نعوم: كي لا يتقلب علي يعتة في قبره بسبب تمرير الدعاية الانفصالية داخل الحزب

نعوم: كي لا يتقلب علي يعتة في قبره بسبب تمرير الدعاية الانفصالية داخل الحزب عبد الفتاح نعوم وجانب من الندوة حيث تظهر فيها كجمولة منت أبي
هكذا عنون عبد الفتاح نعوم، الأستاذ الجامعي، مقالته وهو يتحدث عن السجال الذي دار بينه وبين كجمولة منت أبي، رئيسة المبادرة الصحراوية للتنمية المستدامة وحقوق الإنسان، في ندوة الحكم الذاتي التي نظمتها مؤسسة علي يعتة بالرباط مؤخرا، حيث وصف ساكنة مخيمات تندوف بأنهم محتجزين، في حين نفت عنهم كجمولة هذا الوصف..
فيما يلي المقالة الموقعة باسم الأستاذ عبد الفتاح نعوم:
 
ينبغي على حزب التقدم والاشتراكية أن يوضح موقفه من الطبيعة القانونية لساكنة مخيمات تندوف، هل هم لاجئون أم محتجزون أم عشاق تخييم وسفر عبر البراري أم مواطنون جزائريون أم ماذا؟ ومناسبة ذلك هو السماح لصوت يعتبرهم "أحرارا كاملي الحرية اختاروا المكوث في تندوف"، كي يعبر من داخل حزب علي يعتة عن موقف كهذا، بل ويسمح له بأن يعبر "عن سوء نية أو عن سوء إدارة للنقاش" دون حتى منح صوت مضاد له الفرصة لكي يجيبه بما تقتضيه الاجابة من تفصيل وتدقيق، وذلك على النحو الذي يجعل ندوة من ساعات طويلة تستحيل إلى مجرد منصة يستغلها هذا الصوت لتمرير دعاية انفصالية باهتة وساقطة قانونيا وواقعيا. 
 
أعيد ما قلته: "سكان المخيمات لا يتوفرون على صفة "لاجئ" لأن الدولة المضيفة ترفض السماح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن تقوم بإحصائهم، وهذه هي الوصفة الوحيدة لكي نعرف تعدادهم ومواقفهم وهل يستحقون صفة لاجئين وهل هم هناك بإرادتهم أم لا، ولا يمكن لأي منظمة تقديم المساعدات ولا للجزائر ولا لمرتزقة بوليساريو، ولا لأي متعاطف مع الجزائر وبوليساريو أن يمتلك صلاحية إحصائهم وتكييف أوضاعهم القانونية، ومن يتمكن منهم من الحصول على منة من بوليساريو أو جواز سفر من الجزائر فهو ليس معيارا يقوم مقام المفوضية".
 
وأضيف ما كان ينبغي إضافته لولا أن مسير اللقاء كان له رأي آخر: "حيث أن سكان المخيمات لا يتوفرون على صفة لاجئ، وحيث أن ثمة واقعا لا يرتفع وهو العسكرة غير القانونية للمخيمات، والتي يقوم بها تنظيم مسلح تلقى تفويضا غير قانوني من سلطات الجزائر، وحيث أن ثمة عشرات الأصوات التي تمكنت بعد صراع مرير من الإفلات من حياة الماعز ونقل صورة عن المأساة هناك من المحجوب السالك إلى خديجتو محمود إلى فاضل بريكة إلى مصطفى سلمى ولد سيدي مولود وغيرهم كثير.. هي حيثيات وغيرها تؤكد أن التوصيف القانوني والوحيد الممكن لحالة السكان أولئك هي أنهم "محتجزون" لم تتح لهم فرصة التعبير عن آرائهم، وإن كانوا غير ذلك لماذا لا تسمح الجزائر لمفوضية الأمم المتحدة أن تقوم بعملها هناك؟".
 
إن هذه الحقيقة لا يُمكن للدعاية الانفصالية أو المأخوذين بها أن يقوموا بإخفائها، ولا يمكن ذرُّ الرماد في العيون عبر السماح لذوي الحظوة بالسفر والتنقل أو عبر الاتجار في الأطفال من خلال جعل عائلات أوروبية تتكفل بهم، أو الاختباء وراء قصص رفض طلبات راغبين في العودة؛ إن صحت؛ فهي لا تعدو كونها مرتبطة بتقدير أمني لا يمكن لمن يتحدثون هكذا أن يفهموا أكثر من المؤسسات التي تنتجه، اللهم إلا إن كانوا هم أنفسهم من يريدون منا أن نثق في هلاوسهم حيال مجرمين متهمين بالتجمهر المسلح والقتل العمد والتمثيل بالجثث ونُكذّب مؤسسة القضاء التي أدانتهم.
 
