فوزي بوزيان: إقليم سطات.. قلب الشاوية خارج خريطة التنمية

فوزي بوزيان: إقليم سطات.. قلب الشاوية خارج خريطة التنمية فوزي بوزيان
في الوقت الذي تؤكد فيه الخطابات الرسمية على أهمية العدالة المجالية، يتساءل أبناء إقليم سطات: متى ينال هذا الإقليم نصيبه من الإنصاف التنموي؟ وكيف يمكن استثمار ثرواته الطبيعية، والفلاحية، والبشرية ونقاط قوته التي لطالما ميزته؟
 
من قوة فلاحية إلى بؤرة نزوح وهجرة قروية
مع توالي سنوات الجفاف، أصبحت مدن الإقليم، وفي مقدمتها سطات، ابن أحمد، البروج، وأولاد أمراح، وجهة للهجرة القروية المتزايدة. وحسب معطيات الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، بلغ عدد سكان الإقليم أزيد من 1,086,000 نسمة، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 6.8% مقارنة بإحصاء 2014، مما يشكل ضغطا كبيرا على البنية السكنية والخدمات الاجتماعية. في غياب مخططات تهيئة عصرية، وبرامج إدماج حقيقية من الجهات المنتخبة والقطاعات الوصية، باتت الأزمة الحضرية تتفاقم.
 
مدن دون بوصلة وأحياء محاصرة
شوارع وأزقة سطات تعاني من الحفر والمطبات، وتنظيم السير والجولان شبه غائب. أحياء مثل "مفتاح الخير" ما تزال محاصرة بالسكة الحديدية، في انتظار وعود بإحداث قنطرة لم تر النور بعد. بينما تئن أحياء أخرى في ابن أحمد (أولاد احليمة، الحجام، الزهراوي، بوحولة، لبعارة...) تحت وطأة البناء العشوائي والإقصاء من أي مخططات حضرية,وإعادة الهيكلة رغم الوعود من عقود.
 
تهيئة حضرية غائبة... وحلول مؤجلة
الحل هو إطلاق مشروع تهيئة حضرية شاملة بتمويل حكومي وجهوي يشمل سطات، ابن أحمد، البروج، أولاد أمراح، ثلاثاء الأولاد، رأس العين، والجماعات القروية الأخرى، وفق رؤية مندمجة تحترم الحاجيات المتزايدة للسكان.
 
أزمة ماء خانقة تضرب عددا من الجماعات
من أبرز الإشكالات التي تؤرق ساكنة إقليم سطات، خاصة خلال فترات الصيف، أزمة الماء الصالح للشرب. فقد عانت جماعات مثل ابن أحمد، سطات، خميسات الشاوية، أولاد اسعيد، وكشاشة بمشرع بنعبو من انقطاعات متكررة، رغم وجودها بمحاذاة وادي أم الربيع وضمن محيط سدود استراتيجية. الوضع يفرض ضرورة بناء خزانات إضافية للماء، وتحسين قنوات التوزيع، وترشيد استغلال هذه المادة الحيوية حتى تظل متاحة للجميع دون تمييز أو انقطاعات تهدد الاستقرار اليومي للمواطنين.
 
بنية تعليمية هشة وبناء مفكك يهدد السلامة
لا يزال البناء المفكك منتشرا في مؤسسات التعليم، خاصة في الوسط القروي، ما يهدد سلامة التلاميذ والأطر التربوية، ويعجز عن مقاومة برد وأمطار الشتاء المتسربة، وحر الصيف. إضافة إلى ذلك، تحولت ملحقات إلى إعداديات رغم افتقارها للمساحة الضرورية، وللمرافق الأساسية، لاسيما الرياضية، والقاعات العلمية المجهزة.
 
أحياء جامعية وداخليات بطاقات استيعابية محدودة
الأحياء الجامعية والداخليات في سطات تعاني من ضعف كبير في طاقتها الاستيعابية. ويسجل عجز ملحوظ في تلبية حاجيات الطلبة، حسب إحصاءات رسمية، مما يدفع الكثير منهم للسكن في ظروف غير ملائمة، ويزيد من نسبة الهدر الجامعي. وضع مشابه يسري على الداخليات بالثانويات والإعداديات التي لا تواكب التزايد السكاني والطلب المتنامي.
 
فلاحة متراجعة في أرض كانت تسمى "مطمورة المغرب"
رغم أن سطات تعد من أغنى الأقاليم فلاحيا، بفضل سهول التيرس وهضابها التي تنتج مختلف أنواع الحبوب، والتي كانت توصف في الحكي الشعبي بـ"مطمورة الحبوب" أي خزان يكفي حاجيات المغرب من الحبوب، كما يتميز الإقليم بغنى مواشيه، لاسيما سلالة "السردي" بمنطقة بني مسكين وأولاد فارس، ناهيك عن تواجد أكبر سوق تجاري لبيع الخيول والمواشي، إلا أن الفلاحين يعانون من غياب برامج الدعم المباشر، وضعف في تمويل حفر الآبار، وندرة الأعلاف المدعمة. مياه سدود المنطقة، كسد المسيرة، تحول إلى أقاليم أخرى، فيما تبقى دواوير بأكملها على حافة العطش.
 
