في عمق المشهد الجمعوي لمغاربة العالم، تتداخل خيوط السياسة بالهوية، وتتجاذب الأدوار بين ما هو تنظيمي تطوعي وبين ما هو شهواني سلطوي. وبين سطوة الأنا ووهج "الليبيدو السياسي"، تتحول كثير من الجمعيات إلى فضاءات لتفريغ النزعات الذاتية، بدل أن تكون فضاءات لبناء الوعي الجماعي والمرافعة من أجل الحقوق.
في الظاهر، يبدو الفعل الجمعوي لمغاربة العالم فعلًا نبيلاً، يُفترض فيه أن يُجسد جسور الانتماء والوفاء للوطن، ويعمل على الدفاع عن قضايا الجالية واحتياجاتها في بلدان الإقامة. لكن الواقع كثيرًا ما يكشف عن تشوهات بنيوية ونفسية تفضح تورم الأنا عند بعض الفاعلين، وسقوطهم في منطق التموقع بدل التغيير، والزعامة بدل النضال، والتشخيص بدل المؤسسات.
يتجلى "الليبيدو السياسي" ، بمفهومه الفرويدي الممتد، كطاقة رغبوية تدفع بعض الأشخاص إلى دخول الحقل الجمعوي لا من باب الالتزام، بل من باب التسلّق والتملك. تنقلب الجمعية إلى حلبة لصراع الأوهام، حيث تتضخم الأنا وتتباهى بـ"التمثيلية" والوساطات، وتنشغل بـ"التقرب" من المؤسسات الرسمية أكثر من انشغالها بهموم الجالية، وكأن الاعتراف الرمزي من المركز أهم من شرعية العمل على الأرض.
في هذا السياق، تنشطر الجمعيات إلى قبائل صغيرة، كل واحدة تزعم "التمثيلية الحصرية" لمغاربة العالم، وتدخل في حروب باردة، لا تنتهي بياناتها ولا مؤامراتها، بينما تظل قضايا الجالية الفعلية في الهامش. يصبح الصراع حول الحضور في الاجتماعات، والظهور في الصور، والسفر في المؤتمرات، أهم من بناء مشاريع ملموسة أو التأثير في السياسات العمومية.
وتُعزى هذه الوضعية إلى غياب تأطير حقيقي للعمل الجمعوي بالخارج، وتركه مفتوحًا أمام الطموحات الفردية والنزعات الشعبوية. بل إن بعض المؤسسات الرسمية نفسها، تُغذي هذه البنية المشوهة، بتشجيعها للأقرب، لا للأصلح، وللأكثر ضجيجًا لا للأكثر كفاءة.
من هنا، لا يمكن الحديث عن إصلاح فعل جمعوي في صفوف مغاربة العالم دون تفكيك هذه العقد النفسية والسياسية التي تحكم أداء كثير من الفاعلين. فـ"عقدة الأنا" تجعل من الجمعية مرآة للذات، وليست أداة للتغيير، و"الليبيدو السياسي" يحوّل الطموح إلى رغبة مَرَضية في السيطرة والظهور، بدل أن يكون دافعًا لخدمة الآخر.
إذا أردنا فعلًا أن نُؤسس لعمل جمعوي جديد في صفوف مغاربة العالم، فعلينا أولًا أن نعيد تعريف المفهوم، وأن نُخضعه لميثاق أخلاقي صارم، يعيد الاعتبار للفعل التطوعي النبيل، ويفصل بين ما هو سياسي وما هو جمعوي، وبين ما هو ذاتي وما هو وطني.