هل سيكون 19 دجنبر تاريخ وفاة حزب «الاتحاد الاشتراكي»؟

هل سيكون 19 دجنبر تاريخ وفاة حزب «الاتحاد الاشتراكي»؟

مع احتدام الصراع بين المعسكرين المتناحرين داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، يجمع المراقبون على أنه من الصعب في الوقت القريب احتواء الأزمة السياسية التي أججتها الصراعات «غير الديمقراطية» بين فريق حاكم متمسّك بكل شيء بدعوى بناء «الحزب المؤسسة» والقطع مع «الحزب السيبة»، وفريق «يمتهن» معارضة لا هوادة فيها بغاية إرغام «رجل التنظيم الحديدي« (إدريس لشكر) على الجلوس إلى الطاولة، وإلزامه بإشراكه في وضع الخطوط العريضة لما ينبغي أن يكون عليه الحزب.

لشكر يصرخ أمام خصومه بأن الحزب في أوج لياقته، وبأنه مستمر في إصلاحه، والانتقال به إلى حزب المؤسسة، وبأن مرحلة «السيبة» و«الريع» انتهت. وخصومه، وعلى رأسهم عبد الهادي خيرات وأحمد رضا الشامي ودومو والعزوزي وشباعتو، يؤكدون أنهم ليسوا مضطرين للبقاء في حزب تابع وممسوخ ولا علاقة له بالحزب الذي «كبروا» في مدارجه، وبأن لا خيار لهم سوى الرحيل نحو حزب آخر.. وليكن الحزب الذي تشبت به الراحل عبد الله ابراهيم إلى آخر رمق (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية).

فماذا يحدث فعلا في حزب الاتحاد الاشتراكي؟ وهل نحن فعلا على أعتاب انشقاق جديد سيعيشه هذا الحزب الذي أثخنته الانشقاقات والتمزقات منذ مرحلة السبعينيات إلى الآن؟

لقد عاش الاتحاد الاشتراكي، منذ منتصف السبعينيات إلى اليوم، ثلاثة احتقانات داخلية كبرى. الاحتقان الأول كان بسبب الموقف من تدبير العلاقة مع نظام الحسن الثاني، والثاني حصل بسبب الموقف من التجربة الحكومية وتقاطع النقابي والسياسي بعد تجربة التناوب، أما الخلاف الحالي فهو يحصل اليوم بسبب الموقف من التدبير الداخلي للحزب. ففي حين يعتبر فريق لشكر أن منتقديه إنما يفعلون ذلك لأنهم غير ديمقراطيين، وبأنهم «يحتقرون» القواعد الحزبية التي أوصلته إلى الكتابة الأولى، في حين يرى الفريق الثاني أن إدريس لشكر مسخر من طرف قوى خارجية تريد تدجين الحزب وإضعافه وتقليم أظافره وتطويعه بغرض استعماله في ضرب الإسلاميين. ويضيفون بأن لشكر لا يستمع إلا لنفسه، وبأنه يتملص من كل الالتزامات التي يبرمها معهم بشهادة قياديين سابقين وزعماء بارزين في الاتحاد، مما يؤكد بأنه يتلقى «الأوامر» من أطراف ليست مجهولة، هي التي أصبحت تتحكم في الحزب.

والحقيقة أن ما يعيشه الاتحاد الاشتراكي حاليا يثبث شيئا واحدا، هو أن الحزب مقبل على ضياع وحدته التنظيمية، في غياب زعيم محنك يضمن التوافق ويذيب الجليد الذي تراكم منذ عامين بين الفريقين، أي منذ المؤتمر التاسع الذي أنتج صراعا قويا بين شرعيتين: «شرعية المؤتمر» التي يلوذ بها إدريس لشكر، و«شرعية الخط السياسي» التي يرافع من أجلها خصومه ويدافعون عنها، ويعتبرونها أكبر من أي إطار تنظيمي، ولو كان هذا الإطار هو حزب «الاتحاد الاشتراكي» الذي ترعرعوا فيه، وهو ما يعني أنهم قادرون على مغادرة الحزب ما دام الحزب غير قادر، الآن، وفي ظل قيادة إدريس لشكر، على حماية الفكرة الاتحادية وتسويقها جيدا في المجتمع.

