على ماذا يتأسس الدفع بشأن تصنيف البوليساريو منظمة إرهابية؟
بخصوص سياق الدفع بشأن تصنيف البوليساريو كتنظيم إرهابي يمكن فهمه من خلال عدة معطيات، في مقدمتها أن أول من تطرق لهذا الدفع هو السيناتور الأمريكي "جو ويلسون"، وهو بالإضافة إلى كونه عضوا في الكونغرس الأمريكي فهو محام مرموق، وبالتالي فتصريحه بالضرورة، هو تقديم توصية أمام الكونغرس الأمريكي بتصنيف حركة البوليساريو منظمة إرهابية، لن يكون من دون معطيات دقيقة ودلائل استخباراتية، تشفع له العريضة التي يريد التقدم بها أمام المجلس.
من جهة أخرى تتناول تقارير استخباراتية إسبانية تورط البوليساريو في تمويل الإرهاب، خصوصا في منطقة مالي التي تعتبر اليوم مسرحا لنشاط أزيد من 12 فصيلا إرهابيا ينشط في منطقة لاتبعد عن البوليساريو إلا برحلة يوم واحد فقط عبر سيارات الدفع الرباعي مع انعدام حراسة الحدود بين مالي والجزائر من جهة البوليساريو أو على الأرجح قلتها.
ماهي الأنشطة التي تقوم بها البوليساريو والتي تصنفها الجهات كأعمال إرهابية؟
من المعروف على مستوى المخيمات أن عناصر قيادية في البوليساريو تتعامل مع مهربي المخدرات بمختلف أنواعها، تلك المخدرات التي تعبر الصحراء الكبرى في اتجاه إسرائيل والشرق الأوسط تشكل عامل تمويل مهم للإرهاب، حيث تتخذ منها عدة فصائل إرهابية بمالي وسيلة للتمويل من خلال نقلها وإعادة بيعها في دول مجاورة.
نفس العناصر القيادية يوفرون المحروقات والذخيرة عجلات السيارات والمواد الغذائية بأثمنة بخسة للمتطرفين..
الأكثر من ذلك، هناك قياديون يقومون بإرسال مرشحين للالتحاق بالإرهاب من شباب المخيمات الذين سد في وجههم الأفق بعد إعلان البوليساريو العودة إلى حمل السلاح ضد القوات المسلحة الملكية، حيث تم إغلاق المنطقة العازلة بالكامل أمام أولئك الشباب الصحراويين الذين كانوا يتخذون منها مجالا للقيام بأنشطة فلاحية واقتصادية تكفيهم ذاتيا لإعالة أسرهم، وأمام ذلك الوضع لم يعد أمام الشباب إلا الارتماء في أحضان الإرهاب الذي يوفر ملاذا ماليا وهروبا من الواقع الاقتصادي المزري بالمخيم.
وقد تم تسجيل التحاق العشرات من الشباب الصحراوي بتنظيمات إرهابية، كجماعة نصرة الإسلام والمسلمين بقيادة إياد آك غالي حيث تشير بعض التقارير السرية أن المدعو أبو دجانة الصحراوي (محمد . ع. ر .ل)، يشغل منصب نائب أمير في التنظيم الإرهابي وبتنظيم القاعدة في الغرب الإسلامي، حيث يتواجد عناصر من مقاتلين سابقين بالبوليساريو أمضوا فترات تعليم عقائدية في محظرة لتعليم القرآن والشريعة بموريتانيا قبل أن يلتحقوا بتلك التنظيمات بدولة مالي .
أضف إلى ذلك وجود عدة أسماء بتنظيمات سابقة مثل جماعة المرابطون والملثمون والموقعون بالدم، التي تحولت إلى تنظيمات ورايات بيض وسود بهذا البلد الأفريقي وبالنيجر وبوركينافاسو..
