مصطفى عنترة: كيف تعامل عزيز أخنوش مع ملف الأمازيغية؟

مصطفى عنترة: كيف تعامل عزيز أخنوش مع ملف الأمازيغية؟ مصطفى عنترة
يبرز عزيز أخنوش كظاهرة سياسية مركبة في المشهد المغربي الراهن، لا فقط بسبب خلفيته الاقتصادية ونجاحه كرجل أعمال، بل أيضا لما يظهره من قدرة على استثمار الرموز والملفات الحساسة وطنيا، ومن بينها القضية الأمازيغية. 

ففي سياق التنافس مع التيارات الإسلامية على تصدر المشهد السياسي وقيادة الحكومة سنة 2021، نجح أخنوش في توظيف الأمازيغية كورقة سياسية محورية ضمن برنامجه الحكومي، مستندا إلى جملة من العناصر التي منحته تفوقا انتخابيا ملحوظا. لكن كيف تم ذلك؟ وما هي الآليات التي اعتمدها أخنوش في توظيفه لهذا الملف ضمن مشروعه الهادف إلى تعزيز مكانته السياسية؟
 
بداية، لا بد من التأكيد على أن الغاية من هذا المقال هو رصد وتحليل الآليات المعتمدة من طرف قائد حزب التجمع الوطني للأحرار في تدبيره لهذا الملف، سواء على مستوى مقاربته المؤسساتية، أو في تعاطيه مع الفاعلين الأمازيغيين.
 
أولا، يمكن فهم هذه الاستراتيجية انطلاقا من الخلفية الجغرافية والاجتماعية لأخنوش. فانتسابه إلى منطقة سوس، التي تشكل إحدى القلاع الثقافية الأمازيغية بالمغرب، إلى جانب نشأته في وسط عائلي يحمل وعيا مبكرا بالحساسية الأمازيغية، لعب دورا أساسيا في تشكيل رؤيته السياسية. كما أن انحداره من أسرة سياسية - بحكم أن والده مؤسس حزب الحر التقدمي - أمده بإرث ثقافي وسياسي يمكن البناء عليه وتوظيفه في مشروعه السياسي؛
 
ثانيا، جاءت مقاربة أخنوش حيال الأمازيغية كاستراتيجية ذكية تهدف إلى تحقيق تفوق سياسي على خصومه الإسلاميين، الذين وصفت مواقفهم أحيانا بالتحفظ أو الرفض تجاه قضايا الأمازيغية، خاصة فيما يتعلق بحرف تيفيناغ كأبجدية رسمية للكتابة. هذا التردد فتح فراغا في الوسط الأمازيغي بين تطلع للاعتراف والتمكين من جهة، وتوجس من بعض الفاعلين الحزبيين من جهة أخرى. فاستغل أخنوش هذا الفراغ ليقدم نفسه كحامل لهموم القضية الأمازيغية، مستقطبا بذلك شرائح اجتماعية وثقافية جديدة؛
 
ثالثا، اعتمد حزب التجمع الوطني للأحرار مقاربة متعددة الأبعاد للتفاعل مع الفاعلين الأمازيغيين، من خلال تنظيم منتديات للحوار ولقاءات مباشرة مع نشطاء من المجتمع المدني الأمازيغي. ولم تقتصر هذه الدينامية على الجانب الرمزي، بل ترجمت إلى إدماج فعلي لعدد من الفعاليات الأمازيغية داخل هياكل الحزب، وهو ما منح الحزب مصداقية ميدانية وأكسبه قاعدة دعم أوسع. وقد تزامن هذا الأمر  مع نقاش وطني عام حول موضوع التمثيل السياسي الفاعلين الأمازيغ في المؤسسات المنتخبة، مما جعل أخنوش يستفيد من هذا المناخ السياسي والاجتماعي لصالحه؛
 
رابعا، تضمن البرنامج الحكومي الذي قاده أخنوش التزامًا صريحا بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في مختلف القطاعات، كما ينص على ذلك القانون التنظيمي المعني، وذلك في انسجام تام مع التوجيهات الملكية التي ما فتئت تؤكد على مركزية الأمازيغية كورش وطني. وقد تجلى هذا الالتزام من خلال الإعلان عن إحداث صندوق خاص لدعم الأمازيغية، تبلغ ميزانيته مليار درهم على مدى الولاية الحكومية، موجّه لدعم هذه اللغة في ميادين التعليم، العدالة، الإدارة، والثقافة...، مما يعكس رغبة حقيقية في تحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع، وبناء إرث حكومي داعم للأمازيغية؛
 
خامسا، لا يمكن التغاضي عن المبادرات الثقافية التي أطلقها الحزب والحكومة بقيادة أخنوش، من جوائز تشجيعية في مجالات الإبداع والدراسات الأمازيغية، إلى دعم الجمعيات الثقافية، وترجمة التراث المادي وغير المادي إلى الأمازيغية. هذه المبادرات وغيرها لم تكن شكلية، بل شكلت دعما حقيقيا لتمكين الثقافة واللغة الأمازيغيتين، وساهمت فعلا في تنشيط الحقل الثقافي الأمازيغي، وتعزيز الشعور بالانتماء لدى الناشطين الأمازيغ، وهو ما زاد من رصيد أخنوش السياسي والرمزي، وجعل من الأمازيغية أحد المداخل الأساسية لتوسيع قاعدته الشعبية؛
 
ختاما، يمكن القول إن عزيز أخنوش نجح في توسيع قاعدته السياسية واستقطاب فاعلين جدد من خلال مقاربته البراغماتية للقضية الأمازيغية. لقد تعامل مع هذا الملف لا فقط كمعطى ثقافي واجتماعي، بل كورقة استراتيجية ضمن مشروع سياسي مدروس، استثمر فيه التردد الذي أبدته بعض التيارات الحزبية، وجعل من الأمازيغية رافعة لتفوقه في مشهد سياسي تتسم فيه هذه القضية بحساسية رمزية ومجتمعية كبيرة.