مصطفى عزيز موسوعة ثقافية وسياسية ودبلوماسية وتاريخية، جمع بين التكوين الأكاديمي والخبرة العملية في منظمات دولية كالأمم المتحدة، مما سمح له بالاطلاع المباشر على آليات صنع القرار في السياقات العالمية، كما قدم دروسا في جامعات مرموقة بالولايات المتحدة وسويسرا، وشارك في منتديات وملتقيات دولية كبرى.
هذه التجارب مكنته من نسج شبكة علاقاته الدولية الواسعة، التي راكمها عبر مساره الطويل، وجعلته قريباً من رؤساء دول وكبار رجالات السياسة في أوروبا وأمريكا وإفريقيا والمشرق العربي، حتى بات بالنسبة إلى كثيرين منهم، يعتبر الرجل مرجعا ومصدرا للاستشارة والتحليل الرصين، نظرا لقدرته على قراءة التوازنات الجيوسياسية وتعقيدات العلاقات الدولية.
يشتغل الرجل في الظل دون صخب، يتقن فن اللوبيينغ، ولكن بفاعلية مؤثرة، معتمدا على أسلوب "الدبلوماسية الناعمة"، القائمة على بناء الثقة وفتح قنوات الحوار. منزله في باريس شكل فضاء احتضن لقاءات سياسية ودبلوماسية، جمعت أسماء وازنة في مجال السياسة والديبلوماسية والاقتصاد والإعلام والثقافة تبحث عن قنوات غير رسمية للحوار والتشاور. وبفضل مكانته وعلاقاته، استطاع أن يكون فاعلا غير رسمي في ملفات حساسة تهم المغرب، خصوصا ما يتعلق بقضاياه الاستراتيجية.
في ما يخص قضية الصحراء المغربية، يؤكد مصطفى عزيز أن جوهر الإشكال ليس في جبهة البوليساريو ذاتها، بل في الجزائر التي تستغل وتوظف هذا الملف كورقة ضغط لإطالة عمر النزاع وتعقيد مسارات الحل، وجعله بمثابة "مسمار في حذاء المغرب"، واداة لعرقلة مسيرة المملكة في الإقلاع الاقتصادي والبناء الديمقراطي وترسيخ الريادة على المستوى الإقليمي. لذلك، يعتبر أن ربح هذه المعركة يمر عبر تعزيز الحضور الدولي للمغرب، وكسب المزيد من الأصدقاء والحلفاء المؤثرين في دوائر القرار العالمي.
ورغم ما تعرض له الدكتور مصطفى عزيز من حملات منظمة استهدفت صورته ومكانته، فإن قوة شخصيته وصلابة مواقفه جعلت كل تلك الحملات تتكسر عند عتبة مصداقيته التي راكمها عبر عقود. بل إن هذه الاستهدافات لم تزده إلا إصرارا على المضي قدما، لأن حبه للوطن أكبر بكثير من كل محاولات التشويش أو النيل من سمعته.
الوطن عند مصطفى عزيز ليس شعارا، بل التزام راسخ بثوابته ومصالحه العليا. فهو رجل وطني يضع مصلحة البلاد فوق أي اعتبار، ويرى في المؤسسة الملكية الضامن الأكبر لوحدة المغرب واستقراره. لذلك لا يتردد في الدعوة إلى تقوية الجبهة الداخلية خلف جلالة الملك محمد السادس، باعتباره رائد الإصلاح والبناء المؤسساتي والديمقراطي.
مساره السياسي والنضالي أيضا غني، فقد بدأ مبكرا في صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حيث ارتبط بعلاقات وثيقة مع قادة بارزين من طينة مولاي عبد الله إبراهيم، الفقيه محمد البصري، وعبد الرحمان اليوسفي. تلك التجربة صقلت وعيه السياسي، وربطته بتاريخ الحركة الوطنية ومعاركها الكبرى من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية.
من موقعه الحقوقي والفكري، يدعو عزيز إلى تحقيق انفراج سياسي بعد تجربة "هيئة الإنصاف والمصالحة"، بما يتيح طي ملفات عالقة مثل حراك الريف، وفتح المجال أمام مغاربة العالم ممن شاركوا في احتجاجات أو مواقف معارضة للعودة الآمنة إلى الوطن. في تقديره، هذه الخطوة لن تعزز فقط صورة "المغرب الحقوقي"، بل ستقطع الطريق على خصوم يستغلون هذه الورقة لتشويه الإصلاحات الجارية في المملكة.
مؤخرا، أسس حركة "مغرب الغد" كإطار تنظيمي مدني يجمع بين مغاربة الداخل والخارج، هدفها الدفاع عن القضايا الوطنية، وفي مقدمتها الوحدة الترابية، ومواجهة الحملات العدائية التي تقودها حركات انفصالية وجهات أجنبية. وقد استطاعت هذه الحركة أن تستقطب نخبا وازنة من مغاربة العالم، بل وحتى من داخل الوطن، ممن وجدوا فيها صوتا صريحا وفضاء للتعبير عن انتمائهم والتزامهم بخدمة البلاد.
الى جانب ذلك، يدرك عزيز أن المعركة الحقيقية لا تخاض فقط في المؤسسات والمنتديات، بل أيضا في الإعلام. لذلك يأسف لغياب منابر مغربية قوية وقادرة على التأثير في الرأي العام الدولي، خصوصا في أوروبا وأمريكا وإفريقيا. ويعتبر أن المغرب بحاجة إلى إعلام يتجاوز حدوده الجغرافية، ليكون مسموعا ومؤثرا في قلب دوائر صناعة القرار.
بهذا المسار المتعدد الأبعاد والمليء بالمعرفة، النضال، والالتزام، يجسد الدكتور مصطفى عزيز صورة "السفير غير المعتمد" للمغرب: رجل يشتغل في صمت، يعتمد "الدبلوماسية الناعمة" يوظف شبكة علاقاته الدولية الواسعة و المتنوعة وخبرته العميقة لخدمة قضايا بلاده، ويصر على أن الوطن هو البوصلة.
إنه نموذج لرجل ظل، لا يسعى إلى الأضواء بقدر ما يراهن على الفعالية والنجاعة في خدمة القضايا الوطنية الكبرى. لكن بصوت واضح هو صوت الوطن.