ليس مهماً أن تهرب من لسانك اللغة العربية، ما دام قلبك يحمي المغرب وعقلك يخطط لمستقبل البلد. لا يهم أن تتبعثر الكلمات والجمل على شفتيك، قلها حتى بـ"الشينوية" المهم أن تعبئ ما تعلمته في عالم المقاولة لخلق ثورة ناعمة، وإنك تملك أدواتها ومنهجيتها.... معادلة الإرادة والإصلاح رهينة بالشجاعة: فالجودة رهينة بقيمة المنتوج واليد التي تصنعه، ومنظومة السوق، الطلب والعرض. لكن هل العرض التربوي الذي تكرسه بمذكرتك الأخيرة السريالية حول الهيب بوب يستجيب لتطلعات المجتمع وقيمه وأولوية حقا ذات طابع استعجالي؟
أنت، يا برادة، تتقن حتما دراسة الجدوى، وقادر على تبلور لوحة قيادة جديدة تستنطق المؤشرات من المادة الخام إلى السلعة على رفوف الأسواق، هل وضعت لوحة قيادة خاصة بالتربية والتعليم وفق رؤيتك تشعل الضوء الأحمر عند الخلل؟ أم اكتفيت، مثل كل من سبقوك، بتحويل وزارة التعليم إلى مدينة جنرالات وأرقام تخفي الحقيقة: كمية بلا نوعية؟
دعنا من هذا الآن، وقل لي: أي ارتقاء هذا بالتربية في تقاطعها مع الرياضة والفن تحققه ميزانية ستُصرف على تعلم إيقاع موسيقي لا يستقيم إلا مع "تخسار الهدرة"؟
طوال عقود، ظل التعليم في المغرب مثل مريض يُعرض على أطباء مختلفين، كلهم يصفون المزيد من التشخيصات والإصلاحات وورشات لا تنتهي إلا في دهاليز البيروقراطية أو رفوف النسيان... حيث الفساد هو أصل الداء صدقني..!
النتيجة؟ طفل في العاشرة لا يميز بين الحروف، ومراهق يعبر الإعدادي دون أن يعبر عتبة الفهم، ولا يضبط قراءة فقرة قصيرة...
ومع ذلك، تقرر وزارة التربية الوطنية اليوم أن "الهيب هوب" و"البوركينغ" هما طوق النجاة الذي سينقذ المدرسة العمومية من قعر الفشل، وكأن الأزمة الحقيقية تكمن في غياب الانسجام الإيقاعي في مفاصل الجسم التربوي، لا في تآكل بنيته المعرفية.
تأمل الصورة جيدًا: طفل لا يعرف الفرق بين الضاد والظاء يُفترض أن يُنقذ بمصطلحات مستوردة من شوارع بروكلين ومرآب باريس. تلميذ بالكاد يستطيع نطق جملة مفيدة بالعربية سيتعلم التعبير عن نفسه عبر خطوات راقصة وإيقاعات حماسية. ولأن العقل التربوي الرسمي لا يرى أبعد من أنفه، فإن الفشل يُصبح مناسبة للاحتفال، والإخفاق يتحول إلى مهرجان وطني للرقص التعبيري، في مشهد أقرب إلى الكوميديا السوداء منه إلى التخطيط التربوي.
المعضلة أن الوزارة لا تُخطئ فقط في التشخيص، بل ترفض أساسًا الاعتراف بوجود الخلل... كتطبيلك لطارل بسرعة الضوء عشية تعيينك...
وفي كل مرة تصدر فيها التقارير الدولية، من البنك الدولي أو اليونسكو أو المنتدى الاقتصادي العالمي، وتضع التعليم المغربي في ذيل التصنيفات العالمية، يخرج علينا رجالك باسم "التربية" بعبارات من قبيل "المنظومة في طور التحول"، أو "نعمل على إصلاح جذري"، بينما الواقع يقول: التعليم يحتضر، والمستقبل يُدفن في الأقسام المهترئة، واللغة العربية تُغتال بسكاكين البرامج الهجينة، والمعلم يُجلد بين مطرقة الاكتظاظ وسندان التفاهة المؤسسية والعنف التفاهم.
والمضحك المبكي أن من سبقك ورطوه في لحظة شرود في شراك مقاربة "TARL"، أي "التعليم حسب المستوى الواقعي"، وأنت أكملت المشوار بناء على" ها هي المؤشرات"...
