هكذا تبلورت فكرة منافسات التبوريدة بصيغة "الْفَرَّادِي":
منذ سنوات خلت، وفي سياق مهمة تنشيط عروض "التّْبَوْرِيدَةْ" بمختلف مجالاتنا الجغرافية التي كنت أزاولها بعشق، من أجل ترسيخ ثقافة "الْخَيْلْ والْبَارُودْ" رفقة ثلة من المولعين بتراثنا اللامادي بتنسيق مع الأعز الدكتور نور الدين الزوزي، حيث كان تفكرينا يصبّ في اتجاه تحقيق هدف نبيل وشريف يتجلى في ترجمة مشروع منافسات تراث فن ورياضة التبوريدة بصيغة "الْفَرَّادِي" على أرض الواقع، والعمل على تنظيم مهرجان خاص بهذا الطقس الفرجوي الرائع والجميل، إلا أن عدة أسئلة كانت تفرض نفسها وتنتصب أمامنا للمزيد من النبش والبحث عن أسماء شُيُوخ وروّاد هذا الطقس الفرجوي المتميز بمختلف المناطق، وعملنا على إصدار عدة مقالات بجريدة "أنفاس بريس" تتعلق بهذا الموروث التراثي، على اعتبار أنه يعكس شجاعة وبسالة ونبل وشهامة سنابك الخيل وبارود مْكَاحَلْ "الشّجعان" خلال تقديم أروع ملاحم الفروسية التقليدية على صهوة الخيل البربرية و العربية البربرية.
مشروع جاهز للتّنفيذ من أجل تثمين وتحصين طقس "الْفَرَّادِي":
ورغم الإحباط الذي كان يصيبنا بين الفينة والأخرى لاعتبارات موضوعية وذاتية، والعراقيل التي كانت توضع في طريقنا، فقد كان إيماننا بهوية "تَمَغْرَبِيتْ" وأصالة الموروث التراثي والثقافي الشعبي، بالإضافة إلى ركوبنا صهوة التحدي، واستنادنا أيضا على قوة عزيمتنا وإصرارنا وإرادتنا كسلاح في وجه كل من يتربص بهذا التراث اللامادي، الضارب بجذوره في عمق تربة مدرسة الطريقة الناصرية التي تتفرد بطقس ركوب الخيل بصيغة "الْفَرَّادِي".
لقد تَمخض عن لقاءاتنا وتواصلنا المستمر والدائم مع رئيس اتحاد جمعيات الفروسية بإقليم اليوسفية، والكاتب العام للجمعية الوطنية لفن التبوريدة الفارس والرّامي المولع بتربية الخيول عبد الكريم المني الرجل الميداني، بمعية المقدم والفارس المقدام، العالم بخبايا تراث فن ورياضة التبوريدة على الطريقة الناصرية إبراهيم صايق ولد لَكْرُونْ، دون أن ننسى الفارس اليقظ والنبيه سِّي مِيلُودْ لَعْبَالْ الملقب بـ "عْزِيزِي"، عدة معلومات قيّمة، ومعطيات ذات قيمة مضافة، وخلاصات ومفاهيم ومفردات ذات الصلة بحقل هذا التراث العريق، فضلا عن ضبط بعض الأسماء البارزة التي بصمت مشوارها في ميدان اللعب ببارود وحركات طقس "الْفَرَّادِي" بمناطق احمر وعبدة ودكالة...
كانت النتيجة والحصيلة جد إيجابية، حيث أتممنا مع الشركاء، وضع التصور والأهداف والرؤيا وأرضية هذا المشروع التراثية والفكرية والثقافية والتنافسية والتحكيمية، بتنسيق مع اتحاد جمعيات الفروسية بإقليم اليوسفية، والجمعية الوطنية لفن التبوريدة إلى جانب جمعية تراث أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية باليوسفية، حيث قررنا أن نقيم منافسات بين الفرق المشاركة في هذا الطقس الفرجوي المذهل ـ باعتباره مولودا جديدا ـ يومي 29 و 30 غشت 2025، بعد أن وضعنا ملفنا المطلبي بين أيدي من يعنيهم الأمر من مؤسسات أمنية وإدارية واقتصادية وجماعية وجمعوية، في أفق تثمين وتحصين طقوس "الْفَرَّادِي" وحركاته وكيفياته وتقنياته المبهرة، وتوثيق مفاهيمه ومصطلحاته حفظا للذاكرة، حيث سيشكل هذا المشروع سابقة على المستوى الوطني بأرض الشماعية مركز شيوخ فرسان الطريقة الناصرية.
