يرى عبد السلام بوهلال، أستاذ باحث في الجغرافيا بجامعة مولاي إسماعيل مكناس، أن تقنين المغرب لزراعة القنب الهندي للاستعمالات المشروعة بموجب قانون 13-21 لا زال في بدايته، حيث لا زال عدد مهم من الفلاحين يتعاطون لهذه الزراعة بشكلها غير القانوني، محذرا من تداعيات زراعة القنب الهندي غير المقننة على الفرشات المائية، مشيرا بأن ترجيح صنف البذور (البلدية) على باقي الأصناف المستوردة من طرف الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي خلال الموسم الماضي يعد أمرا إيجابيا ، بالنظر لتأقلمها مع الظروف البيئية والموارد المتاحة من ماء وتربة ومناخ بمناطق الزراعة وعدم استنزافها لهذه الموارد. عكس البذور المستوردة .
كما يتطرق الى الاستعمال الطبي والصيدلي والصناعي للقنب الهندي ببلادنا، مشيرا بأن تطويره يعد أمرا بالغ الأهمية ويمكن ان ينعكس بشكل إجابي على الاقتصاد الوطني.
كيف تنظر إلى توسع زراعة القنب الهندي بعد تقنينه في المغرب وماذا عن مخاوف البعض من استنزاف الفرشاة المائية؟ نشير في البداية أنه رغم تقنين المغرب لزراعة القنب الهندي للاستعمالات المشروعة بموجب قانون 13-21 إلا أننا لا زلنا في بداية التجربة، حيث لا زال عدد مهم من الفلاحين يتعاطون لهذه الزراعة بشكلها غير القانوني. لذا يجب التمييز بين المساحات المزروعة في ضل هذا القانون، والمساحات المزروعة خارج إطاره. وبشكل عام وحسب الأرقام الرسمية المعلنة هناك تراجع كبير في المساحات العامة المزروعة بالقنب الهندي حيث انتقلت من 134 ألف هكتار سنة 2003 إلى 28 ألف هكتار سنة 2022 حيث بلغت نسبة التراجع بحوالي 80%، لكن بالمقابل عرفت المساحات المقننة ارتفاعا ملحوظا حيث انتقلت من حوالي 300 هكتار خلال الموسم الفلاحي الأول بعد التقنين (سنة 2023) إلى حوالي من 2200 هكتار سنة 2024.
أما على مستوى استغلال وتدبير الموارد المائية، تساهم زراعة القنب الهندي غير المقننة في تدهور خطير واستنزاف للفرشات المائية، ومن المفروض أن يساهم انخراط الفلاحين في الزراعة المشروعة في التقليل من هذه المخاطر في أفق تبني مقاربة تشاركية للوصول للاستغلال مستدام لهذه الموارد.
البعض يشير إلى كون نسبة هامة من مزارعي القنب الهندي تستعين بحفر آبار غير مرخصة من وكالات الأحواض المائية فماهي تداعيات ذلك؟
استغلال الموارد المائية بمناطق زراعة القنب الهندي يتم في الغالب في غياب شبه تام للغطاء القانوني والمؤسساتي. ولهذا الاستغلال العشوائي تأثيرات بالغة على الاستدامة المائية في المناطق المتضررة، ويتجلى ذلك في نضوب عدد كبير من المنابع والعيون، استنزاف الفرشات المائية الهزيلة أصلا... وبروز أزمة العطش ببعض المناطق في الفصل الحار، بالإضافة لتأجج النزاعات حول الماء.... أما تداعيات الاستغلال غير المعقلن للموارد المائية على الزراعات المعاشية فيتجسد في كون البذور الهجينة للقنب الهندي دورتها الحياتية تستمر في بعض الحالات حتى شهر أكتوبر. ومعلوم أن البذور "البلدية" دورة حياتها تنتهي في غالب الأحيان أواخر شهر يوليوز، وهو ما كان يسمح للفلاحين من مزاولة زراعة بعض المنتوجات المعيشية المتمثلة في البطاطس والبصل والذرة وبعض الخضروات... لكن البذور الهجينة أزاحت هذه المنتوجات من الحقول الزراعية بشكل شبه كامل بالإضافة لتأثرها بتراجع الموارد المائية. بل التأثر باستنزاف هذه الموارد طال حتى الأشجار المثمرة.
