مصطفى عنترة: السباق الانتخابي المبكر نحو "حكومة المونديال".. ملامح المشهد السياسي الجديد بالمغرب

مصطفى عنترة: السباق الانتخابي المبكر نحو "حكومة المونديال".. ملامح المشهد السياسي الجديد بالمغرب مصطفى عنترة
رغم أن الانتخابات التشريعية لسنة 2026 لا تزال تفصلنا عنها سنة كاملة، إلا أن الحركية التي تشهدها الساحة السياسية الوطنية توحي بأن البلاد دخلت فعلياً في مرحلة ما قبل انتخابية، تتسم بكثير من الترقب والتجاذب والصراع الرمزي بين الأحزاب الكبرى. لقد صار الحديث عن الحكومة المقبلة محسوماً سلفاً من حيث التوقيت، لكنه مفتوح على كل السيناريوهات من حيث الشكل والمضمون والفاعلين المحتملين.

في هذا السياق، برز إلى السطح تعبير إعلامي جديد يعكس الانتظارات السياسية من الاستحقاقات المقبلة، وهو تعبير "حكومة المونديال"، الذي يوحي بأن الحكومة المرتقبة ستكون أمام اختبارات وطنية ودولية كبرى، ليس فقط من حيث القدرة على كسب ثقة المواطن، بل أيضاً من حيث إدارة ملفات استراتيجية تتعلق بالتحول الاقتصادي، وتداعيات الأوضاع الاجتماعية، وإعادة تموقع المغرب إقليمياً ودولياً. هذا التوصيف، وإن بدا رمزياً، إلا أنه يعكس المزاج العام لما يُنتظر من تشكيلة الحكومة المقبلة، ويؤشر على أن الرهانات ستكون مضاعفة قياساً بطبيعة التحديات التي تواجهها البلاد.

في خضم هذا السياق المتسارع، لم يعد من المستغرب أن تشرع الأحزاب السياسية في حملات غير رسمية ومعلنة، وأن تنخرط في دينامية مبكرة نحو حجز مواقع متقدمة في المشهد السياسي. مجلة "جون أفريك"، ذات الصيت الإعلامي الوازن، فجّرت مفاجأة من العيار الثقيل عندما رشّحت فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني، لرئاسة الحكومة المقبلة. هذه الخطوة، التي لا يمكن أن تُفهم خارج سياقها السياسي، جاءت لتعكس طموح حزب الأصالة والمعاصرة في قيادة المرحلة المقبلة، وهو ما أكدته المنصوري نفسها خلال سلسلة من اللقاءات التي جمعتها بعدد من السفراء المعتمدين بالمغرب، حين صرّحت بثقة بأن حزبها مرشح بقوة لتصدر المشهد الحزبي والسياسي في الاستحقاقات القادمة.

من جهته، اختار حزب الاستقلال أن يدشّن ما يشبه الحملة الانتخابية من مدينة العرائش، قبل أن تتوقف بشكل مفاجئ لأسباب غير معلومة. فنزار بركة دخل مرحلة رص صفوف الحزب والمراهنة بشكل كبير على القاعدة الشعبية للمركزية النقابية الاتحاد العام الشغالين بالمغرب المقربة من حزبه، كأحد الأوراق الهامة من أجل اكتساح انتخابي يقوده الى رئاسة الحكومة.

أما حزب التجمع الوطني للأحرار، فقد قرر خوض غمار هذا السباق الانتخابي المبكر انطلاقاً من الجنوب، حيث أطلق رئيس الحزب، عزيز أخنوش، سلسلة من الجولات، انطلقت من  الداخلة، ثم في محطة ثانية العيون، ثم كلميم...، في ما يمكن اعتباره تأكيداً لارتباط الحزب بالرهانات التنموية للمجالات الجنوبية، ومحاولة لاستثمار الثقل السياسي الذي راكمه الحزب خلال فترة ولايته الحكومية الحالية.

هكذا، يبدو أن خريطة التنافس باتت واضحة المعالم، على الأقل من حيث الأسماء والأوزان السياسية: التجمع الوطني للأحرار، حزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، هي الأحزاب الثلاثة التي تقود المشهد اليوم، وتتنافس على موقع قيادة الحكومة المقبلة.
فالمؤشرات الأولية تفيد ان احتمال انفراط عقد هذا التحالف واردة جدا، خاصة بعد رد الفعل القوي من قبل الأحرار بمدينة الداخلة جوهرة الصحراء المغربية، بلسان رئيس التجمعيين الذي "قرع" بركة دون ذكره بالاسم في موضوع دعم استيراد الغنم.. عقب تصريح هذا الأخير الذي تفاعل معه الراي العام الوطني بقوة قبل أن يلود بالسكوت الملابس.

