مع احترامي المسبّق للمصابين بالحول ومن باب القياس فقط سأستعين بنكتة شعبية حول شخص أحول العينين حين اخبروه بموت والده قام مسرعاً بدفن عمّه..
هي الصورة الوحيدة التي يمكن أن توصف به قراءة خطاب العرش المغربي داخل الجزائر فعوض ان ينتظروا إلى اليد المولوية الممدودة باعتبارها يد المنتصر لقيم الجوار والتاريخ والدين قبل كل شيء كموقف ثابت لجلالته كما جاء في الخطاب الذي انتقل بعيون الحوَل السياسي هناك إلى خطاب إعلان هزيمة المغرب أمام موقف وصمود النظام الجزائري بل ذهبت عناوين الحماسة الحولاء لبعض الجرائد القول باستسلام ملك.. دون الوقوف على وقاحة وصف اليد الممدودة بالمسمومة وغيرها من مفردات القاع اللغوي البئيس وهي على كل حال قفعات صابون متلاشية في الهواء دون تأثير يذكر عكس ما جاء في مقال شبه رسمي منشور بالصفحة الرئاسية ومعاد بجريدة الأنباء الجزائرية كماقرئ في التلفزة العمومية تحت عنوان :
( ماذا يريد المغرب من الجزائر) وبهذه الفقرة بالضبط
(... أما الرغبة الحقيقية وراء كل خطاب الود الزائف هذا، فهو بلا شك، رغبة المخزن في أن ترفع الجزائر عقوباتها عليه، من خلال فتح الحدود البرية والأجواء، وفتح الإمدادات بالغاز الجزائري، وإنهاء حالة العزلة التي يشعر بها المغرب رغم حالة الإنكار العلني، خاصة وأن الاقتصاد المخزني بات في وضع حرج للغاية، زادته العقوبات الجزائرية تدهورا، ما يفسر هذه الحالة الفريدة من نوعها من التناقض، من جهة يمد يده للجزائريين لإنقاذ اقتصاده المتهاوي، ومن جهة أخرى لا يكتفي بمد يده للصهاينة لإنقاذه وحمايته وحماية عرشه من القوة الجزائرية)
هل هناك حوَلُُ أكثر من هذا… !؟
ألم ينظروا إلى هذا الخطاب التاريخي وإطلالة جلالته التي انتظرناها نحن المغاربة للإطمئنان على صحته - شفاه الله - ليخاطبنا بصحة وعافية الوطن والإطمئنان على مسيرته ومساره التنموي الصاعد وبالارقام حد ان بلدنا مدّدت أنشطتها التجارية واللوجستيكية عبر الشراكات وسط أكثر من ثلاثة ملايير نسمة وبمختلف القارات وسط عالم معقد ومختل القيم وقواعد الإشتباكات بعودة ترامب الذي لا يؤمن إلا بالصفقات واستغلال بواطن ارض الدول ومعادنها كما فعلت العصابة الحولاء بالجزائر مؤخرا من أجل إرضائه
هو الملك / القائد الذي استطاع ان يجعل للمغرب رأسمالاً رمزيّاً وموقعاً استثنائيا وسط قوى العالم وإقناعها بأن المملكة المغربية هي الجسر والبوابة نحو أفريقيا متوسطيا وأطلسيّاً.. وبالنتائج البادية للعيان اليوم..
هو نفسه الذي يجدد مدّ اليد للشعب الجزائري وحكّامه ليس باعتباره نداءً ينتظر جواباً من هذا النظام المفلس بل لاعتبارات تاريخية حضارية وأخلاقية متناغمة مع مواقف مملكة متجدرة عبر قرون وقرون.. بل هي امتداد ليد المغفور له محمد الخامس لأجداد لؤماء اليوم ..
بهذا النفس يجب أن تقرأ مفردة ( لا غالب ولا مغلوب) الواردة في خطاب العرش المغربي.. بين تواضع يد منتصرة نحو يد مفلسة ومنعزلة ومنبوذة في محيطها الجواري والقاري
يد إنقاذ قبل فوات الأوان.. وفي عز أزمة العصابة مع فرنسا وغيرها تأكيداً على استقلال القرار المغربي والانتصار لمبدأ الجورة والمصير المشترك للشعوب المغاربية..
وأي قراءة أخرى كما جاء في نفس المقال ( ماذا يريد المغرب من الجزائر) وخاصة هذه الفقرة:
(..والغريب أن الملك تحدث هذه المرة عن ما سمّاه الحل التوافقي لقضية الصحراء الغربية، “بقدر اعتزازنا بهذه المواقف، التي تناصر الحق والشرعية، بقدر ما نؤكد حرصنا على إيجاد حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف”،
لكن دون تحديد التوافق مع من؟ هل يكون التوافق مع الجزائر أم مع أصحاب الأرض الشعب الصحراوي؟ هل يعتقد الملك أن الجزائر تتعامل مع قضية الصحراء الغربية على أساس أنها سجل تجاري يمكنها من خلاله أن تأخذ بمنطق الربح والخسارة فقط،..)
و الأغرب ان هذه القراءة الحولاء سار عليها البعض داخل الوطن وبما يعني استعدادنا للتفاوض على السيادة الوطنية على الصحراء دون أن يتذكروا جملة القطع الأبدي الواردة في خطاب العرش بمدينة العيون حين قال جلالته
( الصحراء المغربية ليست قضية حدود بل قضية وجود)
لذلك نجد أن الدعوة إلى الحوار والتفاوض مع النظام الحاكم بالجزائر يتعلق اساسا بما أشار إليه صاحب المقال عبر النفي ( الجزائر لا تتعامل مع القضية الصحراوية على اساس انها سجل تجاري)
وهي كذلك..
وعلى ضوئها صرّح ولأول مرة الرئيس تبون بقيمة الملايير من الدولار التي صرفت على هذا النزاع…ولاتصرف الأموال إلا في مشروع تجاري بأفق الربح لاغير..
وكأن النظام بلسان رئيسه الحالي بعد الإفلاس الدبلوماسي لمشروعهم الانفصالي يطالب بالتعويضات عن الخسائر.. هي نفسها التي طالب بها المقبور بومدين للوسيط السعودي مع المغرب أواخر سبعينيات القرن الماضي قبل أن يغادرنا إلى دار البقاء..
هي الجمرة المحمرة في يد النظام الجزائري اليوم…
وهي اليد المولوية الإطفائية بما يحفظ ماء الوجه للجميع من أجل مستقبل الشعوب المغاربية..
هي القوة والقدرة على صنع السلام من داخل الإنتصار..
القوّة التى لا تحتاج إلى ضجيج كي تعرف بل إلى فعل حضاري صامت كي تسمع..
هي نحن..
عباد رب هذا البيت الذي أطعمنا من جوع وأمّننا من خوف..