سعيد عاتيق:  كأس العالم 2030  بين واجهة التلميع وفرصة الإقلاع التنموي الشامل

سعيد عاتيق:  كأس العالم 2030  بين واجهة التلميع وفرصة الإقلاع التنموي الشامل سعيد عاتيق
حين أُعلن رسمياً عن فوز المغرب، إلى جانب إسبانيا والبرتغال، بتنظيم نهائيات كأس العالم 2030، عمت الفرحة الشارع المغربي. فقد اعتُبر الحدث إنجازاً تاريخياً يجسد مكانة المملكة المتنامية على الصعيد الدولي، وقدرتها على كسب رهان التنظيم والتنسيق في إطار ثلاثي غير مسبوق. 
لكن خلف زخم الاحتفال ووهج الخطاب الرسمي، تطفو إلى السطح تساؤلات عميقة، لا تقل أهمية عن مجريات التهيئة الرياضية واللوجيستيكية، بل ربما أكثر إلحاحاً:
 هل يشكل تنظيم كأس العالم بوابة فعلية لإقلاع تنموي شامل في المغرب؟
 أم أنه مجرد واجهة تجميلية مرحلية، تُخفي واقعاً اجتماعياً يعج بالهشاشة واللامساواة؟
أكيد و مؤكد أنه لا يمكن إنكار أن المغرب يعيش منذ سنوات تحولات كبرى: مشاريع مهيكلة في النقل والطاقات المتجددة، إصلاحات رقمية وإدارية، توجّه نحو اللامركزية، وإطلاق النموذج التنموي الجديد الذي يعد بتقليص الفوارق وتحقيق العدالة الاجتماعية. كل هذا يُظهر أن هناك إرادة سياسية لصناعة مغرب جديد. لكن الإشكال يكمن في التنفيذ، وفي القدرة على تحويل هذه المشاريع إلى مكتسبات ملموسة تمس حياة المواطن اليومية، لا مجرد شعارات رنانة.
ففي الوقت الذي تُرصد فيه ميزانيات ضخمة لتأهيل البنيات الرياضية والطرقية والسياحية، تتصاعد شكاوى المواطنين من الهدم العشوائي لمساكنهم، إخلاء الأسواق الشعبية، ومضايقات تمس الباعة المتجولين والفئات الهشة.
 فهل التنمية تبرر المساس بالحق في السكن؟ هل يحق للحداثة أن تأتي على حساب الضعفاء؟ 
أم أن هناك خللاً في تصور العدالة داخل السياسات العمومية؟
المطلوب ليس وقف التهيئة والتطوير، بل إيجاد التوازن بين التنمية المادية والعدالة الاجتماعية. أن تُهدم بيوت الناس دون توفير بدائل سكنية حقيقية في حينه ،  وأن يُطارد الباعة الجائلون دون دمجهم في أسواق منظمة أو توفير فرص بديلة، فهذا يزرع الشك في نوايا التنمية، ويغذي الشعور بالغبن الاجتماعي.
الفرصة التاريخية: من واجهة الترويج إلى محرك التحول :
لا شك أن تنظيم كأس العالم 2030 يمثل فرصة استثنائية لبلورة نموذج جديد للتنمية، قائم على الربط العضوي بين الاستثمار في الرياضة والاستثمار في الإنسان. من هنا يمكن للحدث أن يتحول من مجرد لحظة كروية إلى ورشة إصلاح وطني حقيقية تشمل:
تنمية الأحياء الهامشية وتوفير الخدمات الأساسية بها.
تحقيق العدالة المجالية عبر توزيع المشاريع على مختلف الجهات.
إعادة هيكلة الاقتصاد غير المهيكل عبر إدماج الفئات المهمشة.
تحقيق الإنصاف الاجتماعي من خلال مقاربة تشاركية شاملة.

من الرياضة إلى الإنسان: المفهوم العميق للإقلاع
الإقلاع لا يعني فقط بناء الملاعب أو استضافة الوفود، بل يعني تغييراً جذرياً في نمط التفكير التنموي، حيث تكون الكرامة البشرية جوهر كل سياسة، والعدالة الاجتماعية معياراً لنجاح كل مشروع. كرة القدم يمكن أن تفتح الأبواب، لكنها لا تُغني عن التربية، التشغيل، السكن، 
إذا نجحنا  في تحويل كأس العالم من مناسبة عابرة إلى دعامة دائمة للإصلاح، سيكون المغرب قد دخل فعلاً مرحلة الإقلاع الشامل. أما إذا بقي التعامل مع الحدث في حدود الترويج والمظاهر، فسنكون قد فوتنا فرصة تاريخية، وربما عميقاً زرعنا اليأس بدل الأمل.
المطلوب إذن هو مراجعة شاملة لمسارات التنمية، وتوجيه مشاريع 2030 ليس فقط نحو عيون العالم، بل نحو وجدان المواطن المغربي نفسه، حيث يكمن رهان التغيير الحقيقي.
فهل هناك ضمانات للنجاح ؟
إلى حين الجواب ها نحن هنا من المنتظرين .
سعيد عاتيق، فاعل حقوقي وجمعوي