أعتقد أن تقنين الاستعمال المشروع للقنب الهندي سيدفع الفلاحين لا محالة الى استغلال الموارد المائية في إطار قانوني ومؤسساتي، فاحترام الفلاحين للضوابط القانونية أثناء الزراعة سيلزمهم أيضا بالاستغلال القانوني لمياه السقي.
من المعلوم أن البذور الهجينة للقنب الهندي معروفة بإنتاجيتها الكبيرة مقابل الاستهلاك المفرط للمياه خلافا للبذور المحلية ؛ فهل هناك وعي بضرورة تشجيع زراعة البذور المحلية لدى الجهات المعنية؟
سؤالك دقيق ويطرح واحدة من الإشكالات المهمة في ورش تقنين زراعة القنب الهندي بالمغرب: مسألة البذور المحلية مقابل البذور الهجينة، وما يرتبط بها من رهانات بيئية وتنموية.
إن وضعية الموارد المائية بمجالات زراعة القنب الهندي بعد تقنين استعمالاته المشروعة لم تتأثر بشكل كبير خاصة، ونحن لا زلنا في بداية التجربة ، لكن الملاحظ هو أن توجه الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي خلال الموسم الفلاحي الفارط شجع الفلاحين على زراعة بذور القنب الهندي من صنف «البلدية» المعروفة باحتياجاتها القليلة من مياه السقي - عكس البذور الهجينة - سواء على مستوى المساحات المزروعة أو على مستوى الإنتاج، فعلى مستوى المساحات المزروعة، ف 81.46% زرعت بالبذور الهجينة أما على مستوى الإنتاج فـ 68.26% من الإنتاج الكلي من القنب الهندي كان مصدره البذور البلدية.
أعتقد أن ترجيح صنف البذور «البلدية» على باقي الأصناف المستوردة يعد أمرا إيجابيا لعدة اعتبارات، فالفلاحون في مناطق زراعة الكيف التقليدية اعتادوا على استعمال هذا النوع من البذور وبالتالي فالاعتناء بالنبتة «البلدية» ورعايتها هو تقليد زراعي عريق اعتادوا عليه هؤلاء الفلاحين منذ قرون خلت، تأقلم هذه البذور مع الظروف البيئية والموارد المتاحة من ماء وتربة ومناخ بمناطق الزراعة وعدم استنزافها لهذه الموارد. عكس البذور المستوردة .
ماذا عن آفاق زراعة القنب الهندي ومدى انعكاسات ذلك على التنمية الجهوية والمحلية بمنطقة الريف؟
يعتبر تقنين الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي خطوة جريئة وناجعة من المغرب لإخراج مجالات زراعة الكيف من الأوضاع المزرية التي كانت تتخبط فيها لعقود طويلة حيث كانت تعيش على هامش الاقتصاد الوطني، وتعاني من التهميش التنموي، والهشاشة الاجتماعية، وضعف البنيات التحتية.ويعتبر التقنين فرصة لتجاوز مجموعة من الآثار السلبية التي تخلفها هذه الزراعة غير المشروعة على المستوى البيئي وعلى مستوى استعمالاتها غير المشروعة. وأحد الركائز الأساسية للنموذج التنموي لبلاد الكيف.
إن من شأن مواكبة تقنين زراعة القنب الهندي بتمكين مجالات زراعته من مجموعة البرنامج التنموية لتطوير البنيات التحتية الطّرقية وتعزيز الخدمات الاجتماعية الأساسية كالتعليم والتكوين المهني والصحة، وتنفيذ مشاريع اقتصادية واجتماعية أن يساهم في تنويع مصادر دخل الساكنة وتوفير فرص للشغل وأن يرد الاعتبار لهذه المجالات التي تعرف تراكم للعديد من مظاهر التأخر في شتى الميادين. وتحقق الإقلاع التنموي المحلي والجهوي المنشود.
وبالنظر إلى المؤهلات التي يتوفر عليها بلدنا وللإمكانات التي يوفرها السوق العالمي، يعد تطوير الاستعمال الطبي والصيدلي والصناعي للقنب الهندي ببلادنا أمرا بالغ الأهمية ويمكن ان ينعكس بشكل إجابي على الاقتصاد الوطني ككل، كما يجب التفكير كذلك مستقبلا في سبل استفادة المغرب من الاستعمال الترفيهي للنبتة لتحقيق التنمية السوسيو اقتصادية دون تهديد للصحة العامة، على غرار بعض التجارب الدولية.