عبد الرفيع حميدي: المنظمات التربوية في المغرب.. ضرورة إعادة الاعتبار بأفق وطني ومحلي

عبد الرفيع حميدي: المنظمات التربوية في المغرب.. ضرورة إعادة الاعتبار بأفق وطني ومحلي عبد الرفيع حميدي

يأتي هذا المقال في إطار دعوة لفتح نقاش عمومي حول مكانة المنظمات التربوية في مغرب المستقبل، ولحث الفاعلين على مأسسة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني في المجال التربوي

في ظل تحولات عميقة يشهدها المجتمع المغربي، حيث تتداخل الحاجة إلى التنمية مع تحديات بناء الثقة والمواطنة، يعود إلى الواجهة سؤال مركزي أين موقع المنظمات التربوية في مغرب اليوم؟
وهل لا تزال قادرة على لعب دورها التأطيري والتربوي في زمن الرقمنة والانكماش القيمي؟

سؤال يستمد راهنيته من أزمة صامتة تعيشها هذه الفضاءات، التي كانت بالأمس القريب مشتلاً لصناعة الوعي الوطني، وأصبحت اليوم تواجه خطر التهميش والنسيان

 

من فضاءات للمقاومة... إلى هوامش منسية

لم تكن المنظمات التربوية مجرد نوادٍ للترفيه أو ملء أوقات الفراغ. فمنذ عهد الحماية، لعبت أدوارًا طلائعية في مقاومة الاستعمار، وتأطير الأطفال والشباب على قيم الكرامة والانتماء

ساهمت شخصيات بارزة في إطلاق أولى لبنات هذا الفعل التربوي المقاوم، على رأسهم المهدي بن بركة والسي الطيبي بنعمروالحيحي محمد،رحمة الله عليهم حيث شكلت الأنشطة الثقافية والمخيمات والمسرحيات آنذاك أدوات لغرس الوعي الوطني وتعزيز الهوية المغربية

ومع الاستقلال، تحوّلت هذه الفضاءات إلى منصات لتأطير جيل الدولة الحديثة، من خلال شعارات مثل: "بناء المواطن الصالح"  و"الشباب في خدمة الوطن". لكن هذا الزخم بدأ في التآكل شيئًا فشيئًا، بفعل غياب الاستراتيجيات المستدامة، وتراجع الدعم العمومي، وتزايد اللامبالاة السياسية

 

أزمة متعددة الأبعاد

المنظمات التربوية اليوم تواجه أزمة مركبة، يمكن اختزالها في ثلاثة مستويات

هل هي شريك للمدرسة؟ أم بديل للأسرة؟ أم مجرد فضاء للأنشطة العرضية؟  أزمة هوية

أزمة تمويل تقلص الموارد العمومية وغياب معايير واضحة للدعم يُهددان استمرارية الفعل التربوي

أزمة استقطاب جيل اليوم يعيش في عالم رقمي سريع، يجعل الأنشطة التقليدية غير جذابة ما لم تتجدد في المضمون والشكل

إلى جانب ذلك، تعاني هذه الجمعيات من غياب رؤية سياسية واضحة لدمجها في السياسات العمومية، وعلاقة فاترة أو شكلية في كثير من الأحيان مع المجالس المنتخبة محليًا وجهويًا

 

تحدي الرقمنة... وتجديد الخطاب

مع هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى الرقمي، أصبحت المنظمات التربوية في مواجهة مباشرة مع نموذج جديد من التنشئة لا يعترف بالوسائط التقليدية في الأدوات، الخطاب، طرق التواصل، وطرق الاشتغال
وفي هذا السياق، لا خيار أمام الفاعل الجمعوي إلا التجديد فالمطلوب ليس فقط "تربية في العصر الرقمي"، بل تربية رقمية تتحدث بلغة الجيل وتفكر بأساليبه، دون التفريط في القيم الجوهرية

 

نحو سياسة وطنية مندمجة

أمام هذا الوضع، تبرز الحاجة إلى سياسة وطنية مندمجة للنهوض بالعمل الجمعوي التربوي، تقوم على

تمويل مستقر وشفاف مبني على معايير موضوعية لا على الولاءات

دمج حقيقي للجمعيات التربوية في المنظومة التعليمية والثقافية

مأسسة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني وفق منطق التعاقد، لا منطق الصدقة"

توفير البنية التحتية المناسبة فضاءات، تكوين، دعم لوجستي

محليًا وجهويًا، يمكن أن تشكل الجماعات الترابية رافعة حقيقية لتجديد العمل التربوي، بشرط توفر الإرادة السياسية، والقطع مع منطق التدبير الموسمي أو الشخصي

 

لا تنمية بدون تربية

العمل الجمعوي التربوي ليس ترفًا، بل ضرورة مجتمعية وأمن ثقافي في زمن تتقاذفه الأزمات والهشاشة إن إعادة الاعتبار للمنظمات التربوية يجب أن تتحول إلى قضية وطنية مستعجلة، تُسائل الجميع الدولة، الجماعات، المدرسة، الإعلام، والمجتمع المدني. 
فلا تنمية بدون تربية، ولا مواطنة بدون تأطير، ولا مستقبل بدون بناء الإنسان