ما هو الدور الذي ينسب للبوليساريو في التعاون مع منظمات إرهابية؟
يكفي مظاهر التمويل بالذخيرة خصوصا ذخيرة سلاحي رشاش الكلاشنيكوف وسلاج رشاش من عيار 23ملم والتي تقدمها دولة الجزائر بسخاء للبوليساريو التي تعتبر بالمناسبة بمثابة ناحية عسكرية سابعة للجزائر حيث تخصص لها نفس ميزانية النواحي العسكرية الجزائرية الأخرى، والتي تقدر حسب بعض المصادر في 2.5 مليار دولار سنويا . هناك دور آخر هو توفير الملاذ الآمن لبعض قيادات التنظيمات المتطرفة من الدرجتين الأولى والثانية، حيث تفيد بعض المصادر الموثوقة من داخل المخيمات أن بعض القيادات العسكرية في البوليساريو يمنحون هويات مزورة لبعض المبحوث عنهم دوليا، بالإضافة إلى إخفائهم في مناطق تابعة لنفوذ البوليساريو على الأراضي الجزائرية، وتوفير الأمن لهم في بعض الأحيان التي يكون الوضع الأمني لايسمح لهم بالتحرك بكل حرية في مناطق التوتر، خصوصا خلال الحملات التمشيطية التي يقوم بها الجيش المالي مدعوما بمرتزقة فاغنر.
كيف يمكن تبرير هذا التصنيف، مقارنة بالمعايير الدولية لتصنيف المنظمات الإرهابية؟
يمكننا الانطلاق من عدة محاور، أولها أن التصنيف سوف بخص الجناح العسكري للبوليساريو كمرحلة أولى، وبالتحديد عناصر لها دور مباشر في قطاعي الإمداد والتدريب العسكري. والمحور الثاني متعلق بالقانون الدولي، وخصوصا قواعد السلوك السبع لاتفاقية جنيف حيث يمنع استهداف المدن ضمن المعارك وأنت تتذكر استهداف مدينة السمارة يوم 29 أكتوبر 2024، بمقذوفات شديدة الاحتراق والتي خلفت وفاة شخص وجرح ثلاثة، بينهم قاصر والمدن كما هو معروف عالميا لاتدخل ضمن بنك الأهداف العسكرية وبالتالي استهداف المدنيين الآمنين يندرج في إطار الأعمال الإرهابية.
المحور الثالث ماراج مؤخرا في وسائل الإعلام العالمية من مشاركة عناصر من البوليساريو في تدريبات عسكرية شمال إيران بثكنات عسكرية بمنطقة مشهد تابعة للحرس الثوري الإيراني المصنف أمريكيا ضمن قائمة الإرهاب، إضافة إلى التقارير التي تشير إلى احتجاز عناصر من البوليساريو بسوريا، تم إلقاء القبض عليهم وهم يتدربون مع عناصر من حزب الله اللبناني المصنف هو أيضا ضمن قوائم الإرهاب، كل ذلك يؤكد قرب تصنيف البوليساريو ضمن رعاة التطرف.
يعني أن البوليساريو، من خلال هذه المعطيات حاضنة للإرهاب على الأراضي الجزائرية، وفي نفس الوقت راعية لها في لبنان وسوريا وإيران؟
فعلا، مثلا نجد في تعاون البوليساريو مع منظمات إرهابية، عدة صور ومظاهر، منها كثرة المدارس القرآنية التي يتردد عليها الشباب هناك بالمخيمات والتي تحتضن بعضها احتماعات متواصلة لشباب مع فقهاء طيلة الفترة بين صلاة العصر والعشاء بدون توقف، وتؤكد تقارير من داخل المخيمات ان بعض الشباب انتقل الى التطرف مباشرة بعد دروس عقائدية في تلك المساجد والمدارس القرآنية التي ازدادت بشكل ملفت خلال السنوات القليلة الماضية. معلومات أخرى واردة من عين المكان تفيد بتواصل مباشر بين قياديين عسكريين ضمن البوليساريو وبعض القادة بالتنظيمات المتطرفة كالارهابي طلحة أبوهند الملقب بطلحة الليبي وغيره كثير.
حيث قام مؤخرا أحد المسؤولين بالبوليساريو المدعو (م. س.ب) بمحاولة تمويهية للقاء أحد العناصر الإرهابية بمالي حيث ادعى أنه سيقوم برحلة بحث عن قطيع من الإبل يمتلكه ضل طريقه بمنطقة شمال مالي وكانت ذريعة لعقد لقاء سري دون لفت أي انتباه.
هل هناك تقارير استخباراتية أو دراسات أكاديمية تدعم تصنيف البوليساريو حركة إرهابية؟
أستطيع التأكيد أن ما يدفع السيناتور الأمريكي "جو ويلسون" إلى الحديث صراحة عن إرهاب البوليساريو، وهو الجمهوري المقرب من دونالد ترامب، لن يكون غير تقرير استخباراتي من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بالإضافة إلى تقارير سرية لجهاز الاستخبارات الإسباني موجودة حاليا بمكتب رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز حسب ماورد عن أحد المتابعين للشأن الإسباني، وبالتالي فكلتا الدولتين تنتظران فقط الوقت المناسب، خصوصا تنتظران تجاوبا من حاضنة البوليساريو دولة الجزائر، لأن تصنيف البوليساريو ضمن الإرهاب بلاشك له تأثير قوي على عسكر قصر المرادية.
