قراءة في مشروع قانون 8321 في ارتباطه بقانون الشركات المساهمة رقم 95-17 المتعلق بخصخصة قطاع الماء والصرف الصحي والكهرباء:
لأول مرة ألقيت نظرة شاملة على هذا المسمى "مشروع قانون الشركات الجهوية متعددة الخدمات، قانون الشؤوم رقم 21-83"، فهو يشتمل على 17 مادة فقط. وبمجرد قراءة المادة الثانية منه، تساءلت في نفسي مستغربا: تُرى لو كان اليهود الفِكيكيون اللذين هاجروا إلى الكيان الغاصب لا يزالون بيننا (وأتمنى رجوعهم طالما عثروا بقصر الوداغير على مآثر لهم، من كنيس ومخطوطات عبرية وآثار لحمام خاص بهم ؟!). أعود وأقول لو كان أولائك اليهود يقيمون بيننا إلى يومنا، وانتخبناهم للنيابة عنا في الحفاظ على مصالحنا المائية، من غير أن يمتلك أَيًّا منهم خَرُّوبَةً واحدة في أي من خطارات فكيك (الخَرُّوبَة هي وحدة قياس الزمن المائي بفكيك). هل كانوا سيقبلون بهذا التعاقد، والتصويت بالموافقة على التفويت المجاني للفُرشة المائية لفكيك إلى "شركة مساهمة"؟ فضلا عن شبكتي توزيع الماء والصرف الصحي وما إليها من تجهيزات وعقارات ؟؟ لا أشُك ثانية واحدة في رفضهم المطلق للمشروع وبقوة. لأنهم يعلمون بأن الفُرشَة المائية بفكيك لها خصوصيتها المختلفة عما هي عليه في جميع أنحاء المغرب وربما العالم. فالمياه الجوفية في فكيك، تتميز بكونها مملوكة "ملكية خاصة" مهما كانت في باطن الأرض، ثابتة بالنص عليها في الجريدة الرسمية. تخضع لضوابط عرفية ناظمة للخطارات فيما بين القصور (بمثابة قانون عام)، وأخرى عرفية تنظم العلاقة بين المشتركين في ملكية الحصص في كل خطارة على حدة، مثلما هو العرف في النظام السياسي البريطاني. أما في الوعي الجمعي، الثقافي والأنتربولوجي لعلاقة الإنسان الفكيكي بالفرشة المائية، فالحديث عنها بلا سقوف. فهي عَبرَ تلك القنوات الجوفية المُقامَة منذ مئات السنين تعتبر من عناوين الأصالة لفكيك، كما هي بمثابة عروق مجرى الدم في جسم الإنسان. إلى صهاريج تخزين المياه، وشبكة السواقي السطحية لسقي البساتين و وَرَدِ الماشية، ونقط الاستحمام للرجال والنساء إلى غيرها من المنشآت ذات الارتباط المادي والوجداني بالساكنة عامة. وعلى ذلك لا زِلتُ أتساءل عن أي ضمير لدى أولائك "التسعةُ رهط" (سورة النمل آية 48)، المُتَنكِرين لأصالتهم، لتاريخهم، لثقافتهم، لتلك السواقي، لتلك النخيل التي تثلج صدر الناظرين من أعلى الجرف ! هل فكروا أنهم بتصويتهم قرروا إعدام النخيل عطشا، وأنها ستنقرض كما انقرضت سلالة بني كَيل للأغنام، حيث تم التخلي عنها فيما سمي زورا ب"المخطط الأخضر"، وقد تَنَكَّرت الحكومة لأهالي بني كَيل تحت ذريعة الجفاف، تمهيدا للاستيلاء على أراضيهم السلالية لفائدة مشاريع استغلال أحواض "غاز تاندرارة" (حفر الآبار، مَدُّ الأنابيب، شق الطرقات، بناء القرى الصناعية..إلخ)، وبقي بني كَيل لحالهم مغلوب على أمرهم، تائهين تحت الصفيح على هوامش المدن والقرى. ولمن غابت عنه الصورة لما يجري هناك، فأراضي الجموع لقبائل بني كيل معروضة في سوق النخاسة البَينِية لأصحاب "رؤوس" المال.