ولعل هذا ما سبق أن أكده عضو المكتب السياسي السابق محمد الأشعري الذي سبق له أن شغل منصب وزير الثقافة، حين اعتبر أن وجوده حاليا في الحزب لا معنى له، لأن الحزب لم يعد موجودا أصلا. كما سبق لعدة أسماء بارزة في الحزب أن أبدت تحفظا على طريقة تسيير و إدارة الحزب بعد فوز إدريس لشكر بالكتابة الأولى. حتى أن بعضهم قدم استقالته، مثل علي بوعبيد، نجل القائد التاريخي للحزب عبد الرحيم بوعبيد، ومحمد الحبابي أحد المؤسسين التاريخيين للحزب، ومنتصر ساخي، أحد شباب الحزب والوجه البارز في حركة شباب الحزب الذي التحق مبكرا بحركة 20 فبراير، ومحمد رضا الشامي الذي قرر تقديم استقالته من المكتب السياسي للحزب بسبب ما اعتبره مصادرة لحق الاتحاديين والاتحاديات في اختيار أجهزتهم التقريرية والتنفيذية وفقا للديمقراطية الداخلية التي طالما ناضلوا من أجلها على حد تعبيره. ويبدو أن القائمة ستطول مع تلويح قياديين آخرين بشروعهم في البحث عن إطار تنظيمي آخر، خاصة أن استحقاقات 2015 الانتخابية على الأبواب، وليس بإمكانهم تأسيس حزب جديد يجمع الاتحاديين الغاضبين وأولئك الذين جمدوا عضويتهم وتراجعوا إلى الوراء.

ما الذي يعني هذا الكلام؟ هذا يعني، حسب عضو في اللجنة الإدارية للحزب، أن الفريق المناوئ للكاتب الأول يدرك بأن لشكر سيمارس ضدهم حرب التزكيات في الانتخابات المقبلة، ولذلك فإن الذين يهددون بمغادرة الحزب يحملون هاجسا انتخابيا خالصا، وليس همهم هو «صراع الأفكار» كما يروجون لذلك. ويضيف بأن الاتحاديين الحقيقيين لا يغادرون الحزب لأنهم يشعرون بأنهم أقلية، بل يشتغلون داخل القواعد، ويعملون لقلب المعادلة لصالحهم. أما هؤلاء، فهم يخشون من ضياع الريع الانتخابي، ويريدون إرغام الكاتب الأول على الانصياع لهم.

اتحادي أخر من الغاضبين على لشكر يقول: هب أن الهاجس الانتخابي هو المتحكم في عملية الخروج الجماعي المرتقبة في شهر دجنبر القادم، فهل معنى ذلك أن فكرة التصحيح طارئة في اجتماعات هؤلاء. الحزب يعيش أزمة حقيقية، ولا مجال لإنكارها، وحتى لشكر يعترف بها حين يدعي بأنه سيقضي على المختلفين معه، ولكنه لا يسعى إلى وقفها، لأن عقليته ببساطة هي عقلية «الفيدور» وليس عقلية القائد.

غير أن أصدقاء لشكر يعتبرون بأن لشكر وضع نفسه بشجاعة كبيرة في وجه الطاحونة التي يديرها أوثان الحزب، ورفض الانصياع لفكرة «مأسسة التيارات»، لأن يعني الإعتراف جزئيا بعدم مشروعية نتائج المؤتمر الأخير. ويضيفون أن الراحل أحمد الزايدي، الذي لا يشكك أحد في اتحاديته، أراد، بعد ضياع الكتابة الأولى من يديه بشكل ديمقراطي، أن يحول رئاسة الفريق النيابي للحزب داخل مجلس النواب إلى منبر بديل لتيار الديمقراطية والانفتاح، في محاولة للجمع بين المتناقضات، أي رئاسة فريق الحزب وفي الوقت نفسه عدم الاعتراف بقيادته، وهذا الأمر جعل قيادة الحزب تتعامل مع الفريق وكأنه تم اختطافه، ويجب إرجاعه إلى الحزب، وهو ما قام به إدريس لشكر، حتى وإن كانت الطريقة فيها نوع من التسرع.

لا تفصلنا عن دجنبر 2014 سوى أيام قليلة، وتحديدا يوم 19 دجنبر (تاريخ أربعينية الراحل أحمد الزيدي) الذي سننتظره للوقوف على حجم الدينامية التي سيطلقها خصوم إدريس لشكر من أجل حشد أكبر عدد ممكن من الاتحاديين، والذهاب بهم جميعا إلى وجهة الاتحاد الوطني، وهو ما يعني نهاية حزب الاتحاد الاشتراكي الذي استمر في تلقي الضربات دون أن ينيخ أو يضعف، والسبب هو عجز القيادة في تدبير الخلاف، وعجز الزعماء التاريخيين عن إيجاد مخرج للأزمة.

