إن الصهيونية كحركة عنصرية تاريخية، انبنت على تجميع شتات اليهود في العالم، بتأصيل سياسي وفكري استأصالي، يعتبره البعض تهديدا فقط لبقية الأجناس والأعراق والأديان، بحكم التمركز على بناء الدولة ذات الصفاء العرقي اليهودي، دون تمحيص الخطر المحدق باليهود أنفسهم من طرف الصهيونية، ويمكن في هذا النطاق تدقيق العديد من النصوص والاقتباسات التي تعكس مواقف مفكرين ومجموعات يهودية اعتبرت أن الصهيونية تشكل تهديدا لليهود أنفسهم، سواء من منظور أخلاقي، ديني أو سياسي:
ففي رسالة لألبرت أينشتاين إلى صحيفة نيويورك تايمز سنة 1948، انتقد أينشتاين بشدة حزب "حريروت" الإسرائيلي، الذي أسسه مناحيم بيغن، واعتبره شبيها بالأحزاب النازية والفاشية، حيث كتب أينشتاين: "من بين أكثر الظواهر السياسية إزعاجا في عصرنا هو ظهور حزب (الحرية) في إسرائيل الجديدة، وهو حزب سياسي يشبه في تنظيمه وأساليبه وفلسفته السياسية وجاذبيته الاجتماعية الأحزاب النازية والفاشية."، وهو الموقف الواضح الذي يُظهر قلق أينشتاين القديم من أن الصهيونية قد تقود إلى تطرف قومي يضر باليهود أنفسهم منذ نكسة 1948، وهو ما يتجسد في الوقت الراهن .
في موقف آخر انتقدت حنا أرندت الحركة الصهيونية، وهي المنظّرة والسياسية اليهودية الألمانية، خاصة في كتابها "إيخمان في القدس"، حيث أشارت إلى أن التعاون بين بعض القادة الصهاينة والنازيين كان صادما. حيث أكدت أن الصهيونية اختزلت الهوية اليهودية في القومية، مما يؤدي إلى عزل اليهود عن المجتمعات الأخرى وزيادة العداء تجاههم.
إسرائيل شاحاك، المفكر والناشط اليهودي المناهض للصهيونية، يذهب في نفس الإتجاه أيضا بأن الصهيونية ليست مدفوعة بالقيم اليهودية الإيجابية، بل تسعى إلى إنشاء "غيتو يهودي مسلح". واعتبر أن الصهيونية، بصفتها مرآة للعداء للسامية، تشكل تهديدا لليهود من خلال تعزيزها للتمييز والقومية المتطرفة.
دون نسيان الحركة القوية لـ "ناتوري كارتا" بصفتها تجمعا يهوديا أرثوذكسيا واسعا لمناهضة الصهيونية، يتبنى موقفا واضحا بأن إقامة دولة إسرائيل تُعد خيانة للدين اليهودي. يقول الحاخام أهارون كاتزنلبوغن، الزعيم الروحي للحركة: "الشعب اليهودي يقوم فقط على الإيمان بالله والالتزام بالشريعة، عندما يأتي الصهاينة ليجعلوا من اليهود أمة قومية، فإنهم يلغون الإيمان والحاجة إلى الالتزام بالشريعة."، تنظم حركة "ناتوري كارتا" تظاهرات حاشدة في العالم، وفي قلب أمريكا خصوصا دعما لحقوق الشعب الفلسطيني.
كما أن الحاخام يوئيل تيتلباوم، زعيم طائفة ساتمار الحسيدية، كتب في مؤلفه "فيوئيل موشيه": "الصهيونية هي أعظم شكل من أشكال النجاسة الروحية... لقد لوثوا الشعب اليهودي بكفرهم." وكان دقيقا في وصفه بأن الصهيونية تُعد تهديدا دينيا وأخلاقيا لليهود، وقد تؤدي إلى عقوبات إلهية من منظوره الديني.
يُعد نورمان فينكلشتاين من أبرز المفكرين اليهود الألمان المناهضين للصهيونية، وقد عبّر عن مواقفه بوضوح في كتبه ومقابلاته، حيث قال: "بقدر ما سعت الصهيونية لحل المسألة اليهودية، يجب اعتبارها ليس فقط فشلا بل كارثة: "إسرائيل هي السبب الرئيسي لمعاداة السامية في العالم اليوم."، كما أكد أن الصهاينة تعلموا جيدا من النازيين، حيث قال: "لقد تعلم الصهاينة جيدا من النازيين، لدرجة أن معاملتهم الأخلاقية البغيضة للفلسطينيين، ومحاولاتهم لتدمير المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل والأراضي المحتلة، تكشف عنهم كنازيين بلحى وقبعات سوداء."