لكن الطامة الكبرى أن هذه المقاربة نفسها تم التخلي عنها في دول آسيوية مثل الهند بسبب محدودية نتائجها، وكونها تقوم على فرز التلاميذ بطريقة تكرّس الفجوة المعرفية بدل معالجتها. ولكن لا ضير، فالمغرب بلد يُحب استيراد ما لم يعد أحد يستخدمه، من المقررات المهترئة إلى التجارب المستعملة، حتى لو كانت منتهية الصلاحية.
بينما يرفع المسؤولون شعارات الجودة والإنصاف وتكافؤ الفرص، يستمر تدمير التعليم العمومي بشتى الوسائل: تقليص ميزانيات التكوين، تحميل الأساتذة فوق طاقتهم، تغييب التلميذ عن القرار التربوي، واعتماد مذكرات مرتجلة كأنها نبوءات ملهمة. فكل أسبوع تقريبًا، ينزل على رؤوس الأطر التربوية منشور جديد، بلا مقدمات أو تبريرات، يُشبه إلى حد كبير الأوامر العسكرية التي تُسطر في لحظة استيقاظ مزاجي لمسؤول قرر أن يُدخل "حربا" ضد عدو من الخيال... لضمان استمرار تكنته...
هل نحن في حاجة إلى الرقص لإنقاذ المدرسة العمومية؟ ربما، ولكن ليس رقص الهيب هوب، بل رقصة حزينة، جنازية، تليق بمآل المؤسسة التي كانت يومًا تُسمى "مهد النخبة" فتحولت إلى "مقبرة الأحلام". أما الأساتذة، فقد صاروا أشبه بجنود مهزومين يجرّون خيباتهم من قسم إلى آخر، تُطاردهم مذكرات غريبة تفرض عليهم تحويل الحصة إلى عرض "فني"، في وقت لا يجد فيه التلميذ كراسا ولا قلما... ولا الأستاذ وقتا لتخطيط عمله التربوي.
تتحدث الوزارة عن "إدماج الإبداع في المنظومة"، و"بيداغوجيا المتعة"، وهي نفسها التي فشلت في ضمان ماء صالح للشرب في بعض المؤسسات، أو مرحاض غير آيل للسقوط. تتحدث عن "التعلم من خلال الفن"، وهي التي تُصر على حشو التلميذ بأطنان من المعلومات المتقادمة التي لا تسمن ولا تغني من جهل. فتلميذ اليوم يخرج من المدرسة لا يعرف كيف يكتب رسالة، ولا كيف يحاور، ولا كيف يربط بين الفكرة والفكرة. فقط يعرف كيف "ينقل" في الامتحان، أو كيف "يهرب" من حصة الرياضيات تحت شعار "ماشي ديالنا هادشي".
وإذا كانت الأرقام لا تكذب، فإنها تصرخ بصوت عالٍ: نحن في كارثة. 66% من التلاميذ المغاربة لا يفهمون نصًا بسيطًا، بحسب البنك الدولي. الهدر المدرسي يُكلف الملايير سنويًا، وجودة التعليم تنحدر عامًا بعد عام. فهل هناك من يجرؤ على السؤال: من المسؤول؟ أين ذهب المال؟ من اختار أن يجعل من التعليم تجربة عبثية يتقاذفها كل وزير وكأنها حقل تجارب للبراعة الوزارية؟
المؤسف أن الجواب معروف... ولا أحد يملك الجرأة على النطق به. أما الوزارة، فهي لا تسمع إلا صوت الطبول والدفوف، وتُفضل أن تُغرق فصولها في البوركينغ، بدل أن تطرح السؤال الحقيقي: كيف نُنقذ ما تبقى من عقل هذا الوطن؟
إذا استمر الأمر على هذا المنوال، فلا نستغرب إن أصبح التكوين المقبل في "اليوغا المدرسية"، أو "الدرامادانس"، أو "الرقص الشرقي التعبيرية" كتجلٍّ للتكوين في الهندسة بالنظير. وعندها، سيكون المغرب أول دولة في العالم تُدَرّس الصبر على إيقاع الهيب هوب، وتُخرّج أجيالاً قادرة على الرقص... لكنها عاجزة عن الحلم.