فرسان في الذاكرة اشتهروا على صهوات الخيل بصيغة "الْفَرَّادِي" بقبيلة أحمر:
في سياق متصل لا يمكن الحديث عن التبوريدة بصيغة "الْفَرَّادِي" بقبيلة احمر وبمنطقة الكنتور بإقليم اليوسفية، دون استحضار أسماء الفرسان "الشُّجْعَانْ" الذين لمعت شخصياتهم في تقديم عروض هذا الطقس الفرجوي بالمواسم المعروفة تاريخيا على المستوى المحلي والجهوي والوطني، حيث كانوا يقدمون لوحات فرجوية غاية في الإبهار والدهشة أمام الجمهور العاشق لركوب الخيل، حيث كانت تتخللها عروضا رائعة مقرونة بحركات دقيقة مثل "التّْسَكْوِيطَةْ" و "التَّكْفِينَةْ" و "التَّسْبِيتَهْ"...نذكر من بينهم على الخصوص، من كانوا يقفون على صهوة الخيل وهم: الفارس مُحَمَّدْ وَلْدْ بَنْ حَجُّو، والفارس التَّامِي بَنْ الْمَهْدِيَّةْ، والفارس أَحْمَدْ وَلْدْ صَالَحْ، وجاء من بعدهم الفارس خَيِّي وَلْدْ الْحَجَّامْ، ثم الفارس إبْرَاهِيمْ صَايْقْ وَلْدْ لَكْرُونْ، بالإضافة إلى الفارس عَزَّامْ مُحَمَّدْ.
ذاكرة فرسان "الْفَرَّادِي" بمنطقة عبدة:
أما بمنطقة عبدة فنذكر في هذا السياق، من بين الفرسان الذين اشتهروا بحركة الوقوف، أي بمعنى "التَّسْبِيتَهْ" على صهوة الخيل، كل من الفارس بُوشْعَيْبْ وَلْدْ الْعَسْكَرِي، والفارس عَبْدْ الْكَرِيمْ الْحَيْدِي، ثم الفارس سِّي التّْهَامِي، فضلا عن الفارس المرحوم عْمِيرَةْ. حيث كانت عروض هؤلاء الفرسان الفرجوية بصيغة "الْفَرَّادِي" تستقطب جمهورا غفيرا بموسم مولاي عبد الله في سنوات الثمانينات من القرن الماضي.
في سياق متصل حمل مشعل التبوريدة بصيغة "الْفَرَّادِي" بمنطقة عبدة الفارس الشجاع بُومَدْيَنْ سِّي الْمَعْطِي الذي كان يبهر الجمهور بعروضه المتنوعة وحركات وكيفيات ضبط والإمساك بـ "الْمُكَحْلَةْ" مع "الصّْرَاعْ"، والقيام بحركات "التَّسْبِيتَهْ" و "التَّكْفِينَةْ" وغيرها من تقنيات ذات الصلة بـ "الْفَرَّادِي"، ثم الفارس المغوار حَيْدَرْ بمنطقة لَبْحَيْرَاتْ من عائلة أَوْلَادْ بَنْ بُوشْتَى.
فرسان شباب حملوا لواء التبوريدة بصيغة "الفرادي" بمنطقة احمر وعبدة ودكالة:
من جهة أخرى فقد حمل مشعل تراث فن ورياضة التبوريدة بصيغة "الْفَرَّادِي" بإقليم اليوسفية وخصوصا فيما يتعلق بحركة ركوب الخيل وقوفا، أي "التَّسْبِيتَهْ" وإطلاق البارود في كل الاتجاهات، نذكر بدون تردد، الفارس المقدام حَمْزَةْ الْمَنِّي، والفارس يَاسِينْ صَايْقْ وَلْدْ لَكْرُونْْ، ثم الفارس سَعْيدْ الْبَزَاوِي، فضلا عن الفارس الْحَوَّاصْ، والفارس خَالِدْ الْكُرْشْ، ثم الفارس رِضَا، والفارس وَلْدْ الْغَيْشَةْ، والفارس وَلْدْ الْحُمَّانِي فَرَجِي، إلى جانب الفارس حَمْزَةْ فَخْرِي، والفارس يُوسَفْ.
