من المرتقب أن يتضمن آخر قانون المالية 2026 للحكومة الحالية ضريبة على الكربون في إطار الإصلاح الضريبي. هذه الخطوة تأتي في وقت حساس، حيث تدخل الرسوم الأوروبية على الكربون حيز التنفيذ بعد ستة أشهر عبر آلية MACF، ما يطرح تساؤلات حول مدى جاهزية المغرب لهذا التحول.
أي تداعيات لضريبة الكربون على الاقتصاد الوطني؟ هل المغرب استغل الفترة الانتقالية للتحضير (قوانين، تحسيس الشركات لإنجاز حصيلاتها ومحتوياتها من الكربون Bilan carbone) لهذا التحول؟ أي مكاسب للاقتصاد الوطني من اعتماد ضريبة الكربون، هل تمثل فرصة للمغرب لتعزيز تموقعه في مسار الاقتصاد الأخضر على المستوى القاري؟ أسئلة طرحتها "الوطن الآن" على عائشة العلوي، أستاذة جامعية - خبيرة اقتصادية، وصرحت قائلة:
"في صلب النظرية السياسية، تُعدّ الضريبة أداة مركزية لإعادة صياغة العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع، ووسيلة لترجمة الالتزامات السياسية والقيم الكونية ضمن النظام الاقتصادي. وإذا كانت الضريبة قد ارتبطت تاريخيًا بالوظيفة التمويلية أو استُخدمت كأداة للضبط المجتمعي، فإن ضريبة الكربون تُمثل اليوم منعطفًا جوهريًا في أدوار الدولة، حيث تجسد تحوّلًا نوعيًا في السياسات العمومية، من نموذج الهيمنة على الطبيعة واستغلالها المفرط إلى نموذج التكيّف البيئي والعيش ضمن حدود القدرة الاستيعابية للنظم الإيكولوجية. إنها لحظة فارقة تعيد تعريف علاقة الدولة، ليس فقط بمواطنيها، وإنما أيضًا بالمجال الحيوي والزمن التاريخي.
في هذا السياق، يأتي قرار المغرب بإدراج ضريبة الكربون (التضريب الأخضر) في مشروع قانون المالية للسنة المقبلة كخطوة تتجاوز الإصلاح الضريبي التقليدي، لتصبح مدخلًا لإعادة التفكير في الموقع الجيواقتصادي للدولة المغربية في ظل التحولات البيئية العالمية. فالتفاعل مع آلية ضبط الكربون عند الحدود (MACF) التي يوشك الاتحاد الأوروبي على تفعيلها، يجب أن ينبع من رؤية استباقية تهدف إلى إعادة تشكيل المكانة الإقليمية للمغرب، كفاعل بيئي محوري في النظام الاقتصادي الإقليمي والعالمي.
من الناحية الاقتصادية، تُفضي ضريبة الكربون إلى تداعيات متعددة الأبعاد على البنية الإنتاجية الوطنية. فمن جهة، ستؤدي إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية، خاصة في القطاعات الملوثة مثل الحديد، والإسمنت، والألومنيوم، والأسمدة، مما قد يُضعف قدرتها التنافسية في الأسواق الدولية، ويجعلها عرضة لضغوط مزدوجة: محلية بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج، وخارجية نتيجة استيفاء متطلبات التصدير نحو أسواق متقدمة كالاتحاد الأوروبي. ومن جهة أخرى، قد تُشكّل هذه الضريبة أفقًا واعدًا لقطاعات جديدة، في طليعتها الطاقات المتجددة، والخدمات البيئية، والصناعات النظيفة. فتحفيز هذه المجالات، عبر توجيه مداخيل الضريبة نحو الاستثمار الأخضر، من شأنه أن يعزز الابتكار البيئي، ويوفر فرص شغل نوعية، ويُمهد لبروز سوق وطنية للكفاءات المرتبطة بالمهن الخضراء كالهندسة المناخية، والاقتصاد الدائري، والتكنولوجيا النظيفة.
والأهم من ذلك، يمكن لضريبة الكربون أن تتحوّل إلى أداة لإعادة التوزيع العادل للموارد، من خلال تخصيص عائداتها لدعم الفئات الهشة وتنمية المناطق الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي، مما يجعلها رافعة للعدالة البيئية والاجتماعية في آنٍ معًا. غير أن تحقيق هذه الرؤية الطموحة مرهون بمدى جاهزية المنظومة الاقتصادية الوطنية لهذا التحول، خاصة في ظل ما تفرضه الآلية الأوروبية من التزامات تقنية دقيقة تتعلق بقياس الانبعاثات الكربونية وتوثيقها.
ورغم بعض المبادرات التحسيسية التي قامت بها مؤسسات مثل الوكالة المغربية للنجاعة الطاقية والكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب، فإن الاستعداد الوطني ظل محدودًا وغير شامل. فقد اقتصرت الاستجابة الجادة على عدد قليل من المؤسسات الكبرى، بينما لا يزال النسيج الصناعي الصغير والمتوسط في حاجة ماسة إلى المواكبة التقنية والدعم المؤسساتي من أجل التكيّف مع متطلبات الانتقال البيئي وتعزيز التزام المقاولات بالمسؤولية البيئية والاجتماعية.
ورغم هذه التحديات، فإن اللحظة الراهنة تمثل فرصة تاريخية أمام المغرب لإعادة تموقعه الإقليمي، ليس فقط كمنصة إنتاجية، بل كنموذج رائد في مسار الانتقال البيئي. ويتطلب بلوغ هذا الطموح بناء منظومة متكاملة تشمل تعزيز القدرات البحثية، وتطوير آليات تمويل مبتكرة، وإرساء معايير واضحة وموحدة لقياس البصمة الكربونية، مع ضمان إشراك كافة الفاعلين الاقتصاديين، من الدولة إلى القطاع الخاص فالمجتمع المدني، في دينامية التغيير.
إن ضريبة الكربون تمثل أكثر من مجرد أداة ضريبية جديدة، فهي لحظة تأسيسية لإعادة تعريف أدوار الدولة كضامن للتوازنات البيئية والاجتماعية. وكما يؤكد الفيلسوف بيير روزانفالون (Pierre Rosanvallon)، فإن العدالة لا تقتصر على التوزيع المادي للثروات، بل تتطلب إعادة هيكلة جذرية للعلاقات الاجتماعية بما يُمكّن كافة الأطراف من المساهمة في إنتاج القيمة. وفي هذا الإطار، ينبغي أن تتجاوز ضريبة الكربون في السياق المغربي وظيفتها الجبائية الضيقة، لتتحول إلى أداة لبناء ديمقراطية بيئية تشاركية، يكون فيها الفاعل مشاركًا ومسؤولًا، لا مجرد متلق للسياسات.
يبقى التحدي الجوهري في تحويل هذه الضريبة من مجرّد استجابة بيروقراطية لضغوط خارجية، إلى مشروع مجتمعي متكامل يُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والفاعل والمقاولة، ويجعل من الانتقال البيئي فرصة استراتيجية لتجديد العقد الاجتماعي على أسس من العدالة المناخية، والتمكين الجماعي، والعدالة الترابية، والسيادة المستدامة."