فكيف يسمح حزب مغربي وطني عريق في النضال من أجل الوحدة الترابية للدعاية الانفصالية أن تستغل منصاته لتجميل واقع موبوء مليء بالإجرام والاحتجاز والاغتصاب، ناهيك عن الاختطاف والتهجير القسري الذي رافق صناعة تلك المخيمات خلال السنوات الأولى للنزاع؟، وإذا كان ذلك بسبب هاجس "انتخابي" ما؛ فهل يعقل أن خطابا كهذا سيجلب الأصوات والمقاعد؟ وهل هو ذاته الخطاب الذي بسببه ينجح المنتخبون في الأقاليم الجنوبية في الظفر بالمقاعد والأصوات؟؟
 
فإذا كان الصواب هو استقبال أصوات لتمرر المغالطات كهذه، دون فسح المجال الكافي للرد عليها، فالأولى استقبال كل من ليس في نفسه فقط حتى من نزعة الانفصال، ولكن أيضا من في قلوبهم ونفوسهم كل أحرف الجر والعطف والنداء، يمكن لحزب علي يعتة أن يستقبل عبر تقنية التناظر المرئي حتى إبراهيم غالي نفسه، ولم لا دعوته للحضور الفعلي، ولم لا يبادر الحزب إلى زيارة المخيمات مادام التدبير الديمقراطي للنقاش حول النزاع المفتعل بات يقتضي هذا "الانفتاح" على تلك الدعاية والاستماع اليها لسنوات في كل نشاط حزبي دون إبداء أي اختلاف معها، وحينما تتاح الفرصة ويكون بين الحاضرين من يريد مناقشتها يجري منعه من ذلك بحجة تدبير زمن النقاش وإعلان نهاية الندوة؟
 
لطالما جرى اتهام الأحزاب السياسية بكونها منسحبة من أدوارها في تأطير النقاش المجتمعي بصدد معظم القضايا، وبصدد القضية الوطنية الأولى تحديدا، بل ووصمها بكونها قد تحولت مع مرور الوقت إلى "دكاكين انتخابية"، وبالتالي فحسنا يفعل حزب يساري عريق كحزب التقدم والاشتراكية وهو ينبري إلى استعادة فضيلة النقاش التي تعتبر حجر زاوية في التراث اليساري، ويساهم في تأطير هذا النقاش تحديدا، لكن لا أتصور أن علي يعتة سيكون مرتاحا في قبره وحزبه يدبر نقاشا هاما هكذا بهذه الطريقة، بل ولا يهتم بإبداء موقف حاسم من رأي مخالف للإجماع الوطني قد تسرب منذ سنوات داخل بنياته، وأصبح يتسامح معه بل ويدافع عن بروزه لاعتبار انتخابي صرف ربما.
 
وختاما أدعو حزب علي يعتة إلى التأمل قليلا في هذين النصين الواضحين وضوح الشمس لغة وأفكارا ومواقفا، عساهما يكونان تأطيرا لا يقبل أي نقاش لمن يريد أن ينتج موقفا وطنيا مسؤولا حيال القضايا المثارة في المساهمة المتواضعة أعلاه:
 
"فهناك من يطالب بالاستفتاء، رغم تخلي الأمم المتحدة عنه، واستحالة تطبيقه، وفي نفس الوقت، يرفض السماح بإحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف، ويأخذهم كرهائن، في ظروف يرثى لها، من الذل والإهانة، والحرمان من أبسط الحقوق".
(مقتطف من الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء في 6 نوفمبر 2024)
 
 
"إننا نعرف جيدا أن هناك من يخدم الوطن، بكل غيرة وصدق. كما أن هناك من يريد وضع الوطن في خدمة مصالحه. هؤلاء الذين جعلوا من الابتزاز مذهبا راسخا، ومن الريع والامتيازات حقا ثابتا، ومن المتاجرة بالقضية الوطنية، مطية لتحقيق مصالح ذاتية. كما نعرف أن هناك من يضعون رجلا في الوطن، إذا استفادوا من خيراته، ورجلا مع أعدائه إذا لم يستفيدوا. وهنا أقول: كفى من سياسة الريع والامتيازات. وكفى من الاسترزاق بالوطن. غير أنه لا يجب تضخيم الأمر. فهؤلاء الانتهازيون قلة ليس لهم أي مكان بين المغاربة. ولن يؤثروا على تشبث الصحراويين بوطنهم".
(مقتطف من خطاب الذكرى 39 للمسيرة الخضراء في 6 نوفمبر 2014).