أحمد الحطاب: مسلمٌ باللحية واللباس

أحمد الحطاب: مسلمٌ باللحية واللباس أحمد الحطاب
عنوان هذه المقالة يدفعني لأطرح على نفسي السؤالَ التالي : "هل إطالةُ اللحية وتقصير اللباس إلى حدّ الكعبين يُعتبران أمران يدخُلان في نِطَاق ما يستلزِمه الدين أم هما، فقط، تقليدٌ أو ثقافة تناقلها الناسُ من جيلٍ  لآخر؟".
 
أولاً، فيما يخص هاتين الظاهرتين، إطالةُ اللحية وتقصير اللباس إلى حدِّ الكعبين، أثير الانتباهَ أنه لا يوجد نصٌّ قرآني يحث المسلمين لا على إطالة اللحية ولا على ارتداء لباس له طابع ديني. لو كان الدين مرتبطا بالمظهر الخارجي لجسم الإنسان، لنص اللهُ، سبحانه وتعالى، على هذا الارتباط في القرآن الكريم. 
 
إذن، المسلم ليس مسلِماً بمظهر جسمه الخارجي. المسلم مسلِمٌ بإيمانِه. بمعنى أنه مسلمٌ بإيمانِه النابع من القلب وليس بلحيته ولباسه، أي بمظهره الخارجي. يقول علماء وفقهاء الدين أن هاتين الظاهرتين سنتان من السُّنن التي واظب علبها الرسول (ص). غير أن المسلمَ، الصحيح الإيمان، ملزمٌ، فقط، بما نص عليه القرآن. والرسول (ص) هو الذي بلغ للناس ما جاء به القرآن الكريم، بدون زيادة أو نقصان. بقول، سبحانه وتعالى، في هذا الشأن، في الآية رقم 67 من سورة المائدة : "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ".
 
فكل ما هو غير منصوص عليه في القرآن الكريم، المسلم ليس ملزما به، مادام، سبحانه وتعالى، يقول في الآية رقم 1 من سورة هود : "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ". حسب هذه الآية، كل شيءٍ مفصَّل في القرآن الكريم. بل كل آيات القرآن الكريم مُحكَمة، أي ليست عشوائية أو وليدة الصدفة. إذن، السنة هي من إبداع علماء وفقهاء الدين. وحتى إن جعل هؤلاء العلماء والفقهاء من السنة ما هو مؤكد وما هو غير مؤكد، فهذا اجتهادٌ منهم، يُشكَرون عليه.  لكن المسلمين ليسوا مجبرين باتِّباعه ولن يعاقبَهم الله، سبحانه وتعالى، عليه. وحتى إن قال، عزَّ وجلَّ، في الآية رقم 80 من سورة النساء : "مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا". في هذه، لم يقل، سبحانه وتعالى، من يطعِ النبي. بل قال "مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ…". إذن، فطاعة الرسول (ص) تقود إلى طاعة الله، أي الإيمان بالوحي، وهو القرآن، الذي أُنزِلَ عليه. المسلمون ملزمون، إذن، بما جاء به القرآن الكريم، وليس بما اخترعه علماء وفقهاء الدين من سنن. 
 
إذن، إطالة اللحية وتقصيرُ اللباس إلى حد الكعبين ليسا إلا ظاهرين ثقافيتين أضفى عليهما المسلمون طابعا دينيا إلى درجة أنهما أصبحا من ضمن العادات والتقاليد الدينية التي يتوارثها الناس من جيل لآخر. ورغم هذا التوارث، قليلون هم المسلمون الذين يعملون بهما، وعلى رأسهم بعض علماء وفقهاء الدين. وقد أقول إن هاتين الظاهرتين أصبحتا تقليداُ أعمى أو تنميطا يعمل به كثيرٌ من عامة الناس الذين يُدرِكون الدينَ بكيفية سطحية.
 
وفيما يلي، سأتحدَّث، أولاً، عن المظهر الخارجي لجسم المسلم كتقليد أعمى أو كتنميط بشيءٍ من التفصيل، أي سأتحدَّث عن تقصير اللباس وتغطية الرأس بعَمامة. ثانياً، سأُعطي بعض الأدلة تُبيِّن بأن نوعيةَ وشكلَ اللباس لا علاقةَ لهما بالدين. لماذا؟
 
1. لأن اللجوءَ إلى اللباس، في الأصل، وخصوصا عند الإنسان العاقل البِدائي، كان يهدف، أولا وقبل كل شيءٍ، لحماية الجسم من قساوة العوامل البيئية المناخية. ولما تطوَّر فكرُ الإنسان، تحوَّلَ اللباسُ من مجرَّد حماية للجسم إلى وسيلةٍ للزينة.
 
