محمد الطيار: قضية الصحراء لا تحتمل التناقضات السياسية.. دعوة إلى ضبط الخطاب الحزبي

محمد الطيار: قضية الصحراء لا تحتمل التناقضات السياسية.. دعوة إلى ضبط الخطاب الحزبي محمد الطيار، رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية
في سياق دولي يتسم بتكثيف المبادرات الهادفة إلى تجفيف منابع الحركات الانفصالية المسلحة، صدرت عن رئيس المجموعة النيابية لحزب بمجلس النواب تصريحات مثيرة للجدل. فقد وصف عناصر جبهة "البوليساريو" بـ"الإخوة المغاربة المخطئين"، معبّرا في الوقت ذاته عن تحفظ حزبه إزاء المبادرات الهادفة إلى تصنيف هذه الجبهة كتنظيم إرهابي. ولم يقتصر التصريح على هذا التوصيف، بل تجاوزه بدعوة الجبهة إلى التخلي عن السلاح والالتحاق بالمغرب للمشاركة في تنفيذ مشروع الحكم الذاتي.
 
الطابع غير الوطني لتركيبة جبهة البوليساريو
من المعطيات الجوهرية التي يجب التذكير بها في أي نقاش مسؤول حول جبهة البوليساريو، أن هذه الأخيرة لا تُعبّر في بنيتها البشرية والقيادية عن تمثيلية حقيقية لساكنة الصحراء المغربية. فالأرشيفات التاريخية والمعطيات الميدانية تُبيّن أن نسبةً كبيرة من قادة وعناصر الجبهة ينحدرون من أراضٍ غير مغربية، وتحديدا من الجنوب الجزائري (تندوف، بشار، ورقلة وغيرها )، ومن موريتانيا وشمال مالي (أزواد)، فضلا عن بعض دول الساحل الإفريقي.
هذا المعطى يضعها في خانة الأدوات الجيوسياسية المصنّعة إقليميا، والتي تُوظَّف لأغراض استراتيجية تتجاوز الإرادة الحقيقية لساكنة الأقاليم الجنوبية. إن الطابع العابر للحدود لتكوين الجبهة يعكس في جوهره مشروعا مفروضا من خارج المغرب، يفتقر للشرعية المجتمعية.
 
سجل دموي وتصنيف قانوني واضح
منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، انخرطت جبهة "البوليساريو" في ارتكاب سلسلة من الانتهاكات الجسيمة الموجهة ضد المواطنين المغاربة، خاصة في الأقاليم الجنوبية. وتشمل هذه الانتهاكات ما يلي:
- قصف ومهاجمة مدن وبلدات آمنة مثل السمارة، آسا، طانطان، الزاك، أقا، طاطا، لبيرات وغيرها.
- تنفيذ كمائن مسلحة على الطرقات استهدفت مدنيين، وارتكاب أعمال قتل وذبح وحرق بحق مواطنين عزل.
- الاعتداء على المزارعين والواحات في مناطق أقا وطاطا، وسرقة قطعان الابل و نهب موارد العيش التقليدية للرحل.
- اختطاف اعداد كبيرة من المواطنين المغاربة، ونقلهم قسرا إلى معسكرات الاعتقال في تندوف، حيث يُمارس الاحتجاز في ظروف غير إنسانية، خارجة عن القانون الدولي.
- وتُصنف هذه الأفعال، بموجب القانون الدولي الإنساني، ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ولا يمكن تبريرها أو طمسها من خلال مقاربات سياسية تُغفل المحاسبة والعدالة.
 
البعد الإنساني وتأثير الجرائم على مشاعر الضحايا والسكان المحليين
لا يمكن فهم أبعاد أزمة الصحراء المغربية دون الوقوف عند معاناة الضحايا المباشرين لتجاوزات جبهة البوليساريو الإرهابية، والتي تركت بصماتها القاسية، ولا تزال تُلقي بظلالها الثقيلة على سكان الأقاليم الجنوبية، لا سيما في مناطقها الشرقية. فقد عانى المدنيون من اختطافات وتعذيب وإعدامات ميدانية، حيث أُزهقت أرواح الأبرياء بوحشية، وقُطعت أواصر الأسر، وتحطمت آمال العائلات في حياة آمنة ومستقرة.
 
هذه التجارب المأساوية خلفت جروحا نفسية عميقة، وألما مستمرا يُعيشه الضحايا وذووهم، كما تسببت في حالة من الخوف والقلق الدائم لدى السكان، الذين ما زالوا يواجهون آثار الإرهاب والتهديد المستمر. لم تكن هذه الجرائم مجرد أحداث عابرة، بل إرهاب ممنهج هدف إلى زعزعة السلم الاجتماعي وخلق حالة من اللااستقرار، ما أثر سلبا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية الى اليوم، خاصة في طانطان ونواحيها وفي عموم المنطقة الشرقية من الصحراء المغربية التي تضرر المواطنين فيها من هجمات "البوليساريو" .
 
مخاطر أمنية مصاحبة لأي إدماج
إن إشراك تنظيم انفصالي مسلح له طبيعة إرهابية سافرة في تدبير الشأن المحلي، يشكل تهديدا مباشرا للأمن الوطني، وذلك بالنظر إلى المعطيات التالية:
- أولا، انعدام الالتزام الفعلي بمبادئ السلم، وهو ما يُنذر بإمكانية عرقلة تنفيذ الحكم الذاتي من الداخل، وتحويله إلى أداة تفاوض سياسي مستمر ووسيلة لابتزاز الدولة.
 
- ثانيا، عودة عناصر مسلحة مدرّبة، تورط العديد منها في شبكات الجريمة العابرة للحدود وفي أنشطة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل ، يُنذر بمضاعفة التهديدات الأمنية في المنطقة.
 
- ثالثا، الجبهة لها علاقات وثيقة مع المخابرات الجزائرية وبعض التنظيمات الإرهابية النشطة في الساحل، ما يُضاعف من حدة المخاطر ويجعل من إدماجها خطرا على الأمن القومي المغربي.
 
سياق حساس ومضمون متعارض
تزامنت هذه التصريحات مع مبادرة نوعية داخل الكونغرس الأمريكي، تمثلت في تقديم مشروع قانون يدعو إلى تصنيف جبهة "البوليساريو" تنظيماً إرهابياً، بالنظر إلى تورطها في أنشطة مسلحة عابرة للحدود، وارتباطاتها المثبتة بشبكات الجريمة المنظمة والجماعات المتطرفة النشطة في منطقة الساحل. وفي هذا الإطار، فإن التصريحات الصادرة عن المسؤول الحزبي تُرسل رسائل سلبية قد تُستثمر من قبل خصوم المغرب.
 
دعوة إلى خطاب موحد في مواجهة الانفصال والإرهاب
قضية الصحراء المغربية ليست ملفا داخليا تقنيا أو موضوعا قابلًا للمزايدات السياسية الظرفية، بل هي قضية سيادة وطنية، وهوية استراتيجية.وعليه، نُجدد التأكيد على ضرورة التزام كافة الفاعلين السياسيين بخطاب وطني موحد، يرفض أي تساهل و يرفض أي تبرير ضمني أو صريح للمشروع الانفصالي، ويدين كل أشكال التطبيع مع خطاب الجريمة السياسية والإرهاب.
 
 
محمد الطيار/ رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية