رغم وجود أزيد من 4500 زنقة وشارع بمدينة برشلونة، فضلت أن تكون زيارتي لزنقة des tallers، لسببين اثنين:
الأول بتجلى في أن هذه الزنقة (La carrer des Tallers)، تعد الأقدم بالعاصمة الكاطالانية.إذ يبلغ عمر هذه الزنقة 700 سنة، وبالتالي فزيارة الزنقة، هي في الأصل زيارة للمنبع الذي تحكم في تطور برشلونة والإمساك بمسار تعمير المدينة منذ العصر الوسيط( تحديدا منذ القرن 14)، حين كانت المدينة تعتمد آنذاك على ورشات الحديد والخشب لتحريك اقتصادها المحلي. بدليل أن اسم الزنقة مستمد من الجذر الفرنسي (Atelier). ومع تطور المدينة وتحول إسبانيا إلى قوة بحرية استعمارية عالمية، تم هدم أسوار المدينة العتيقة وتوسعت برشلونة، وتمططت إلى أن أضحت اليوم إحدى أشهر الوجهات السياحية في العالم، إذ في كل عام يزورها نحو 10 ملايين سائح.
ورغم بروز شوارع عصرية وراقية وفسيحة ومشهورة اليوم بعاصمة كاطالونيا، من قبيل : Rambla,Diagonal,Gracia, إلخ...، فقد ظلت زنقة Des Tallers، ذات جاذبية خاصة ليس لأنها تربط بين أهم المزارات الحضرية ببرشلونة( شارع Rambla، وساحتي "الجامعة" وكاطالونيا")، بل لأنها تحولت إلى مشرحة للجسد. وهذا ما يقودني إلى السبب الثاني.
ثانيا: زنقة Des Tallers التي كانت تنبض بالحركة بفضل ورشات الحدادة والخشب وبعض محلات الجزارة طوال العصر الوسيط، أضحت اليوم وعلى امتداد طول الزنقة (700 متر)، تعج بمحلات الوشم (studios de tatouages). فبفضل انخفاض أسعار الوشم بالمدينة مقارنة مع مدن أوربية أخرى، تحولت برشلونة إلى قطب جذب خاصة ب"سياحة الوشم"، خاصة الغربيين وبدرجة أقل الأسيويين الذين يتوافدون بكثرة وخصيصا للتمدد فوق طاولة الوشم.
فرغم وجود محلات الوشم بمدن إسبانية أخرى(خاصة مدريد)، فإن غالبية السياح يفضلون وشم أجسادهم في برشلونة، لكون الوشم بهذه المدينة أضحى "انتماء إلى هوية"، وأصبح من "علامات الهوية الحديثة" في كاطالونيا، لدرجة أنه ينذر أن تجد رجلا أو أمرأة بشارع أو مقهى أو بمحل تجاري أو مقهى ببرشلونة لم يقوما بوشم الذراع أو العنق أوالساق، أو الوجه حتى.
لا، ليس هذا وحسب، بل انخرط في موجة الوشم أطباء ومهندسون ومستشارون فنيون وأطر شركات وأبناك من سكان برشلونة، وهو مالا يوجد بكثرة في المدن الأخرى التي يقتصر فيها الوشم على الشباب وتتقزز منه الأطر بالإدارات والأبناك والشركات.