جمال الدين ريان: الجامعات الصيفية لشباب مغاربة العالم.. بين الرهان على الاندماج الوطني والجدوى الفعلية

جمال الدين ريان: الجامعات الصيفية لشباب مغاربة العالم.. بين الرهان على الاندماج الوطني والجدوى الفعلية جمال الدين ريان
تنظم الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، بشكل موسمي، ما يُعرف بالجامعات الصيفية لشباب مغاربة العالم، في إطار ما يُسوّق له على أنه سياسة تهدف إلى ربط الجالية المغربية، وخاصة الأجيال الصاعدة، بوطنها الأم. لكن هذه المبادرة، التي تكررت على مدار السنوات، تثير العديد من الأسئلة حول طبيعتها، أهدافها الحقيقية، فعاليتها، وجدواها داخل النسق العام للسياسات العمومية الموجهة للجالية.

رغم الخطاب الرسمي الذي يُشدد على أهمية هذه اللقاءات في ترسيخ الهوية والانتماء الوطني، إلا أن الممارسة تكشف عن اختلالات بنيوية في التصور والتنفيذ. فالبرنامج لا يستند إلى إطار استراتيجي متكامل، ولا ينبني على مقاربة تشاركية حقيقية مع الفئات المستهدفة، بل يتم إنتاجه بشكل موسمي يخضع لمنطق العرض السياسي أكثر مما يستجيب لحاجيات فعلية أو لتشخيص ميداني. يتم استدعاء عشرات الشباب من مختلف دول العالم لحضور فعاليات منظمة مسبقًا، دون إشراكهم في صياغة مضامينها أو توجيه أهدافها، مما يحول هذه الجامعات إلى فضاء للاستهلاك المؤقت، لا إلى ورش منتج للانتماء الفعلي أو الحوار السياسي والثقافي البنّاء.

ما يُضعف من تأثير هذه المبادرة هو غياب مؤشرات دقيقة وموضوعية لقياس الأثر. فلا توجد تقارير معلنة، ولا تقييمات مستقلة تقف على مدى استفادة المشاركين، ولا متابعة مؤسساتية لاستثمار تجاربهم لاحقًا. بل يتم الاقتصار على التوثيق الإعلامي السريع الذي يخدم الصورة الرسمية أكثر مما يعبّر عن عمق التجربة. هذا الغياب الممنهج لأي تقييم صارم، يطرح تساؤلًا مشروعًا حول أحقية استمرار هذه المبادرة بالشكل الحالي، وحول ما إذا كانت تمثل فعلًا سياسة عمومية ذات أثر، أم مجرد نشاط موسمي ضمن منطق التسيير البيروقراطي.

الأكثر إثارة للقلق هو أن هذه الجامعات تكرّس نمطًا من التعامل السطحي مع قضايا الجالية، مبني على استدعاء رمزي لبعض الأفراد لتأكيد "الارتباط بالوطن"، في حين أن الواقع يُظهر تهميشًا حقيقيًا لمغاربة الخارج، خصوصًا من حيث إشراكهم في رسم السياسات، أو الاعتراف بانتظاراتهم، أو حتى توفير الآليات الدائمة للتواصل معهم. فتكرار نفس الشعارات حول الهوية والانتماء لا يعوّض الغياب الواضح لسياسات لغوية، إعلامية، ثقافية، ودبلوماسية مندمجة موجهة للشباب المغربي في المهجر، كما أن الإنفاق العمومي على هذا النوع من المبادرات لا يوازي حجم تأثيرها المفترض، ولا يعكس تصورًا طويل المدى لبناء علاقة متوازنة ومستمرة بين الدولة والجالية.

في السياق ذاته، يُطرح إشكال آخر يتعلق بالمنطق الاتصالي الذي يتحكم في هذا البرنامج، حيث تُستعمل هذه الجامعات كأداة لترويج خطاب سياسي معين حول رعاية الدولة للجالية، دون أن يرافق ذلك تحوّل فعلي في مستوى الوعي المؤسساتي بضرورة إشراك هذه الطاقات الشابة في التنمية الوطنية، لا كأصوات تحت الطلب، بل كفاعلين شركاء في التخطيط والتنفيذ والتقويم.

من هنا، فإن استمرار هذه المبادرة بصيغتها الحالية يُعبّر عن غياب إرادة سياسية حقيقية لإعادة النظر في العلاقة بين الدولة ومغاربة العالم، وبالخصوص فئة الشباب التي تعيش خارج الحدود في واقع ثقافي واجتماعي مختلف كليًا، ولا يكفي التعامل معها بأدوات تقليدية أو شعارات جاهزة. إن السياسات الموجهة لهذه الفئة يجب أن تخرج من منطق المناسباتية وتنتقل إلى أفق الاستمرارية، وتُبنى على دراسات علمية وعلى تفاعل حقيقي، وعلى انفتاح استباقي على التحولات التي تعرفها المجتمعات الغربية وعلى ما تفرضه من تحديات على الهوية والانتماء.

إن الجامعات الصيفية، في غياب تصور شامل وواضح، ستظل مبادرة موسمية فاقدة للأثر، تنتهي بنهاية الفعالية ولا تترك أثرًا مؤسساتيًا أو استراتيجيًا. بل الأسوأ، أنها قد تُستعمل لتغطية غياب سياسة حقيقية تجاه الجالية، أو لتبرير فشل الحكومة في إدماج هؤلاء الشباب ضمن رؤية وطنية جامعة. وعليه، فإن أي إصلاح حقيقي يبدأ بإعادة طرح السؤال الجوهري: ما الذي نريده من علاقتنا مع مغاربة العالم؟ وهل نريد فعلاً أن نُشركهم في المشروع الوطني، أم نُبقيهم في موقع المتفرج المحتفى به موسمياً؟