يضيف نورمان: "أعتقد أن إسرائيل، كما أشار عدد من المعلقين، أصبحت دولة مجنونة. علينا أن نكون صادقين بشأن ذلك. بينما يريد بقية العالم السلام، فإن هذه الدولة تريد الحرب، الحرب والحرب."
ويؤكد نورمان أن الصهيونية مشروع استيطاني عرقي، ويدقق ذلك فيما قال: "إسرائيل دولة يهودية معلنة، وإيديولوجيتها هي إنشاء دولة يهودية، دولة لليهود. ولا تريد وجودا غير يهودي في تلك الدولة... إسرائيل كانت تحاول، منذ البداية، إنشاء دولة ذات أغلبية يهودية ساحقة، لم تكن متجانسة في منطقة كانت ولا تزال أجزاء منها، غير يهودية بشكل كبير."
ويبقى إدمون عمران المالح، الكاتب والمفكر المغربي اليهودي، أبرز الأصوات المناهضة للصهيونية في العالم العربي. رغم خلفيته اليهودية، وقد عبّر المالح عن رفضه للصهيونية، معتبراً إياها حركة استعمارية تتعارض مع القيم الإنسانية واليهودية الحقيقية. ففي كتاباته ومقابلاته، شدد المالح على أن الصهيونية لا تمثل جميع اليهود، وأنها تسعى إلى تحويل الهوية اليهودية إلى مشروع قومي استيطاني، مما يعرض اليهود في الشتات للخطر ويشوه صورتهم. كما أكد على أن اليهودية ديانة وثقافة، وليست قومية سياسية. من أبرز أعماله التي تعكس هذه المواقف: "ألف يوم ويوم" وهي رواية تستعرض التعددية الثقافية في المغرب وتنتقد النزعة القومية الضيقة. كذلك كتابه "أم كلثوم" وهو عمل أدبي يُظهر تعاطفه مع القضية الفلسطينية ورفضه للسياسات الإسرائيلية. عبر هذه الأعمال، يُبرز المالح التعايش بين المسلمين واليهود في المغرب، وينتقد محاولات الصهيونية لتقسيم المجتمعات على أسس دينية وقومية.
في الختام نورد موقف إبراهام السرفاتي، المناضل اليساري المغربي اليهودي، الذي كان من أشد المعادين للصهيونية، وعبّر عن ذلك بوضوح في كتاباته ومواقفه السياسية. حيث رفض ربط اليهودية بالصهيونية، وقد كرر السرفاتي مراراً أن اليهودية ديانة، بينما الصهيونية إيديولوجية استعمارية عنصرية. وكتب: "أنا يهودي مغربي، لكن لا علاقة لي بالصهيونية، بل إنني أعتبرها نقيضاً تاماً لقيم اليهودية الحقيقية، قيم العدالة والتحرر"، أبرز السرفاتي كذلك في مقالاته وبياناته السياسية، خاصة عبر مجلة "أنفاس"، بأن إسرائيل دولة استعمار استيطاني شبيه بجنوب إفريقيا، وأن الصهيونية أداة لخدمة الإمبريالية الغربية في الشرق الأوسط. لقد كان السرفاتي مدافعاً قوياً عن القضية الفلسطينية، واعتبر أن النضال ضد الصهيونية جزء من النضال من أجل التحرر الوطني، حيث كتب في أحد نصوصه: "تحرر الفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلي هو شرط لتحرر المنطقة كلها من الهيمنة، بما فيها تحرر اليهود من خطر العزلة والرفض." كما أن السرفاتي رفض الهجرة إلى إسرائيل، وظل يؤكد: "وطني هو المغرب، والصهيونية تحاول اقتلاع اليهود من أوطانهم الأصلية بزعم توفير الأمان، لكنها في الحقيقة تضعهم في قلب الصراع."
نقتبس من كتابه "من المنفى أتكلم" :
"الصهيونية ليست إلا شكلاً من أشكال الاستعمار، تستخدم الدين اليهودي كغطاء لتبرير احتلال أرض ليست لها.".. "كوني يهوديا لا يعني أنني صهيوني. الصهيونية حركة سياسية استعمارية، وأنا أرفضها جملة وتفصيلاً."
اقتباسا أيضا من مقالاته في مجلة "أنفاس":
"إسرائيل تمثل مشروعا استيطانيا عنصريا، لا يختلف عن نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا.". كتب أيضا: "الصهيونية تسعى لتفتيت المجتمعات العربية، وزرع الكراهية بين الشعوب، وهذا ما يجب أن نتصدى له."
ملحوظة لها علاقة بما سبق:
إن الحركة العالمية والإنسانية التي تدعو إلى تعرية جرائم الصهيونية من خلال الصمت الرقمي من التاسعة مساء إلى التاسعة والنصف، أكيد أنك ستجد وسطها يهودا مبدئيين ضد الاستئصال العنصري للفلسطينيين من أرضهم.. فلنقوي صفوف الإنسانية ضد التوحش.