2. ولما نزلت الرسالات السماوية على الرسل، وعلى رأسها، رسالة الإسلام، أصبح اللباس ساترا للعورة وليس لباسا مقترنا بدين معين. والدليل على ذلك أن البشريةَ جمعاء، من شمال الأرض إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربِها، ترتدي لِباسا يستر العورة، وذلك بغض النظر عن معتقداتِها. وهذا اللباس يختلف شكلا ونوعا من بلدٍ إلى آخر، حسب العادات والتقاليد، وحسب العوامل المناخية.
 
3. ارتداء اللباس ناتِجٌ، إذن، عن ثقافةٍ وحضارةٍ معينتين، قبل أن يكون مرتبطا بدين معيَّن. والدليل على ذلك أن ناسَ بعض القبائل الإفريقية لا يزالوا إلى يومنا هذا ينشطون طيلةَ حياتهم اليومية عُراةً من قمة رؤوسهم إلى أخمص قدميهم. لكنهم يُغطُّون أعضاءَهم التناسلية بقطعة من القُماش. وإذا عرفنا أن ناسَ هذه القبائل وثنيون، فتغطيتُهم لجزءٍ من عوراتهم نابعٌ من الاحتشام. 
 
4. ولهذا، فتغطية العورة سببُه الاحتشام la pudeur أو الحياء décence. والدين سار على هذا النهج لأن تغطيةَ العورة كان يُعمل بها منذ القِدم. وحتى آدم وزوجه حواء، عندما خالفا أمرَ الله بأكلهما من الشجرة، ظهرت لهما عوراتُهما لكنهما سرعان ما بحثا عن ورق الجنة لتغطية عورتَيهما، مصداقا لقوله، سبحانه وتعالى : "فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ" (الأعراف، 22). 
 
5. قبل نزول أول رسالة سماوية على النبي والرسول نوح، عليه السلام، منذ ما يناهز ثلاثين قرناً قبل الميلاد، السؤال الذي يفرضه المنطق هو : "هل كان الناس، قبل نزول الرسالات السماوية (الدين)، يعيشون عُراةً، أم كانوا يغطون أجسامَهم بطريقة أو أخرى؟"
 
التاريخ بيَّن ويُبيِّن أن الناس كانوا يغطون أجسامَهم إما إحتشاماً وإما وقايةً من قساوة الظروف المناخية. وكان هذا الغطاء عبارةً عن لباس مصنوع من جلد الحيوانات أو من أوراق النباتات. ومع مرور الزمان والعصور ومع تزايد احتكاكِ الإنسان مع الطبيعة، تطوَّر العقل البشري، كما سبق الذكر، وأصبح قادرا على الأبداع الفكري l'innovation intellectuelle، فاخترع الخياطة la couture وأشكالا كثيرة من اللباس، ليس استجابةً لأمورٍ دينية ولكن استجابةً لما يتطلبه الجمال la beauté والزينة l'ornement.
 
ولهذا، فإن ما يدعيه كثير من الناس، وعلى رأسهم، بعض علماء وفقهاء الدين الذين أوصوا بإطالة اللحية وتقصير اللباس إلى حد الكعبين، وحرَّموا حلقَ اللحية وإطالةَ اللباس إلى ما وراء الكعبين، افتراء لا علاقةَ لهما بالدين، بدليل أنه لا يوجد نصٌّ قرآني، كما سبق الذكر، يبيِّن بأن الدينَ له علاقة بالمظهر الخارجي للمسلم. بل الله، سبحانه وتعالى قال في الآية رقم 32 من سورة الأعراف : "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ". 
 
وحتى الآية رقم 31 من سورة الأعراف التي يقول فيها، سبحانه وتعالى : "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ". في هذه الآية، الله، عز وجل، يقول "...عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ…" وليس "في كل مسجد". وهناك فرق بين "عند" و"في". في هذه الآبة، "عند" تعني "بجِوار"، أي بجوار المسجد. والله، سبحانه وتعالى، يُخاطب، في هذه الآية، جميع بني آدم، سواءً كانوا مسلمين أو غير مسلمين. إذن، المقصود ب"عند كل مسجد"، هو احترام أماكن العبادة ب"سِتر العورة". واحترام أماكن العبادة يقتضي التَّحلي بقدرٍ من الاحتشام بسِتر العورة. وسِترُ العورة يفرضه الاحتشام، كما سبق التَّوضيح، إن لم أقل الفِطرة.
 
وفي الختام، أثير الانتباهَ أن المصلين الذين يدخلون المساجدَ من أجل الصلاة، أكثرُهم لا يُطيلون اللحيةَ ولا يقصِّرون اللباسَ إلى حد الكعبين.فإذا كان الدين أو التديُّن مرتبطين بالمظهر الخارحي للمسلم، فهذا معناه أن المصلين لا يحترمون ما يستلزِمُه الدين. وحمدا لله أن المسلمين لا يَقطُنون في القطبين الشمالي والجنوبي وإلا كانوا سيجدون صعوبةً في الامتثال لما أقرَّه علماء وفقهاء الدين من سُنَنٍ.