منصات المخزون تقطع الطريق على تجار الأزمات في المغرب

منصات المخزون تقطع الطريق على تجار الأزمات في المغرب هناك من يستغل الكوارث للاسترزقاء أو تحقيق بعض المكاسب السياسوية
هل ستقطع منصات المخزون والاحتياطات الأولية التي سوف يتم إحداثها في المغرب الطريق على الاستغلال السياسوي والاسترزاق بمآسي المواطنين أثناء وقوع الكوارث؟، على اعتبار أنه إذا كانت بعض الأطراف تتدخل بحسن نية ولوجه الله في التخفيف من حدة الكوارث التي تقع من حين إلى آخر على المواطنين من خلال تدخلات ميدانية، فإن هناك أطرافًا أخرى تهدف من تدخلاتها إلى تحقيق مكاسب سياسية أو الاسترزاق وتحقيق أرباح، وهم من يُطلق عليهم "تجار الأزمات".
 الرغبة في إحداث منصات جهوية بعد تدشين منصة جهوية من قبل الملك محمد السادس بجماعة عامر بجهة الرباط-سلا تفاعلت معها مجموعة من الأصوات بالإيجاب، مؤكدين أن المغرب فتح صفحة مهمة في طريقة تدبير الأزمات بعد وقوع الكوارث التي أصبحت أمرًا واقعًا، ليس في المغرب وحده، بل في العديد من البلدان، الأمر الذي يفرض التفكير في صيغ احترافية من أجل التدخل أثناء وقوع أي كارثة سواء زلازل أو فيضانات.
 
محمد جدري، خبير اقتصادي، أكد أن المغرب فتح اليوم صفحة جديدة في تدبير كوارثه الطبيعية من سياسة رد الفعل إلى سياسة استباقية، خاصة أن الكوارث الطبيعية أصبحت أمرًا واقعًا، إذ مع كل موسم صيف تندلع حرائق الغابات، وفي الشتاء تشهد بعض المناطق فيضانات، والأكثر من ذلك فإن خلال السنوات الأخيرة عرف المغرب زلزالين مدمرين، الأول في الحسيمة والثاني في الحوز، وبالتالي لا يمكن للمغرب، حسب رأيه، أن يبقى مكتوف الأيدي، وهو الأمر الذي دفع إلى الانتقال لإحداث منصات جهوية لتأمين حاجيات المواطنين، والتي يبقى الهدف منها هو أن يكون هناك قرب ترابي أثناء عمليات التدخل، حيث يمكن في ساعات قليلة التكفل بالضحايا من حيث المأوى، والأكل، والأغطية، والخيام، والتطبيب.
 
 وقال محمد جدري:  "هذه المنصات ستوفر احترافية في التدخل. ففي زلزال الحوز كان هناك تدخل من قبل الدولة، وكان هناك أيضًا تدخل من قبل المجتمع المدني والفاعلين، حيث كان الأمر يتم بالنسبة للبعض بحسن نية، في حين أن آخرين كان تدخلهم يتم لدواعٍ انتخابية أو الاسترزاق، وهذه المنصات ستقطع الطريق على هذه الفئة من المتدخلين، لأنه لا يمكن السماح باستغلال مآسي المواطنين".
 
وأكد محدثنا، أنه لابد من تدريب الكوادر الشابة للتعامل مع الكوارث الطبيعية، لأن الأمر لا يتطلب فقط العتاد ولكن أيضًا مسألة التكوين مهمة، وتحسيس المواطنين بطريقة التعامل مع الكوارث.
 
علي الغنبوري، رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، أبرز أن هذه المنصات تشكل نقلة نوعية في أسلوب اشتغال الدولة المغربية في التعامل مع الأزمات وتقلبات السوق، إذ تأتي هذه المبادرة في سياق الحاجة المتزايدة لإرساء أدوات مؤسساتية حديثة تضمن الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي في مواجهة التحديات المناخية والاقتصادية، وتعتمد هذه المنصات على تقنيات رقمية متقدمة تسهّل تتبع حركة المخزونات ومراقبة مستويات التوفر في الوقت الفعلي، مما يمكن السلطات من اتخاذ قرارات سريعة واستباقية، ويحد من منطق التدبير الانفعالي أو الموسمي، كما أنها تكرس مبدأ الشفافية في تدبير الموارد الحيوية، وتفتح المجال أمام تعزيز الثقة بين المواطن والدولة، خاصة في فترات الطوارئ التي تتطلب تضامنًا فعليًا ومنظمًا وليس ارتجاليًا.
 