هذه هي الأسباب الحقيقية وراء هجوم لشكر على الإسلاميين

علق أحدهم على الهجوم الكاسح الذي يخوضه «أصدقاء» إدريس لشكر على البيجيدي بأنه لا يعدو كونه محاولة لإخماد الحرائق التي بدأت تأكل أركان الاتحاد الاشتراكي برمي اللائمة على أتباع عبد الإله بنكيران وإلباسهم ثوب المتآمرين على «وحدة الحزب»، والحال - يقول هذا الاتحادي- أن حزب الوردة يمشي منذ مؤتمره التاسع بجرس معلق في العنق، بعدما فشل الكاتب الأول في رأب الصدوع وتدبير الاختلاف داخل الحزب. مضيفا أن لشكر أدرك، بعد وفاة أحمد الزيدي غريمه التقليدي وزعيم «تيار الانفتاح والديمقراطية»، أن المياه تفيض تحت أقدامه، خاصة بعدما عاين «الازدراء» في عيون جحافل المعزين الذي حجوا إلى بوزنيقة لوداع الراحل.

وأضاف هذا الاتحادي قائلا: ماذا تنتظرون من رجل مثل لشكر؟ لقد أراد أن يستغل «جنازة» غريمه ليخرج من المأزق الذي يتخبط فيه، ولما فشل، كان لا بد له أن يبحث عن عدو خارجي ليخفي فشله الذريع والشنيع، فلم يعثر سوى على البيجيدي ليبرر إخفاقاته المتكررة، لأن الاتحاديين الحقيقيين «أدركوا أنه باع الحزب، وأراد تحويل ما تبقى منه إلى ملحقة لحزب البام». وكل المتتبعين يعرفون، الآن، «أن لشكر وأبناءه وأشياعه من المنتفعين يخوضون حربا بالوكالة ضد البيجيدي، علما أن الصراع مع الإسلاميين ينبغي أن يتم ليس على صفحات الجرائد، بل في المؤسسات، وأيضا في المجتمع» يقول محاورنا.

ماذا يقع الآن بين «الاتحاد الاشتراكي» و«العدالة والتنمية»؟! وهل الصراع حول سياسات وأفكار وإيديولوجيات، أم أنه صراع لإثارة الغبار حول الأعطاب التي يعاني منها الاتحاد الاشتراكي، والتي قد تؤدي به إلى انشقاق جديد، كما تؤكد كل المعطيات، وكما يؤكد بعض قيادييه التاريخيين؟

الحكاية بدأت لما لقي الراحل أحمد الزيدي مصرعه غرقا بوادي الشراط (بوزنيقة). الحادثة كانت مفاجئة للجميع، خاصة أن الراحل كان قد سخر كل طاقته للوقوف أمام مخططات إدريس لشكر، وكان يعد العدة مع أصدقائه لتنظيم أكبر «هروب جماعي» من حزب عبد الرحيم بوعبيد. وكان من الطبيعي، أن يهرع الكل، بمن فيهم خصومه السياسيون، من أجل تقديم العزاء. وفعلا، جاء الإسلاميون، وكان حضورهم وازنا، حيث تقدمهم الأمين العام ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، فضلا عن وزراء وأعضاء في المكتب التنفيذي للبيجيدي. في حين أن لشكر لم يستطع دخول بيت الراحل لتقديم العزاء إلا بشفاعة من عبد الواحد الراضي. والأدهى من ذلك أن عائلة الراحل رفضت رفضا قاطعا أن يشرف المكتب السياسي والفريق الاشتراكي على «حفل الأربعينية» المزمع إقامته في 19 من دجنبر القادم، وأوكلت الأمر للجنة ينسق بين أعضائها البرلماني وعضو المكتب السياسي السابق أحمد رضا الشامي وآخرون، من بينهم عبد الهادي خيرات مدير جريدتي «الاتحاد» و«ليبراسيون» الناطقتين باسم الحزب. وهذا ما لم يستسغه لشكر الذي اعتبر أن الاسلاميين بدأوا يلعبون في أرضه، ويحاولون «التحالف» مع الاتحاديين الذين يختلفون مع منهجيته في التدبير من أجل النيل من «وحدة الحزب» وتسريع وتيرة الانشقاق.