قطاع صحي هش... وغياب العدالة العلاجية
يعاني الإقليم من خصاص حاد في الأطر والتجهيزات الصحية. عدد الأطباء بالإقليم لا يتلاءم وحاجيات الساكنة، مع حضور غير دائم للأطقم الطبية المتخصصة،. مستشفيات ابن أحمد والبروج تعاني من غياب الأطقم الطبية المتخصصة، فيما المستشفى الإقليمي بسطات لا يرقى لمطالب الساكنة.
مدينة ابن أحمد كانت تحتضن أحد أكبر المستشفيات المتخصصة في علاج الأمراض التنفسية والصدرية بشمال إفريقيا، وكان قبلة للمرضى من مختلف جهات المغرب، بفضل موقعه وسط فضاء غابوي وتعدد أجنحته العلاجية. لكن هذا المعلم الصحي تحول إلى أطلال مهجورة، وغاب معه حتى حلم تحويل جزء من فضائه إلى نواة جامعية تخفف العبء عن جامعة سطات، فالحاجة ماسة لتنفيذ ورش بناء النواة الجامعية بمدينة ابن أحمد لتخفيف الضغط، وتقريب العرض الجامعي من طلبة قبائل امزاب والمناطق المجاورة للإقليم.
 
طرق مهترئة ومسالك متهالكة
الطرق الرابطة بين سطات وابن أحمد، مرورا بسيدي محمد البهلول ورأس العين وأولاد أمراح، تشكل بؤرا سوداء في السلامة الطرقية، حيث تم تسجيل عدة حوادث سير مميتة خلال السنوات الثلاث الماضية. عدد كبير من الدواوير لا يزال معزولا بسبب تآكل الطرق الترابية، خصوصا بجماعات مكارطو، أولاد امحمد، وأولاد اسعيد.
 
رياضة في غرفة الإنعاش
رغم أن سطات أنجبت نجوما في كرة القدم والعدو الريفي، فإنها اليوم تفتقر لأي تمثيلية رياضية وطنية. ملاعب متقادمة، غياب مراكز للتكوين، وانعدام الدعم الرياضي جعل المواهب الشابة تهاجر لمدن أخرى. كما أن الإقليم لم يدرج في أي من مشاريع البنية التحتية الخاصة بكأس العالم 2030.
 
قطار يمر... دون توقف
مشروع القطار فائق السرعة الرابط بين الدار البيضاء ومراكش يمر من إقليم سطات دون أن يتوقف في محطته، رغم أن عدد مستعملي القطار من الإقليم يفوق 12 ألف مسافر أسبوعيا، وفق احصاءات. المحطة كانت ستنعش الدورة الاقتصادية وتدعم تنقل الطلبة وطالبي العلاج والتجار.
 
الاعتناء بالغطاء الغابوي وتشجيع السياحة
لا يمكن الحديث عن تنمية مستدامة دون حماية الغطاء الغابوي وتجديده. إقليم سطات يزخر بمجموعة من الغابات الطبيعية التي تواجه اليوم خطر الإتلاف والتدهور، منها غابة بير باعوش، غابة أولاد امحمد، غابة وسط مدينة ابن أحمد، وغابة سطات. هذه الفضاءات تحتاج إلى إعادة التشجير، وتجهيزها بمرافق استجمام، وتشجيع المبادرات البيئية لإعادة الحياة لهذه الرئات الطبيعية.
كما أن تنشيط السياحة الداخلية بالإقليم من شأنه خلق فرص اقتصادية وتنموية جديدة، خصوصا أن سطات تمتاز بتنوع جغرافي وتراث ثقافي غني، من الفروسية التقليدية إلى الصناعات اليدوية والطبخ المحلي والشعر والزجل خصوصا بامزاب البهالة، والفلكلور المحلي. المطلوب هو دعم هذه الإمكانات عبر بنية استقبال سياحي وترويج إعلامي هادف.
نداء إلى الجهات المعنية.
 
أمام هذا الواقع المتشعب، أمل ساكنة إقليم سطات، من الحكومة، ومجلس الجهة، والقطاعات الوزارية والمؤسسات الترابية، ما يلي:
العمل على استفادة الساكنة من توقف القطار فائق السرعة لربط الإقليم بمحيطه الجهوي والوطني.
إطلاق برنامج استعجالي لفك العزلة وتأهيل الطرق الإقليمية والمسالك القروية.
تعويض الحجرات الدراسية المشيدة من البناء المفكك بآخر من بناء صلب، وتأهيل فضاءات المؤسسات التعليمية وتوفير كل المرافق الضرورية، وبناء إعداديتين وثانوية ومدرسة ابتدائية جديدة بابن أحمد وبمدينة سطات، وبمختلف الجماعات التي تحتاج الى إحداثات.
إحداث مستشفى جهوي متعدد التخصصات وتجهيز المراكز الصحية وتزويدها بالموارد البشرية الضرورية.
تمويل برامج الفلاحة القروية، ودعم الفلاحين الصغار بمشاريع مائية وتوفير الأعلاف.
بناء خزانات مائية إضافية وتحسين البنية التحتية لشبكات التوزيع.
تهيئة حضرية متكاملة لمدن سطات، ابن أحمد، البروج وباقي المراكز.
اعادة هيكلة الأحياء العشوائية مع حفظ حقوق الملاك الأصليين.
توسعة الأحياء الجامعية والداخليات وتوفير النقل المدرسي للمناطق المعزولة.
النهوض بالبنية الرياضية والثقافية وخلق فرص أمام الشباب.
بناء أسواق القرب لتجميع الباعة المتجولين بسطات وابن أحمد.
 
خلاصة
إقليم سطات ليس عبئا تنمويا، بل رافعة حقيقية لجهة الدار البيضاء - سطات، وللمغرب ككل. آن الأوان لتغيير النظرة إلى هذا الإقليم، وإنصاف ساكنته، وتحقيق العدالة المجالية الموعودة.
فمتى يتحرك المسؤولون؟ ومتى يرفع الحيف عن سطات وساكنتها؟