عفوا، لقد سقط مني لِجامُ القلم ولم يعد لي من رأي فيما يَكتُب، أمَا وقد هدأت النفس الهائجة، فلا بأس من العودة إلى مواد مشروع قانون الشركات الجهوية متعددة الخدمات. الأكيد أن الجميع منكم مع بعض الاستثناءات، لم يطلع على بنوده. وإلَّا لما غَمَضَ لأحدكم جَفن ولا جَفَّ له ريق ولا غادر الحراك من أمام البلدية. لذلك سأقوم بنسخ بعض المواد من القانون رقم 21-83، مضافا إليها المادة الأولى من القانون 95- 17 المتعلق بقانون الشركات المساهمة، المحال عليها بموجب المادة الثانية من مشروع القانون المذكور، مع بعض الشروحات في الختام، لعلها تكون حافزا على قراءة المشروع عند Mr Google :
مشروع قانون رقم 21- 83 يتعلق بالشركات الجهوية متعددة الخدمات:
المادة1) .......
المادة2) تُحدَث على صعيد كل جهة وبمبادرة من الدولة شركة مساهمة تحمل إسم "الشركة الجهوية متعددة الخدمات" تخضع لأحكام هذا القانون، ولأحكام القانون 95- 17 المتعلق بشركات المساهمة، ولنظامها الأساسي، ويشار إليها ب "الشركة".
تؤهل الشركة للقيام بجميع الأنشطة والعمليات الصناعية والتجارية والعقارية والمالية ذات الصلة بغرضها الرئيسي. كما يمكن أن تؤهل بموجب عقد التدبير لتحصيل الرسوم، والأتاوي أو المساهمات، أو الفواتير لحساب صاحب المرفق أوالدولة أو لحسابها الخاص أو لحسابها حسب الحالة.
المادة3)......
الفقرة2): لا تكون مقررات الجماعة الترابية... والمتعلقة بالمساهمة في رأس مال الشركة قابلة للتنفيذ، إلا بعد التأشير عليها من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية.
الفقرة3) يمكن للشركة فتح رأسمالها للقطاع الخاص على ألا تقل، في جميع الأحوال، مساهمة الدولة عن 10 بالمائة".
المادة11): يضع صاحب المرفق (الجماعة) `مجانا`` رهن إشارة الشركة وطبقا لعقد التدبير المنقولات والعقارات اللازمة لتدبير المرفق باعتبارها أموال رجوع لا سيما ما يلي :
بالنسبة للماء الصالح للشرب: مجموع منشآت وتجهيزات التوزيع والمنشآت الأخرى ذات الصلة بتوزيع الماء الصالح للشرب المنجزة بين نقطة التزويد بالماء ونقطة ربط الزبون بالخدمة. خاصة منشآت التخزين وقنوات التوزيع ومحطات الضغط والتعقيم والمعالجة والتجهيزات المتعلقة بالربط والعد.
إنتهى القانون رقم 21- 83.
فيما يلي نص المادة الأولى من القانون 95- 17 المتعلق بشركات المساهمة المحال عليه بمقتضى المادة 2 أعلاه:
- قانون شركات المساهمة:
المادة1): شركة المساهمة شركة تجارية بحسب شكلها وكيفما كان غرضها.
ينقسم رأسمالها إلى أسهم قابلة للتداول ممثلة لحصص نقدية أو عينية دون أية حصة صناعية.