كيف يمكن أن يؤثر تصنيف البوليساريو على جهود مكافحة الارهاب في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل؟
ذلك مرتبط بتعاون الدولة الجزائرية ضمن تلك الجهو،د خصوصا أنها هي الأخرى تم اتهامها بشكل صريح من طرف مالي مؤخرا بعد إسقاط طائرة الدرون المالية من طرف الدفاعات الجوية الجزائرية، حيث كانت مالي بصدد عملية عسكرية دقيقة ضد متطرفين بمنطقة تينزاواتين الحدودية مع الجزائري. وتشير التقارير أن العملية كانت ستستهدف إياد آك غالي زعيم جماعة النصرة والذي ينحدر من تلك المنطقة. وبالعودة إلى البوليساريو فتصنيفها سوف يكشف دورها الخفي في الدعم والتمويل والتغطية على الإرهاب هناك.
ماهي المخاوف المحتملة من تصعيد العنف أو انتهاكات حقوق الإنسان جراء هذا التصنيف؟
طبعا عندما يتم التضييق على البوليساريو أو قادة منهم بتجميد أرصدتهم ومنعهم من السفر أو الاستفادة من ريع المساعدات الغذائية المقدمة للاجئين فسيولد ذلك احتقانا شعبيا خصوصا في فئة الشباب، ولايمكن في الحقيقة تصور مستقبل المخيمات بعد هذا التصنيف، مع العلم أنها تعيش حاليا نوعا من الاحتقان الذي هو في تزايد جراء انسداد أفق الحل والمستقبل لأولئك الشباب.
ماهي التبعات المحتملة بعد تصنيف البوليساريو ضمن قوائم الإرهاب؟
نتوقع نزوحا جماعيا للعائلات الصحراوية خصوصا ساكنة إقليم الصحراء الأصليين. لماذا؟ لأنه بعد ذلك التصنيف لن تستطيع أي منظمة أممية أو دولية التعامل مع البوليساريو، وإلا ستقع تحت طائلة العقوبات الأمريكية، مما سوف يزيد من تفجير الوضع الإنساني هناك وبالتالي مزيدا من عدم الاستقرار الإقليمي.
وماذا عن داعمي البوليساريو، وأولهم الجزائر بعد هذا التصنيف؟
أتوقع أن يؤدي تصنيف تنظيم البوليساريو تنظيما إرهابيا، إلى عزلة دولية للبوليساريو وداعميها، وذلك أمر محتوم، حيث وبشكل أوتوماتيكي لن تستطيع أية شركة طيران نقل عنصر من قيادة البوليساريو أو نقل أي متضامن دولي معهم من أوربا وغيرها، وتفقد البوليساريو بذلك موارد تمويل ضخمة من أوربا، مما يزيد من عزلتها. بالإضافة إلى التأثير الذي قد يطال الجزائر أيضا من كون أن الجميع سوف ينظر إليها أنها حاضنة للإرهاب وهذا لن تقبله الجزائر أيضا، وسيدفعها للبحث عن حلول استباقية قبل الوصول إلى هذه المرحلة، وأعتقد أن ضغطها على البوليساريو لقبول مخطط الحكم الذاتي قد يؤجل أو ينهي حالة التصنيف المحتملة.
هذا هو السؤال، كيف يمكن أن يغير هذا التصنيف من مسار النزاع في الصحراء؟
أعتقد أن الصراع وفق حالة تصنيف البوليساريو تنظيما إرهابيا، لن يبق ضمن الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، لأن الوضع بعد هذا التصنيف سوف يندرج ضمن تهديد السلم والأمن الدوليين. وبالتالي سوف ننتقل إلى الفصل السابع حيث تفرض القرارات من مجلس الأمن الدولي دون الرجوع إلى الأطراف، وبالتالي التعجيل بإنهاء النزاع الذي سوف نحتفل بنصف قرن من اندلاعه خلال نونبر 2025.
السالك رحال، إعلامي وباحث في شؤون الصحراء والساحل