسهم واحترام الآخرين. إن حماية الطفولة مسؤولية جماعية لا تقبل المساومة، والمخيمات جزء أساسي من هذه المعركة التربوية، فهي مدارس للحياة يمكن أن تتحول إلى حصون لحماية البراءة إذا أحسن تأطيرها وتطوير برامجها وتكوين أطرها.

ولعل الرسالة الأهم التي ينبغي أن تصل إلى الجميع هي أن مواجهة هذا الانحراف لا تكون بتشويه صورة المخيم، بل بجعله فضاء أكثر أمنا وإنسانية. وباعتبار أن حماية الأطفال واجب وطني وأخلاقي يقع على عاتق الدولة والمجتمع والأسر ومؤسسات المجتمع المدني.