لا داعيَ للتذكير بحرب 1967 التي تواجهت فيها إسرائيل مع مصر وسوريا والعراق والأردن، والمعروفة، كذلك، ب،"حرب ستة أيام" حيث بدأت يوم الإثنين 5 يونيو وانتهت يوم السبت 10 يونيو 1967. وانتهت بنصر واضح لإسرائيل على هذه الدول الأربعة.
منذ تلك الفترة وإسرائيل، كدولة تم إنشائها سنة 1948 في قلب الوطن العربي، تقتل العربَ، وبالأخص، الفلسطينيين. لكنها لم تربح أية حرب، تواجهت فيها مع الفلسطينيين أو مع غيرهم من العرب المسلمين.
عنوان هذه المقالة، يفرض علينا طرحَ ثلاثة أسئلة، وهي بالتتالي :
السؤال الأول : "كيف انتصرت إسرائيل، سنةَ 1967، على أربعة دولٍ عربية، ثلاثة منها، كانت تُعتَبر من أقوى البلدان العربية"؟
السؤال الثاني : "مَن تقتل إسرائيل؟
السؤال الثالث : "ما سببُ عدم ربحها للحروب الأخرى؟
الجواب على السؤال الأول، أي "كيف انتصرت إسرائيل، سنةَ 1967، على أربعة دولٍ عربية، ثلاثة منها، كانت تُعتَبر من أقوى البلدان العربية"؟ يمكن تفسيرُه، من خلال العناصر الموالية :
-أولا، إسرائيل مدعَّمةٌ سياسياً ومادياً من الغرب كله tout l'occident، وعلى رأسِه الولايات المتحدة. وبحُكم تواجد ثلاثة دول غربية قوية سياسياً، اقتصاديا، عسكريا، علمياً وتكنولوجياً، في مجلس الأمن، وبحُكم تمتُّع هذه الدول الثلاثة بحق "الفيتو" le veto، فإسرائيل محمية من كل ما قد يأتيها من انتقادٍ ولومٍ… من طرف المنتظم الدولي.
-ثانياً، إسرائيل لها "جهاز مُخابرات" قوي جدا، يُدعى "الموصاد". باستطاعتِه أن يخترق بلدانا كثيرةً، وبالأخص، البلدان التي تُكن عداوةً لإسرائيل. وإذا أضفنا لقُدرة الاختراق هذه قدرةَ الدول الغربية على التَّجسُّسِ، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتًّحِدة le Royaume-Uni، فقدرةُ اختراق الموصاد للدول العربية تُصبِح شيئا سهلا.
-ثالثاً، كل العمليات التي استهدفت القضاءَ على قيادات فلسطينية داخل أو خارج فلسطين، تمت كلها بناءً على معلومات وفرتها المخابرات الإسرائيلية لمُنفِّذي هذه العمليات.
-رابعا، كيف قضت إسرائيل على الطائرات الحربية المصرية وهي جاثمةٌ على أرض المطار قبل أن تُقلع من نفس المطار؟ أكيد أنه كان هناك اختراقٌ وفَّرَ للجيش الإسرائيلي ما سهَّل له القضاء على القوات الجوية المصرية.
-خامسا، كيف تم القضاء على قيادات حزب الله، وعلى رأسهم حسن نصر الله، إن لم يكن هناك اختراقٌ وفَّر للطيران الحربي الإسرائيلي كل ما يحتاجه من معلومات زمانية ومكانية للقضاء على هذه القيادات؟
-سادساً، لنأخذ بعين الاعتبار المواجهة الحربية القائمة هذه الأيام بين إسرائيل وإيران. فكيف استطاع الطيران الإسرائيلي أن يغتال علماءَ نوويين وقيادات عسكرية من الحرس الثوري الإيراني وشخصيات أخرى، إن لم تكن لديه معلومات حول زمان ومكان تواجد هؤلاء العلماء والقيادات والشخصيات؟
وباختصار، إن الحروبَ، إن لم تكن مدعَّمة بجهاز مخابرات قوي، قد لا تُحقِّق أهدافها! أما التَّطوُّر الحاصل، في عصرنا الحاضر، في مجال الذكاء الصطناعي-والدول الغربية وإسرائيل لها باعٌ طويل في هذا المجال- قد يتم استغلالُه لحسم الحروب بكيفية سهلة وفي وقت وجيز.
أما الجواب على السؤال الثاني، أي "مَن تقتل إسرائيل؟ والثالث، أي "ما سببُ عدم ربحها للحروب الأخرى؟ يمكن تلخيصُهما فيما يلي :
-أولاً، لأن إسرائيل وجدت نفسَها أمام مُقاومة فلسطينية شَرِسة، وبالأخص، مقاومة حماس المُدعَّمة إيديولوجياً ومادياً من طرف إيران وامتداداتها أو أدرُعُها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان.
-ثانياً، إسرائيل تقتل كل مَن يقف أمام هدفها الأساسي الذي تنوي تحقيقَه لاحقا والمُتمثِّل في توسُّعِها جغرافيا والذي يمكن اختزالُه في المقولة المشهورة "حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل". وإسرائيل تقتل كلَّ مَن يعرقل هذا التوسُّع، فكريا، سياسياً وإديولوجيا. سواءً كان المُعرقِلون فلسطينيين أو عربا أو مسلمين، كيفما كان مذهبُهم. وهي مستعدة لقتلِهم أينما حلُّوا وارتحلوا.
-ثالثاً وهذا هو الأهم. إسرائيل تستغل ضعفَ العالمين العربي والإسلامي اللذين يبرعان في نسجِ الكلام الفارغ ورفع الشعارات التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع. بل ويستغلُّه حلفاء إسرائيل بطريقة بَشِعة وأمام أعين العالم. وما اتفاقيات أبراهام إلا جزءٌ من هذا الاستغلال.
والدليل على ذلك، ما يحصل حالياً بين إيران وإسرائيل حيث هذه الأخيرة مستعدَّة لمتابعة أعدائها أينما حلُّوا وارتحلوا. وخير مثالٍ يمكن سياقُه في هذا الصدد، اغتيال شخصيات فلسطينية على أرض تونس. من بين هذه الاغتيالات، مجزرة حمام الشط التي راح ضحيتها عددٌ كبير من القيادات الفلسطينية وتونسيون، والتي نفذها طيران الجيش الإسرائيلي سنة 1985 واغتيال، كذلك، خليل الوزير، المدعو "أبو جهاد" سنة 1988. ناهيك عن اغتيال أسماعيل هنية بقلب إيران.
وفي الختام، إسرائيل قوية بقوة حلفائها الغربيين، لكنها، في نفس الوقت، دولة ديمقراطية، خلافا لعالمنا العربي الذي يتكلَّم أكثر مما يفعل. وتحكمه، إلا مَن رحم ربي، أقلِّياتٌ تتظاهر بأنها ديمقراطية، وهي مستَبِدَّة حتى النخاع. أقليات تنفرد بمُمارسة السلطة ولا تريد اقتسامها مع الشعب. بل وتنفرد باستغلال ثروات البلاد وتدبِّرها كما تشاء.