رغم أن هذا الموقع الذي أقف فيه بالميناء الفوسفاطي الجديد بمدينة العيون ( الصورة)، لا يمثل سوى 0،00001 % من مساحة المغرب، ولا يمثل بالكاد سوى 0،00006 % من مساحة جهة العيون الساقية الحمراء، فإنه يعد المكان الأكثر استقطابا للاهتمام والتتبع اليومي من لدن السلطة المركزية ومن لدن السلطة المحلية. خاصة بعد رصد 5،2 مليار درهم ككلفة إجمالية لإخراج ميناء فوسفاطي جديد بالعيون بمواصفات عالية الجودة تسمح بمواجهة قساوة الطبيعة بالأقاليم الجنوبية (من رياح قوية والزحف اليومي للرمال وبحر هائج باستمرار ).
تسليط الدولة لكشافات الضوء على هذا الميناء الفوسفاطي الجديد بالعيون، يستمد شرعيته من ثلاثة عوامل:
الأول: أن هذا الرصيف الممتد بطول 3،5 كيلومتر وعرض 25 مترا، يرتبط شرط وجوده بمركب صناعي كيماوي ضخم تابع لشركة "فوسبوكراع"، بقيمة 17 مليار درهم، علما أن كل الأرباح تستثمر في الأقاليم الجنوبية من طرف شركة "فوسبوكراع" فضلا عن كون الشركة الأم ( مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط)، تساهم بدعم تكميلي للاستثمار الحالي لشركة فوسبوكراع. هذا المبلغ يشمل إنجاز وحدة لإنتاج الأسمدة ومصنع جديد لغسل الفوسفاط ووحدة لتجفيفه وأخرى للتخزين، وغيرها من المرافق الصناعية الأخرى.. وهو ما سيحدث نقلة في العيون بالنظر إلى أن شركة "فوسبوكراع"، كانت تصدر الفوسفاط الخام فقط، لكن مع برمجة هذا المركب الصناعي، ستصبح"فوسبوكراع" فاعلا في تثمين الفوسفاط، وبالتالي الرفع من حجم المعاملات ومن القيمة المضافة بالأقاليم الجنوبية.
مع الإشارة إلى أن احتياط الفوسفاط في بوكراع لا يتجاوز 2% من الاحتياط الوطني، فيما يتجاوز الاحتياط العام للمملكة في مناطق أولاد عبدون (خريبكة) والكنتور ومسقالة وبوكراع نسبة 70% من الاحتياط العالمي، حسب تقديرات مراكز دراسات دولية.
ثانيا: هذه الطفرة التي ستعرفها شركة"فوسبوكراع" بفضل المركب الصناعي الجديد، لم يكن بمقدور الميناء القديم التجاوب معها، لكونه لا يسمح سوى بالتصدير فقط دون إمكانية استقبال المواد الكيماوية الأخرى التي يتطلبها تصنيع الأسمدة. أضف إلى ذلك أن رصيف الميناء القديم لم تكن ضوابطه تسمح باستقبال بواخر عملاقة، مما كان يحد من الرواج، وهذا ما تم استحضاره في بناء الميناء الفوسفاطي الجديد الذي يمتد رصيفه إلى داخل البحر للوصول إلى عمق 17 و18 مترا ، وهو عمق بحري يسمح باستقبال البواخر التجارية الضخمة ذات 100 ألف طن في ظروف آمنة.
ثالثا: الميناء الجديد والمجمع الصناعي لشركة "فوسبوكراع"، يشكل لوحده 20% من مجموع الغلاف المالي الذي سبق رصده للبرنامج التنموي للأقاليم الجنوبية( 83 مليار درهم ككل والموقع أمام الملك محمد السادس)، وهو ما اقتضى من صانعي القرار تتبع مراحل إنجاز هذا الميناء حتى تعم الفائدة عموم المناطق الجنوبية فور الانتهاء من الأشغال في الميناء سنة 2026 تقريبا.
ليس هذا ما يبرر التتبع اليومي للميناء الجديد من طرف السلطات، بل هناك دواع أخرى تفسر هذا الاهتمام، أبرزها مراهنة صناع القرار المركزي على إدخال جهة العيون الساقية الحمراء إلى نادي الجهات المصنعة بالمغرب. إذ أن إحداث المركب الصناعي الكيماوي الجديد لشركة"فوسبوكراع" سينتج عنه جلب "سلالة أخرى" من الشركات الصناعية للاستثمار بالجهة، وبالتالي ضخ "سلالة أخرى" من الأطر واليد العاملة المؤهلة في الدورة الاقتصادية المحلية، ومراكز تكوين، بشكل سيقود حتما (شريطة إخراج مشاريع وأوراش أخرى لحيز الوجود )، إلى حذف مدينة العيون من خانة "مدن الدولة" التي تعتمد كليا على الدولة في التوظيف وإحداث الرواج، إلى "المدن المولدة للثروة" التي تخلق دينامية اقتصادية داخلية قصد تصدير فائض القيمة لباقي مدن ومراكز جهة الساقية الحمراء لتصبح العيون رافعة لجر الأقاليم الجنوبية نحو الأعلى.