ويجب أن تتضمن العدد الكافي من المساهمين الذي يُمَكِّنُها من تحقيق غرضها وتسييرها ورقابتها، على ألا يقل عدد المساهمين عن خمسة، لا يتحملون أية خسارة إلا في حدود حصصهم ودون أن تزداد أعباؤهم إلا برضاهم". (انتهى قانون 95-17)
بالقراءة المتأنية لهذه المواد، وربط المادة الأولى من قانون شركات المساهمة المحال عليها بموجب المادة الثانية من القانون رقم 21- 83، يتبين :
1) أن الشركة المتعاقدة "شركة الشرق" شركة مساهمة S Anonyme وهي بذلك حسب فقه القانون التجاري، ذات طبيعة تجارية، هدفها الربح بموجب قانون إنشائها. وجَنيُ الأرباح أمر منطقي طالما هو استثمار مالي للخواص. إنما الحالة الراهنة في فكيك، فتفويت المال العام إلى الخواص سيتم بالكرم الحاتمي، ولا نريد منكم جزاء ولا شكورا.
2) أن الشركة المتعاقدة حاليا، مجرد قنطرة أو جسر لتمرير المرفق العام إلى "المستثمرين" الخواص، إن كأشخاص طبيعيين أو كأشخاص معنوية (شركات)
3) أن تفويت المشآت الحالية l'infrastructure existente، سواء فيما تعلق بالماء الشروب أو المياه العادمة أو الكهرباء، سيتم من دون أدنى مقابل لفائدة البلدية. لكن بعد تأسيس الشركة "S.A" فستصبح الأسهم محل بيع بمقابل ؟ (في المغرب إفهم تتسطا).
4) أن قرارات الجماعة الترابية، بخصوص المشاركة في رأسمال الشركة، لن تكون مقبولة إلا تحت شرط الموافقة من طرف مصالح وزارة الداخلية (السيد العامل). كأننا أمام تنازل عن أصل تجاري بالمجان ليصبح بمقابل غدا.
5) يلاحظ على صياغة بنود هذا القانون (21-83)، أنها تضمنت العديد من المصطلحات الحَمَّالة أوجه، أسلوب غالبا ما يلجأ إليه المُشرع بقصد التأويل حسب الحاجة (كما في صياغة القانون الجنائي لتوسيع شبكة الإتهام). وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما ورد في آخر المادة الثانية من القول "حسب الحالة"، من غير ذكر ولو حالة واحدة للاستئناس. ليبقى من عيوب هذا القانون أنه مُحمَّل بالكثير من هذه العبارات الفضفاضة.
6) أن أسهم الدولة محكوم عليها، بموجب هذا القانون، بالبقاء ضئيلة جدا محددة في عشرة(10). ما يعني أنها تركت القرار للرأسمال المتوحش.
7) أن المادة الأولى من قانون شركات المساهمة 95- 17 تحدد أقل عدد المساهمين في خمسة، في حين أن عددهم في "شركة الشرق" لا يتجاوز الأربعة مساهما، الشيء الذي يجعلها مخالفة لقانون تأسيس شركات المساهمة منذ النشأة. ولا ندري كيف سيتم قبول قانونها الأساسي في السجل التجاري لدى المحكمة التجارية؟ (تجدون أدناه لائحة أعضاء مجلس الإدارة ولائحة المساهمين الأربعة).
كان هذا غيض من فيض، من أجل وضع القارئ وأعضاء المجلس البلدي على الطريق في مراجعة القوانين والمراسيم المنظمة لهذه الخطوة الحكومية. ومن ثم تقدير حجم الكارثة التي ستصيب ساكنة فكيك، سواء فيما يتعلق بافتقاد ملكيتها لثروتها المائية أو فلاحتها أو ماشيتها أو مشروبها.
وأختم بالقول: أن الأصعب من العمى، من لا يريد أن يرى. واليد التي لا تحتفظ بسلاحها تساق إلى المذبحة. أما الشعب الذي يفرط في القيم ولا يحتفظ بسرواله فيُقادُ إلى الموخر.