في الوقت الذي يشهد فيه المغرب دينامية تنموية غير مسبوقة، استعداداً لتنظيم كأس العالم 2030، وتعبئة شاملة لتطوير البنى التحتية والنهوض بصورة المملكة على المستويين الداخلي والدولي، تبرز بعض النقاط السوداء التي تضع علامات استفهام عريضة حول مدى شمولية هذه التنمية، وصدق انخراط جميع القطاعات في ركب التحول الوطني.
محطة ولاد زيان بالدار البيضاء، مثال صارخ على ذلك التناقض. فرغم كونها من أكبر محطات النقل الطرقي في المغرب، وبوابة لعاصمة اقتصادية يفترض أن تكون واجهة حضارية متقدمة، إلا أنها تعيش واقعاً مؤسفاً أقرب إلى البداوة والفوضى منه إلى التمدن والتنظيم.
الداخل إليها يشعر أنه غريب في وطنه: ضجيج لا يُطاق، فوضى عارمة في التنظيم، افتقار لأدنى شروط النظافة والسلامة، وانتشار "الكورتية" بشكل عشوائي يزعج المسافرين ويضايقهم إلى حد الشعور بالتحرش اللفظي والابتزاز النفسي. أما المرافق، فتكاد تكون معطلة أو غير صالحة للاستعمال، وسط غياب شبه تام للمراقبة والتأطير.
وهنا يحق لنا أن نتساءل: كيف نرفع شعار التنمية الشاملة، ونحن عاجزون عن تنظيم محطة طرقية تُستقبل فيها يومياً آلاف المواطنين ؟
أليس من حق المسافرين الإحساس بكرامتهم داخل مرافق عمومية يفترض أن تعكس رقي الدولة وحُسن تدبيرها؟
أليس تأهيل محطة بحجم ولاد زيان مدخلاً لتصحيح صورة مدينة كبرى كـالدار البيضاء أمام الزائرين والسياح؟
ألم يحن الوقت لتكون كرامة المواطن في الفضاء العام أولوية مثل تعبيد الطرقات وبناء الملاعب؟
صحيح أن كأس العالم فرصة تاريخية، لكنها ليست المبرر الوحيد للحراك التنموي. التنمية يجب أن تكون خياراً مستداماً لا مناسباتياً، تعكس احترام الدولة لمواطنيها قبل اهتمامها بنظرة الخارج إليها.
إن إعادة تأهيل محطة ولاد زيان، تنظيمها، تأطير عمالها، وتوفير بيئة تحترم الإنسان، ليست مطالب تعجيزية، بل استحقاقات تأخرت كثيراً.
فالمواطن الذي يتنقل من مدينة إلى أخرى، يستحق أن يبدأ رحلته أو ينهيها في مكان يحفظ كرامته، ويعكس طموح بلاده في تحقيق تنمية حقيقية وشاملة.
ولعل من يلتقط هذه الرسالة، ويملك الإرادة لإحداث الفرق، لن ينقصه سوى قليل من الحس الوطني… وكثير من الفعل.
سعيد عاتيق، فاعل جمعوي وحقوقي