الارتياب

لقد كان من الواضح، يقول عضو من اللجنة الإدارية للحزب رفض الكشف عن اسمه، أن لشكر لم ينظر بعين الارتياح، منذ البداية، لتصريحات زعماء «البيجيدي» ووزرائه في حق الراحل أحمد الزيدي، وهذه عادته في الارتياب من كل مبادرة، حتى وإن اكتست غطاء إنسانيا. فما ذنب بنكيران والخلفي وحامي الدين وبوانو إذا كان لشكر، قبل الحادث المفجع، قد نعت في حوار مع «الصباح» الاتحاديين الذين يختلفون معه، ومنهم أحمد الزيدي، بـ»الأورام» التي سيتخلص منها قبل 2015؟ ما ذنب البيجيدي إذا كان لشكر عاجزا عن تدبير الاختلاف داخل الحزب، وإذا فشل في أن يكون كاتبا أول لكل الاتحاديين..

يكفي، يقول صحافي من داخل جريدة الحزب، أن نقرأ ما جاء في بيان المكتب السياسي الذي أعقب اجتماع (18 نونبر 2014) لنكتشف كيف يريد لشكر أن يركب على فاجعة أحمد الزيدي للدفع بالاتحاديين نحو الالتفاف حول قيادته. فالبيان نص على ما يلي: «إن المكتب السياسي «يعبر عن ألمه واشمئزازه من استغلال فاجعة إنسانية، مثمثلة في فقدان الأخ الزيدي، سياسيا وإعلاميا، بشكل رخيص، من طرف البعض، وعلى رأسهم مسؤولو العدالة والتنمية الذين قدموا نموذجا لا أخلاقيا، فأرادوا تحويل الحزن والأسى، الذي يتقاسمه كل الشرفاء، إلى مطية سياسية للنيل من مناضلات ومناضلي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وإلهاء الشعب عن الفشل الذريع للسياسة الحكومية». فهل بمثل هذا المستوى الهزيل في التعاطي السياسي مع فاجعة إنسانية يمكن أن يكسب الاتحاديين إلى صفه؟ هل يمكننا أن نسلم حقا بأن البيجيدي يتآمر على حزبنا، وبأنه يسعى إلى زرع التفرقة بيننا، والحال أن الكاتب الأول فعل كل شيء من أجل تمزيق الحزب، حيث قسمه إلى «حزب السيبة» و«حزب المؤسسة».. وكال الاتهام لبعض مناضلي الحزب الذين تكسرت أسنانهم وتمزقت أجسادهم في السجون من أجل الحزب، فاتهم في ذمتهم المالية، وبأنهم يستفيدون من «الريع الحزبي»؟ إن إدريس لشكر، يقول الصحافي نفسه، يريد «أن يستغبي الجميع لأنه يظن أنه الأذكى والأكثر «فهلوة»، والحال أن ما يطمح إليه من وراء اتهام البيجيدي، الذي نختلف معه سياسيا وإيديولوجيا وفكريا، لن ينطلي على أحد. وإذن، فما عليه إلا أن يستمر في تسخير أنصاره في كل مكان، من أجل إنتاج الصراخ العالي.. لأن لا أحد سيصدقهم فعلا.».

إن ما يخشاه لشكر، يقول اتحادي آخر من الغاضبين على الخط السياسي للحزب، هو تمكن بعض القياديين، الذين يناصبونه العداء وينظرون بريبة إلى جميع تحركاته، من تنظيم «انقلاب أبيض» عليه. وهذا ما دفعه إلى استغلال دعوة عبد العالي حامي الدين (القيادي في البيجيدي)، ونصيحته للاتحاديين بعقد مؤتمر استثنائي لحزبهم.. ليؤلب (لشكر) جميع أتباعه على حزب العدالة والتنمية، حيث اعتبر هؤلاء الأتباع أن ما اقترحه حامي الدين يعد تدخلا في شؤون الحزب. ونشرت جريدة الاتحاد الاشتراكي يوم الجمعة 21 نونبر 2014 مقالا لجواد شفيق على صدر صفحتها الأولى يتهم فيه قياديي البيجيدي بمحاولة «إعطاء الدروس وتوجيه الاتحاديين إلى الصيغة التي يراها هو وحزبه، ملائمة لمعالجة مشاكل الاتحاد، مستغلا وموظفا بشكل مقيت، مرفوض، انتهازي، لا أخلاقى.. فاجعة وفاة المرحوم أحمد الزيدي.»، مضيفا: «لم يسبق للظاهرة الحزبية أن عرفت مثل هذا السلوك التحكمي، الدخولي الأرعن، حيث قيادة حزب تضع على جدول أعمالها، قضايا وأوضاع حزب آخر.. بل و تذهب رأسا إلى وضع الخطاطات وإعطاء التوجيهات لمناضلي هذا الحزب حتى يخرجوا وحزبهم، مما هم عليه».

ولم يكن مقال جواد شفيق إلا طلقة الانطلاق لتطويق حامي الدين، بصرف النظر عن الصفة التي كان يتحدث من خلالها: هل بصفته الحزبية أم الجمعوية ؟ والغرض، يقول قيادي اتحادي، هو تصدير الأزمة التي يعيشها الاتحاد إلى الخارج، مضيفا أن فكرة «الموتمر الاستثنائي» بدأت فعلا تطرح بقوة بين مناضلي الاتحاد الاشتراكي لإنقاذ الحزب من المآل المرعب الذي يسير بثبات نحوه، والحال أن تبلورها يعاكس رغبة الكاتب الأول في قيادة الحزب نحو حضيض أعمق. ولذلك، فمن الطبيعي أن يحاول لشكر إفشال فكرة «المؤتمر الاستثنائي» وإظهارها بأنها مؤامرة خارجية لتمزيق الحزب وإضعافه، لأنه يدرك أن «المؤتمر الاستثنائي» هو قبره السياسي ونهايته كزعيم. فهل سيسمح لشكر بوضع الحبل حول عنقه؟ طبعا لن يفعل، ولذلك انتهز الفرصة التي منحها له حامي الدين ليذبح فكرة المؤتمر الاستثنائي من الوريد إلى الوريد. وفي حقيقة الأمر، إن الهجوم على حامي الدين هو هجوم مقنع على فكرة المؤتمر لاستثنائي.

شعرة في الحساء

بيان الشبيبة الاتحادية لم يخل أيضا من هذا الاستعمال، حيث اعتبر أن مقال حامي الدين «يأتي في سياق حملة شرسة يقودها اليمين الديني وأذنابه من الأبواق الإعلامية الرخيصة والسفيهة ضد الدينامية السياسية والتنظيمية التي يعيشها حزبنا منذ مؤتمر استعادة المبادرة وضد مواقف حزبنا داخل المعارضة البرلمانية والتحامه مع الجماهير الشعبية والجبهة النقابية في معاركهم الاجتماعية ضد القرارات اللاشعبية والتي تضرب القدرة الشرائية للشعب المغربي ومكتسباته السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية التي حققتها تجربة التناوب التوافقي». مضيفا أنه يرفض رفضا تاما التدخل في شؤون الحزب من طرف حامي الدين، ويعتبر أن المتهم بمقتل الشهيد آيت الجيد بنعيسى هو آخر من يعطي الدروس لشرفاء الوطن الذي قدموا الغالي والرخيص من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية».

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل الاتحاد الاشتراكي حزب مقدس ينبغي عدم الإخلال بالاحترام الواجب له؟ هل يحظر على من ليس اتحاديا أن يقول رأيه فيه؟ هل يمكن تفسير كل ما يقع من أزمات تنظيمية داخل البيت الاتحادي بأنه يقع بدعم استراتيجي من «الحزب الأغلبي»؟ هل وصل حزب الوردة، الذي كانت ترتعد له فرائص المخزن، مستوى من الهشاشة إلى درجة أن مقالا واحدا لقيادي إسلامي استدعى تحريك تنظيماته الحزبية وإطاراته الجماهيرية من أجل التصدي لحفنة من الحروف والكلمات؟

بصرف النظر عن النوايا الحقيقية التي دعت حامي الدين إلى كتابة ما كتب، وإلى إسداء النصيحة لإدريس لشكر.. وبصرف النظر عما إذا كانت الوصفة التي قدمها ناجحة أم لا، هل من المستساغ أن يتحول الحزب، الذي كان إلى وقت قريب يعج بكفاءات سياسية وعلمية وقانونية وأكاديمية، إلى «ثور أهوج» ينادي بالويل والثبور وعظائم الأمور لأن أحدهم تجرأ على تقديم «نصيحة»؟ هل معنى ذلك أن الإسلاميين يريدون إقامة صلاة الجنازة على «الاتحاد الاشتراكي» لتخلو لهم الساحة ويستفردوا بالسياسة؟ هل يمكن تصديق ذلك؟

لقد قال لشكر - وهذا ما يردده كافة أصدقائه أيضا - إن الاتحاد الاشتراكي معافى وفي وضعية صحية جيدة، فلماذا لجأ، إذن، إذا كان الأمر كذلك، إلى إعلان الحرب الشاملة على الإسلاميين لمجرد أن أحدهم وضع شعرة في الحساء؟

