مع كل تغيير حكومي، يُعاد فتح ملف مزمن اسمه “إصلاح أنظمة التقاعد”، ملف متآكل، لكنه دائم الحضور على طاولة كل رئيس حكومة جديد. وسرعان ما يُعاد إحياء نفس الخطاب: الصناديق تقترب من الإفلاس، والإصلاح بات ضرورة استعجالية. وكأننا أمام فيلم مكسيكي طويل لا تنتهي فصوله، حيث تتغير الوجوه، لكن السيناريو يظل ثابتًا.
اليوم، رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش يجد نفسه بدوره داخل نفس الحلقة المفرغة، إذ يستعد لعقد اجتماعات مع النقابات من أجل بحث مستقبل صناديق التقاعد. غير أن النقاش العمومي يغفل دائمًا عن طرح الأسئلة الجوهرية، التي لا تزال بلا أجوبة منذ سنوات، من بينها:
• أين نحن من حكامة صناديق التقاعد؟
كل المؤشرات المتوفرة تفيد بأن ضعف الحوكمة يشكل إحدى أبرز الإشكاليات التي تعاني منها هذه الصناديق.
• ما طبيعة المخزون المالي لهذه الصناديق؟ وكيف يُدبّر؟
هل العوائد المسجلة مقبولة؟ وهل تُدار وفق معايير المهنية والشفافية المطلوبة؟
• في أي نوع من الأصول تُستثمر أموال المنخرطين؟
هل يتم توجيه هذه الأموال نحو أدوات استثمارية منخفضة المخاطر وعالية المردودية، أم أن هناك قرارات مرتجلة وغير مدروسة؟
• على أي أسس تُغيَّر القوانين المنظمة لهذه الصناديق؟
وما هي المعايير المعتمدة في تحديد نسب توزيع الاستثمارات؟ وهل تأخذ بعين الاعتبار متغيرات السوق والضمانات المالية للمستفيدين؟
• ماذا عن التجارب الفاشلة؟
مثل ما حدث مع أحد الصناديق التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، حين تم ضخ مليارات الدراهم في سندات شركة الضحى، وانتهى الأمر بخسائر فادحة.
كل هذه التساؤلات ليست مجرد تفاصيل تقنية، بل تشكّل المرتكز الحقيقي لأي إصلاح جاد ومستدام لأنظمة التقاعد في المغرب.
فالإصلاح لا يجب أن يبدأ من جيوب المنخرطين، بل من إعادة بناء الثقة عبر الحكامة الجيدة، الشفافية المالية، والمسؤولية في اتخاذ القرار.