أما بخصوص فرسان عبدة من شباب اليوم الذين حملوا مشعل التبوريدة بصيغة "الْفَرَّادِي" ويتمسكون بإبراز طقوسه وعاداته على مستوى الحركات والمهارات وتقنياته بالمهرجانات والمواسم المعروفة تاريخيا، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، أَوْلَادْ قَاسَمْ الفارسين الأخوين نُورْ الدِّينْ وعَبْدْ الْإِِلَهْ، وكذلك الفارس وَلْدْ الَهْرِيبَةْ، ثم الفارس هِشَامْ بَنْ عْبِيسْ، والفارس عُثْمَانْ لَبْيَضْ. وعلى مستوى منطقة دكالة فقد حمل مشعل التبوريدة بصيغة "الفرادي" الفارسين عَبْدْ الْحَقْ حَشَّانْ، ومَصْطَفَى دَرْوَاشْ، اللذين اعتبرهما سفيري هذا الطقس الفرجوي بربوع المملكة المغربية.
نموذج منطقة الرحامنة في ميدان التبوريدة بصيغة "الْفَرَّادِي":
بالنسبة لمنطقة الرحامنة، فشخصيا تعرفت واكتشفت المرحوم الفارس الملقب بـ "وَلْدْ الْعَوْجَةْ" كشخصية فريدة ومتفردة مدة عشرين عاما بمحرك التبوريدة بأرض الرحامنة، لكنه كان إنسانا مستقيما وشهما...لا يحلو له ممارسة فن التبوريدة إلا بصيغة "الْفَرَّادِي"، حيث كان يبني خيمته "لَوْثَاقْ" ويربط حصانه بجانبها مرفوقا بنصفه الثاني...كان رحمه الله يصرّ على أن يتسلم حصته من مادة "الْبَارُودْ والْحَبَّةْ والتَّمْوِينْ" مثل كل مْقَادِيمْ السَّرْبَاتْ.
كان الفارس الرحماني "وَلْدْ الْعَوْجَةْ" يستعد للقيام بعروضه الفرجوية ببساطة ونخوة ويقين تام، لا يتملك تفاصيلها إلا من خبر فن ورياضة طقس التبوريدة بصيغة "الْفَرَّادِي" أمام الجمهور، وحين يأتي دوره الترتيبي يلج لمحرك سنابك الخيل متأبطا مكحلته الرُّومِيَةْ مدجّجا بالخنجر ودليل الخيرات، و "الشّْكَارَةْ" الجلدية، معتمرا عمامته البيضاء التي تليق بجلبابه الحريرية الناصع البياض، حيث تنطلق الزّغاريد والتهليلات والتكبيرات فرحا بالرجل الذي يتحرر في الزمان والمكان من كل الضغوط النفسية والاجتماعية ويتحول بقدرة قادر إلى فارس مقدام وشجاع يبحث عن فرصة للتألق ورد الجميل لمن يدعمه ويشجعه على الاستمرار في أداء مهمته التراثية التي تعكس شجاعة عيطة "النِّيرِيَّةْ" بصيغتها الرحمانية.
ملحوظة لابد منها:
كان مستشار جلالة الملك محمد السادس فؤاد عالي الهمة قد تلقى حصانا كهدية في عرس زفافه، وبعد فترة زمنية فضل أن يهدي الحصان إلى الفقيد الفارس الفقير إلى رحمة الله (وَلْدْ الْعَوْجَةْ الرحماني) كرسالة قوية تعبيرا واعترافا بعشق هذا الأخير لتراث فن ورياضة التبوريدة، وكانت فعلا بشهادة من يعرفون القصة، هدية ثمينة تلقاها الفقيد من شخصية وطنية ورجل دولة يقدر فرسان ورجال لبلاد.