سعيد ودغيري حسني: صرخة في زمن البث العاري

سعيد ودغيري حسني: صرخة في زمن البث العاري سعيد ودغيري حسني
لم نعد نفتح هواتفنا لنطمئن
بل نفتحها لننزف
نفتحها فلا نجد طمأنينة ولا بشارات ولا أثرا لمن نحب
بل نطل من نافذة تفتح على دوار رقمي لا بداية له ولا نهاية
نفتحها فنغرق في صور لا تشبهنا
في أصوات تعلو ولا تقول شيئا
في وجوه تصطنع الحياة
وفي أجساد تتلوى أمام عدسات لا ترحم
لا رحمة في هذه الشاشات
ولا حياء
ولا خصوصية
ولا قلب

صار الجسد بضاعة
والرقص مهنة
والغواية محتوى
والشهرة سلعة تُبتاع وتُباع
منصة بث مباشر لا تُرَبّي ولا تُهَذّب
بل تسوّق الفراغ والابتذال والمقارنة القاتلة

لم يعد الفتى يحلم بشهادة ولا الفتاة تقرأ كتابا
بل يحلمان بأن يصبحا مؤثرين
وبأن يصلهما منتج تجميل أو إعلان لعلكة أو دعوة لحضور عرض أزياء
لم نعد في زمن القيم
بل في زمن القيم المقلوبة
زمن يُقاس فيه النجاح بعدد المشاهدات لا بعمق الفكرة
وبعدد المتابعين لا بنقاء النية

سقطنا ونحن نضحك
وسُرِقَ منا الحياء ونحن نصفق
وتحولت بيوتنا إلى مسارح
وغرف نومنا إلى استوديوهات
وعلاقاتنا إلى محتوى
وصمتنا إلى مادة تُقَطّع وتُمنتج وتُبث

نعيش في زمن لا يَعرفُ الستر
زمن تُفضَحُ فيه النفس على مرأى الجميع
ويُفتَحُ فيه البث ليُغتَصَبَ الوقت والروح والحياء
زمن يُذبح فيه المعنى في سبيل اللايك
ويُسجَن فيه العقل خلف تعليقات باردة ومقاطع ممجوجة

يسهرون الليالي لا لأجل صلاة ولا قراءة
بل لأجل ترند جديد
يتحدون حدود الذوق
يأكلون ما لا يُؤكل
ويكشفون ما لا ينبغي كشفه
ويهينون الوالدين في مشاهد تمثيلية رخيصة
فقط من أجل قلوب مكسورة على الشاشة
وأموال سريعة في الحساب

يا لهذا العصر
كم صرخة سقطت في صمت
وكم قيمة نُحرت أمام عيوننا
ونحن نمرر إلى الفيديو التالي كأن شيئا لم يكن
نرى فتاة تُصفع ونضحك
نرى طفلا يُستغل ونشارك
نرى جريمة تُبث مباشرة فننبهر بالعدد
ثم نُكمل يومنا وكأن القتل خبر عادي
والإهانة عرض ترفيهي

نحتاج أن نصحو
أن نُطفئ الشاشات قليلا
أن نغلق النوافذ التي تبث لنا السقوط
أن نتنفس خارج هذا الضجيج
أن نعود لما كنا عليه قبل أن نحترف السقوط في العلن
قبل أن يصبح الجسد مهنة
والخصوصية تجارة
والعرض فرجة

نحتاج أن نعيد للبيت ستره
وللكلمة معناها
وللوجه حياءه
وللروح صمتها



زبدة القول

يا نفس عودي للحياء فقد نضب
ما في المباشر من وفاء أو أدب
يا عين لا تفرح بما قد يُستباح
فالعز يُطفأ حين يُشرى بالغضب
يا قلب لا ترقص لعرض فاسد
العرض ليس تجارة مثل الحطب
إنا سقطنا حين صارت قيمنا
تُقاس بالترندات في سوق الكذب