محمد المزابي: فقدان الثقة في الأحزاب السياسية.. أزمة تتعمق لدى الشباب المغربي

محمد المزابي: فقدان الثقة في الأحزاب السياسية.. أزمة تتعمق لدى الشباب المغربي محمد المزابي
في السنوات الأخيرة، تزايد منسوب فقدان الثقة في الأحزاب السياسية من طرف فئات واسعة من المواطنين والمواطنات، وخاصة فئة الشباب التي أصبحت تنظر إلى الفعل السياسي بعين الريبة والسخرية أحيانًا. هذا التراجع في الثقة ليس مجرد انطباع عابر، بل هو نتيجة تراكمات لسنوات من التردد، والارتباك، والانفصال بين الخطاب والممارسة داخل المشهد الحزبي المغربي.
 
إن المتأمل في المشهد السياسي الراهن سيلاحظ أنه يعيش نوعًا من التشتت والتيه. هناك غياب لمشاريع مجتمعية حقيقية وواضحة، وتراجع للخطاب السياسي الرصين مقابل تصاعد لغة الشعبوية والخرجات العشوائية التي تكرّس البلبلة بدل التوضيح، والضبابية بدل الوضوح.
 
ويبرز هنا اسم عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة السابق، كشخصية سياسية خلقت حالة من التناقض في الخطاب السياسي الوطني. فالرجل، الذي كان في وقت سابق رمزًا للأمل لدى فئة عريضة من المواطنين، تحوّل اليوم إلى مصدر استغراب واستفهام بسبب خرجاته المتكررة التي يطغى عليها التناقض والتهكم والابتعاد عن التحليل العميق أو تقديم حلول واقعية.

فمرّة يهاجم الدولة العميقة، ومرّة يمدحها، ومرّة يعلن توبته السياسية، ثم يعود إلى الساحة بخطاب يمزج بين الفكاهة والتضليل. هذا التردد وهذه التصريحات غير المفهومة تزيد من ارتباك المواطن، وتعمق أزمة الثقة في الفاعل السياسي، بل وتسيء إلى تجربة سياسية كان يُراهن عليها في زمن من الأزمنة.
 
من جهة أخرى، هناك عزوف شبه جماعي للشباب عن الانخراط في الأحزاب، ليس لعدم وعيهم، بل لأنهم يعتبرون هذه التنظيمات فاقدة للشرعية الاجتماعية، وغير قادرة على تمثيل طموحاتهم، خاصة في قضايا التعليم، التشغيل، الكرامة، والعدالة المجالية.

الأحزاب السياسية، عوض أن تكون فضاء للنقاش وصياغة البدائل، أصبحت بالنسبة للكثيرين مجرّد دكاكين انتخابية تُفتح كل خمس سنوات وتُغلق فور إعلان النتائج.
 
والواقع أن الديمقراطية المغربية لا يمكن أن تتطور إلا بإعادة الاعتبار للمواطن، وتحديدًا للشاب المغربي، باعتباره فاعلاً محوريًا في كل تحول سياسي أو اقتصادي.

إن فقدان الثقة في السياسة ليس قدرًا، بل هو نتيجة لمسار يمكن تصحيحه إذا توفرت الإرادة السياسية الحقيقية لإصلاح الأحزاب، وتجديد نخبها، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
 
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى خطاب سياسي جديد، نظيف وواضح، ينبع من هموم الناس ويقترح حلولًا واقعية، بعيدًا عن التهريج أو التذاكي.

نحن بحاجة إلى قادة لا يهربون إلى الوراء حين تشتد الأزمات، بل يواجهون الحقيقة بشجاعة ويضعون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
 
فهل يستفيق المشهد السياسي قبل فوات الأوان؟