في المقابل، تبدو المعارضة البرلمانية( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الحركة الشعبية، حزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية) في موقع المترقب والمراقب، تحاول بين الفينة والأخرى إثبات حضورها السياسي عبر مواقف رمزية، مثل التلويح بتقديم ملتمس رقابة لإسقاط الحكومة. غير أن الجميع يدرك أن هذا الملتمس لا يرقى إلى مستوى التهديد الحقيقي، بالنظر إلى غياب النصاب العددي الكافي لإسقاط الحكومة. ومع ذلك، فإن المعارضة تراهن من خلال هذه الخطوات على إعادة التموضع، وتسجيل الحضور الإعلامي والسياسي في لحظة تعرف فيها الساحة تحولات عميقة، واستعدادات متسارعة لخوض استحقاق مصيري.

في خضم هذا السباق المحموم، تبرز نسبة المشاركة باعتبارها عاملاً حاسماً في تحديد مخرجات الاقتراع المقبل. فكل المؤشرات توحي بأن ارتفاع نسبة التصويت سيُترجم إلى مكاسب انتخابية لصالح حزبي التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة، لما لهما من قدرة على توسيع القاعدة الانتخابية عبر آليات التعبئة والتحفيز. أما في حال تدني نسبة المشاركة، فإن الكفة قد تميل لصالح حزب الاستقلال والعدالة والتنمية، لما لهما من قواعد تصويتية تقليدية ثابثة لا تتأثر كثيراً بمزاج الناخب المتقلب.

بالإضافة إلى طبيعة التقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع كاليات حاسمة ومحددة في التاثير على النتائج ورسم معالم الخريطة السياسية القادمة.

اللافت في هذا السياق، أن البرامج الانتخابية تكاد تغيب عن المشهد، أو على الأقل لا تشكل عنصر تمييز حقيقي بين الأحزاب الثلاثة الكبرى. فالملاحظ أن الخطابات السياسية صارت تتشابه إلى حد التطابق، في تعبير واضح عن أزمة في الإبداع السياسي وضعف في تقديم بدائل نوعية. ولذلك، تحوّل الرهان من مضامين البرامج إلى أسماء المرشحين، لا سيما من رجال الأعمال والأعيان، الذين يُنظر إليهم باعتبارهم "لاعبي الصف الأول" القادرين على حسم النتائج في عدد من الدوائر الانتخابية.

وإلى جانب ذلك، أصبحت سلطة المال تلعب دوراً مركزياً في تشكيل الخريطة السياسية المقبلة. فمن يمتلك القدرة على الاستثمار المالي، واحتراف فن التفاوض السياسي، وتوظيف تقنيات التواصل الحديثة واسترايجيات التسويق الانتخابي كأدوات لا غنى عنها في هذه المعركة، سيكون له السبق. وفي هذا المجال، يبدو حزب التجمع الوطني للأحرار أكثر استعداداً، من خلال اعتماده على أذرع موازية متخصصة في التعبئة والتواصل، إضافة إلى اتقانه لفن التكتيك السياسي وتوجيه الضربات الناعمة إلى خصومه.

كل هذه المؤشرات تؤكد أن المغرب دخل بالفعل مرحلة ما قبل الانتخابات، في أجواء سياسية مشحونة، عنوانها الأبرز: صراع على الزعامة، وتنافس محموم بين أحزاب ثلاثة تعتبر نفسها الأقرب إلى قيادة الحكومة المقبلة. 

في المحصلة، يمكن القول إن المغرب دخل فعلياً أجواء الانتخابات التشريعية قبل أوانها بسنة كاملة، في مشهد سياسي يتسم بالتنافسية الشرسة والمناورات المتعددة. وبين طموح الأغلبية في تجديد الولاية، ورغبة المعارضة في استعادة المبادرة، تبقى الكلمة الفصل للناخب، الذي سيكون عليه أن يختار بين الاستمرار في نفس المسار أو المجازفة بتغيير قد لا تكون ملامحه واضحة حتى الآن.

 لكن ما هو مؤكد، أن "حكومة المونديال" لن تكون حكومة عادية، وأن الانتخابات المقبلة ستكون اختباراً حقيقياً لنضج الحياة السياسية المغربية. وبين الحملات المبكرة والوعود المتشابهة، يبقى الأمل معقوداً على وعي الناخب، في أن يمنح صوته لمن يستحق.