حميدي عبد الرفيع: المجلس الاستشاري للشباب والحياة الجمعوية.. رؤية دستورية معطلة وانتظارات مؤجلة

حميدي عبد الرفيع: المجلس الاستشاري للشباب والحياة الجمعوية.. رؤية دستورية معطلة وانتظارات مؤجلة حميدي عبد الرفيع

رغم مرور أكثر من عقد على إقرار دستور 2011، الذي شكل منعرجًا حاسمًا في تاريخ المغرب السياسي والمؤسساتي، فإن مجموعة من المقتضيات الدستورية لا تزال حبرًا على ورق، وعلى رأسها آلية المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، التي خُصصت لها فصول واضحة تؤكد على ضرورة إشراك الشباب والمجتمع المدني في صياغة القرار المحلي

تعريف المجلس الاستشاري للشباب والحياة الجمعوية

المجلس الاستشاري للشباب والحياة الجمعوية هو هيئة تشاركية تُحدث على مستوى الجماعات الترابية، تهدف إلى تمكين الشباب ومكونات المجتمع المدني من المساهمة في إعداد وتتبع وتقييم السياسات العمومية والبرامج التنموية المحلية
يُعد هذا المجلس آلية مؤسساتية للحوار والتشاور، يهدف إلى تعزيز الديمقراطية التشاركية وتحقيق إشراك فعلي للفئات الشبابية في الحياة العامة، كما ينص عليه دستور المملكة المغربية لسنة 2011، خاصة في الفصلين 33 و139

دستور يفتح الباب… وواقع يغلقه

جاء الفصل 33 من الدستور ليؤكد التزام الدولة بتوسيع مشاركة الشباب في مختلف مناحي الحياة العامة، وخاصة الثقافية والاقتصادية والسياسية. كما أن الفصل 139 ألزم الجماعات الترابية بإحداث آليات تشاركية، وعلى رأسها المجالس الاستشارية، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد ومتابعة برامج التنمية

ورغم هذا الإطار الدستوري المتقدم، لم تُفعَّل المجالس الاستشارية للشباب في معظم الجماعات، وإن أُحدثت في بعض الجهات، فبشكل صوري يغلب عليه الطابع البروتوكولي أو السياسي

بين التطلعات والمطبات: الواقع يُكذّب النصوص

في الميدان، تتكاثر الإشكاليات التي تعيق تحويل هذه المجالس من مجرد نصوص إلى أدوات فاعلة، يمكن تلخيصها في النقاط التالية

غياب قانون تنظيمي واضح يحدد بجلاء تشكيل المجالس واختصاصاتها وضمانات استقلالها

ضعف الإرادة السياسية، حيث تعتبر بعض المجالس المنتخبة هذه الهيئات تهديدًا لتوازناتها الحزبية أو مجرد أعباء إضافية      

تراجع دور الجمعيات التربوية والمدنية في الترافع، إذ أصبحت منشغلة بتدبير مشاكلها الداخلية وأنشطتها اليومية أكثر من الدفاع عن السياسات العمومية

سيطرة الحسابات الولائية والحزبية على منطق التمثيلية، مما يُقصي الفاعلين الحقيقيين

ضعف وعي الشباب بأهمية المشاركة بسبب الإحباط العام وانعدام الثقة في فعالية هذه الآليات

شباب ينتظر، ومجتمع مدني في موقف المتفرج

المفارقة أن من يُفترض أن يُمثَّل في هذه المجالس—الشباب والجمعيات—هو نفسه فاقد للحافز أو الحضور المؤثر فبين جمعيات غير مهيكلة وضعيفة لا تمتلك إستراتيجية محددة المعالم وأهداف واضحة سواء على المستوى القريب المتوسط أوالبعيد، وشباب غارق في اللامبالاة أو الإقصاء، يجد المجلس نفسه رهينة فراغ مزدوج: مؤسساتي ومدني

فحتى الجمعيات التربوية، التي يُنتظر منها أن تكون صوت الفئات الهشة والمهمشة، لا تملك ثقافة الترافع ولا الأدوات القانونية الكافية لفرض تفعيل هذا المجلس ومن جهة أخرى، تتردد بعض الأحزاب في فسح المجال أمام هذه المجالس خوفًا من خلق قوة مدنية مستقلة

ما المطلوب اليوم؟

لم يعد مجديًا التذرع بغياب النصوص أو ضعف الإمكانيات، فالمطلوب هو

تفعيل فوري وحقيقي للمجالس الاستشارية وفق مقاربة تشاركية شفافة-

إصدار نص تنظيمي وطني ملزم يحدد صلاحيات المجلس، تمويله، وكيفية انتخاب أعضائه-

تكوين الشباب والجمعيات في مجال التشاور العمومي، الترافع، والمشاركة المواطِنة-

تحفيز الجماعات الترابية على دعم هذه المجالس واحتضان مخرجاتها-

غياب الالتزام السياسي والمشروع التربوي: أزمة وعي أم أزمة بنية؟

يُعد غياب الالتزام السياسي لدى فئات واسعة من الشباب مؤشراً مقلقاً على تراجع روح المواطنة، وفقدان الثقة في المؤسسات، وضعف الإحساس بالانتماء الجماعي
فالكثير من الشباب ينأون بأنفسهم عن المشاركة في الشأن العام، سواء عبر الأحزاب أو النقابات أو حتى المبادرات المدنية، نتيجة تراكم خيبات الأمل، وانعدام النماذج القدوة، وسوء فهم السياسة كمجال نخبوي أو مغلق

من جهة أخرى، يُفاقم الوضع غياب مشروع تربوي واضح وموجه داخل المؤسسات التعليمية أو الجمعوية. فبدل أن تُشكّل هذه الفضاءات ورشات لبناء الوعي والنقد والمبادرة، أصبحت تركز على الجوانب التقنية أو الترفيهية، دون ربطها بالسياق المجتمعي أو السياسي

ما الذي نحصده من هذا الغياب المزدوج؟

حيث ينشغل الأفراد بذواتهم دون حس جماعي أو تطلع لتغيير الواقع. فردانية متزايدة

إذ لا يعرف الشباب حقوقهم وواجباتهم في الفضاء العمومي   ضعف ثقافة الترافع والمشاركة

تراجع دور المدرسة والجمعية كمحضن للوعي والمواطنة

فراغ تُملؤه الشعبوية أو الخطابات المتطرفة، بدل الفكر النقدي والالتزام الرصين

ما العمل؟

إعادة الاعتبار للمشروع التربوي كمشروع مجتمعي يربط بين التعليم والتكوين على القيم والمشاركة

ربط التربية بالواقع السياسي دون تحزيب، عبر التربية على المواطنة، ومحاكاة المجالس، والورشات

تحفيز الشباب على الالتزام المدني من خلال مبادرات تشاركية ومجالس شبابية حقيقية

خلاصة: من التنصيص إلى التفعيل

إن المجالس الاستشارية للشباب والحياة الجمعوية ليست ترفًا ديمقراطيًا، بل ضرورة مجتمعية لبناء مغرب تشاركي يُنصت فيه لصوت الشباب والجمعيات. فلا معنى لنصوص دستورية تُرفع كشعارات في حين تُجهَض على عتبات الواقع المحلي.

إنه الوقت المناسب لتصحيح المسار، وتجديد الثقة في آليات المشاركة المواطِنة، لأن من لا يُشرك شبابه اليوم، سيُقصيه المستقبل غدًا.