هذا السؤال طرحه اتحادي من المحسوبين على «تيار الانفتاح والديمقراطية»، معتبرا أن لشكر أقحم الإسلاميين عن عمد في لعبة سياسوية رخيصة ومبتذلة، إذ من غير المنطقي بتاتا أن «يشيطن» العدالة والتنمية، في الوقت الذي كان يهدد حزب البام بالتحالف معهم، الأمر الذي انتهى باستوزاره في حكومة عباس الفاسي بتلك الطريقة التي أضرت بسمعة الحزب ومناضليه وجرت عليه وابلا من النقد. لقد كان الرجل يصرخ ملء حنجرته بأنه سيتحالف مع البيجيدي، وحين ألبسوه ثوب وزير تحول «الوافد الجديد» (حزب البام) إلى حليف استراتيجي لدحر حزب بنكيران وعزله والدفع به نحو الانكماش.

ومن هنا يتضح، يواصل زميل المرحوم الزايدي، أن لشكر يستعمل الإسلاميين كورقة رابحة في صراعه على زعامة الحزب، وعينه على موقع في حكومة يتزعمها التراكتور ويشارك فيها الميزان والوردة، مع كل الإلحاقات الممكنة لتحقيق الأغلبية المريحة. إن لشكر يلعب، وندرك أنه يلعب، وأنه لا يلعب لوحده، وهو يلعب، الآن، ورقة «التآمر الخارجي» على الأرجح ليُطَمْئِنَ حلفائه بأنه ممسك بزمام الحزب وقادر على تحريك المناضلين، وليبعث برسالة إلى الاتحاديين الناقمين عليه بأنه لم «يمت بعد»، وبأنه لاعب جيد وليس من السهل إزاحته أو التخلص منه. إنه يقوم باستعراض للقوة على حساب عبد العالي حامي الدين الذي وقع في فخ «إسداء النصح». وهذا لعمري قمة «الاهتبال السياسي»..

الظاهر إذن - حسب هؤلاء - أن هجوم أصدقاء لشكر على الإسلاميين أملته ضرورات تنظيمية داخلية، وهو ما يبرر صمت الإسلاميين حتى الآن. ذلك أنهم يدركون أكثر من غيرهم أن أي هجوم مضاد سيكسب لشكر مساحات إضافية على خصومه، وأن ذلك سيساهم في تحريف النقاش داخل حزب الاتحاد الاشتراكي التي تحيل كل المؤشرات على قرب تعرضه لانشقاق جديد، وليس أدل على ذلك من الخرجات الإعلامية لقيادي اتحادي معروف (عبد الهادي خيرات) نعى الحزب إلى عموم المغاربة، وأخبر الرأي العام بأن مجموعة كبيرة من البرلمانيين والأطر الحزبية والمناضلين يقفون على مشارف مغادرة الحزب الذي وقع رهينة قيادة خانت «الفكرة الاتحادية».

فهل سيستمر البيجيديون في صمتهم «القاسي» على صقورهم، أم سيختارون خلط الأوراق وإضافة «الخل على الخميرة» كما يقول المثل المغربي، لتعميق جراح حزب ناصبهم العداء وما زال يعتبر أن دم عمر بنجلون هو الفاصل بينهم؟

إلى حدود الآن، ما زالت الأجهزة المحلية والإقليمية والجهوية لحزب الوردة وتنظيماته الموازية تتجاوب مع بيان المكتب السياسي السالف الذكر وتعتبره خطة طريق للعودة إلى الواجهة، وما زال رأس القيادي الإسلامي حامي الدين مطلوبا وسمعته مصلوبة على جثة الطالب بنعيسى أيت الجيد في أكثر من جهة، فهل معنى ذلك أن لشكر كسب الجولة، أم أن الأيام القادمة ستحمل من المفاجآت ما يجعل هذا الهجوم مجرد فرقعة إصبع ديناميت في خاصرة جبال الهمالايا؟

الأكيد أن حذاء لشكر مليء بالحصى، وصمت الإسلاميين يؤكد أنهم غير معنيين بتنقية الحذاء، وأنه في نهاية المطاف سيضطر إلى عدم الاختباء وراء ظهورهم لمواجهة ما يهيئه له عبد الهادي خيرات وعبد العالي دومو وسعيد شباعتو ورضى الشامي.. والقائمة طويلة.