الجديدة.. ندوة حول العقوبات البديلة بين متطلبات العدالة الجنائية وضمانات حقوق الإنسان

الجديدة.. ندوة حول العقوبات البديلة بين متطلبات العدالة الجنائية وضمانات حقوق الإنسان كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالجديدة
يشهد النظام القضائي المغربي تحولًا جوهريًا في فلسفته العقابية، حيث انتقل من النموذج التقليدي القائم على العقوبات السالبة للحرية إلى تبني مقاربات أكثر مرونة وإنسانية، تتمثل في العقوبات البديلة، وتُعد هذه الأخيرة ركيزة أساسية في الإصلاحات القانونية الأخيرة، التي تهدف إلى تحقيق توازن بين متطلبات العدالة الجنائية وضمانات حقوق الإنسان، مع السعي لمعالجة إشكالات هيكلية، أبرزها الاكتظاظ السجني، وتكاليف الإيداع، وضعف آليات الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم.
في هذا السياق تحتضن كلية الحقوق بالجديدة، ندوة وطنية حول: "قانون العقوبات البديلة.. مقاربات قانونية ورؤى استشرافية"، يوم السبت 5 يوليوز 2025، بشراكة مع عدد من الهيئات القضائية والقانونية والحقوقية.
ووفق أرضية هذه الندوة، فقد برزت فكرة العقوبات البديلة في المغرب كجزء من جهود إصلاح منظومة العدالة، التي تواجه تحديات حقيقية، في مقدمتها الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، إذ تجاوز عدد النزلاء 100 ألف سجين، في حين لا تتجاوز الطاقة الاستيعابية الفعلية 64 ألف سرير، مما أدى إلى معدل اكتظاظ بلغ 160 في المئة، كما أن العقوبات السالبة للحرية، خاصة القصيرة منها، أظهرت محدوديتها في تحقيق أهداف الإصلاح والردع، بل ساهمت في ارتفاع معدلات العود الإجرامي، يُضاف إلى ذلك الكلفة الاقتصادية المرتفعة، حيث تستهلك التكاليف الأساسية للنزلاء ما يقارب 60 في المئة من ميزانية إدارة السجون.
في ظل هذه التحديات، تم إصدار القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، والمنشور بالجريدة الرسمية في غشت 2024، حيث سيدخل حيز التنفيذ بعد ستة أشهر من نشره. ويُمثل هذا القانون تحولًا هادئًا، إذ يضع إطارًا تشريعيًا واضحًا لبدائل السجن، ويرتكز على عدد من المحاور الأساسية.
في مقدمتها، تعريف العقوبات البديلة باعتبارها عقوبات تُحكم بدلاً عن العقوبات السجنية، في قضايا الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات، مع استثناء بعض الجرائم الخطيرة، كجرائم أمن الدولة، الإرهاب، الفساد المالي، الاتجار الدولي بالمخدرات، والاستغلال الجنسي للقاصرين.
أما فيما يتعلق بأنواع العقوبات البديلة، فقد حددها القانون في: العمل للمنفعة العامة، المراقبة الإلكترونية، تقييد بعض الحقوق، والتدابير العلاجية مثل الإقامة الجبرية أو الخضوع لعلاج نفسي أو الالتزام بعدم الاتصال بالضحايا، بالإضافة إلى الغرامة اليومية التي تتراوح بين 100 و2000 درهم عن كل يوم من مدة العقوبة الحبسية، مع مراعاة الوضعية المادية للمحكوم عليه.
ويهدف هذا القانون إلى تخفيف الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، وتعزيز العدالة التصالحية من خلال إصلاح الضرر وجبر الأذى اللاحق بالضحايا، كما يسعى إلى تقليص الكلفة المالية المرتفعة، وتحويل الموارد نحو الجرائم الأكثر خطورة.
ورغم ما يحمله هذا القانون من إيجابيات واعدة، إلا أن تنزيله على أرض الواقع يواجه جملة من التحديات والانتقادات، من بينها الإشكالات اللوجستيكية، مثل ضعف البنية التحتية الخاصة بالمراقبة الإلكترونية ومراكز التأهيل والعلاج، إلى جانب التحديات المرتبطة بالتمثلات المجتمعية، حيث يرى البعض أن العقوبات البديلة تمثل نوعًا من التساهل مع الجناة، خصوصًا في الجرائم ذات الطابع العنيف كالعنف الجنسي أو العنف ضد النساء. كما يُطرح إشكال آخر يتعلق بالجانب الطبقي، في ظل التخوف من تحول الغرامات اليومية إلى آلية غير عادلة تتيح "شراء الحرية" لأصحاب الدخل المرتفع.
وعلى الرغم من هذه الملاحظات، فإن القانون رقم 43.22 يُمثل نقلة نوعية في السياسة الجنائية المغربية، لكنه يظل رهينًا بمدى انخراط وتكامل جهود مختلف الفاعلين في مجال العدالة. من هنا، تأتي أهمية هذه الندوة، التي تروم فتح نقاش جاد ومسؤول حول هذه التحولات، وبحث سبل التنزيل السليم لهذا القانون، في أفق بناء عدالة فعالة ومنصفة، تصون كرامة الإنسان وتحمي المجتمع.