 وقال الغنبوري  "في الوقت الذي اعتادت فيه بعض الجهات استغلال موجات التضامن الشعبي في أعقاب الكوارث الطبيعية لأغراض سياسوية ضيقة، تأتي هذه المبادرة الملكية لتضع حدا لمثل هذه الممارسات، حيث تنتقل عملية تدبير الأزمات من منطق العفوية المشتتة إلى منطق التنسيق المؤسسي المحكم، مما يقلل من فرص التوظيف السياسي للمعاناة، ويمنع تحوير روح التضامن النبيلة إلى أدوات دعاية أو تعبئة غير مسؤولة. فالمقاربة الجديدة تقوم على مأسسة التضامن وتوجيهه عبر قنوات رسمية مدعومة بالبيانات والآليات الفعالة، وهذا من شأنه أن يرسخ ثقافة دولة قوية وعادلة في وجدان المواطن، ويمنع الخلط بين الإغاثة كمهمة وطنية والتسويق السياسي كهدف ظرفي".
 
وأوضح أن الرؤية الملكية في هذا الإطار لا تقتصر فقط على ضبط السوق وتأمين التموين، بل تمتد إلى ترسيخ نموذج تنموي جديد يقوم على التوقع، والنجاعة، والتدخل الوقائي، فالمغرب من خلال هذه المنصات يبعث برسالة واضحة مفادها أن زمن الفوضى والتسيب في تدبير المواد الحيوية قد انتهى، وأن زمن الحكامة والتنظيم هو الذي يجب أن يسود، كما أن تعزيز قدرة البلاد على مواجهة الأزمات بشكل شفاف ومنظم يندرج ضمن تصور أوسع لبناء دولة قوية بمؤسساتها، عادلة في توزيع مواردها، وقادرة على حماية كرامة مواطنيها في مختلف الظروف، وهو ما يجعل هذه الخطوة الملكية حجر زاوية في مسار تحصين البلاد من الهزات، سواء كانت طبيعية أو ناتجة عن اختلالات في الأسواق العالمية أو محاولات الاستغلال السياسي الضيق.
 
وسيتم إنجاز منصة المخزون والاحتياطات الأولية بجهة الرباط-سلا-القنيطرة على قطعة أرضية تبلغ مساحتها 20 هكتارًا، وذلك في أجل 12 شهرًا، بميزانية إجمالية تقدر بـ287,5 مليون درهم. ويهم هذا المشروع على الخصوص إحداث أربعة مستودعات (5 آلاف متر مربع لكل منها)، وحظيرتين للمعدات الضخمة (2500 متر مربع لكل منهما)، ومهبط للطائرات المروحية، ومواقف للسيارات.

 وتشكل هذه المنصة الجهوية جزءًا من برنامج شامل، والذي يشمل إنجاز 12 منصة باستثمار إجمالي تبلغ قيمته 7 مليارات درهم، منها ملياران للبناء، و5 مليارات درهم لاقتناء المواد والتجهيزات.

 وستحتضن هذه المنصات، التي ستعبئ وعاءً عقاريًا إجماليًا تقدر مساحته بـ240 هكتارًا، 36 مستودعًا، موزعة بحسب الكثافة الديموغرافية لكل جهة والمخاطر المحتملة.

 وبالنسبة للجهات الست: الدار البيضاء-سطات، والرباط-سلا-القنيطرة، ومراكش-آسفي، وفاس-مكناس، وطنجة-تطوان-الحسيمة، وسوس-ماسة، فإن المنصات ستتكون من أربعة مستودعات، بمساحة إجمالية تبلغ 20 ألف متر مربع لكل منها. فيما ستحتوي المنصات الخاصة بالجهات الست الأخرى، وهي: جهة الشرق، وبني ملال-خنيفرة، ودرعة-تافيلالت، وكلميم-واد نون، والعيون-الساقية الحمراء، والداخلة-واد الذهب، على مستودعين بمساحة إجمالية تبلغ 10 آلاف متر مربع لكل منها.