سعيد عاتيق: نحن المعذبون في كل أرض"..صرخة في وجه عالم بلا روح

سعيد عاتيق: نحن المعذبون في كل أرض"..صرخة في وجه عالم بلا روح سعيد عاتيق
في زمن يُحاك فيه العذاب بخيوط دقيقة، ويُهندس الألم في مختبرات متطورة، لم يعد الحديث عن الفقر والتهميش صدى باهتًا من الماضي، بل واقعًا متكرّسًا يُعيد إنتاج نفسه بأساليب أشد قسوة.
هذه الكلمات ليست مقالة، بل شهادة على عصر تتجدد فيه أشكال القهر وتتعدد وجوه المعاناة.
المعذبون في الأرض جموع من البشر يكابدون قساوة الحياة وضنك العيش، ذنبهم الوحيد أنهم ضحايا سياسات عمومية غارقة في الإنزلاقات والأخطاء الجسيمة على رقعة العمليات.
المعذبون في أرض الله يفترشون الأرصفة، يأكلون الجوع، ويرضون بالفتات – إن وجدوا إليه سبيلاً.
أحلامهم بسيطة، كبساطة رغباتهم، إنه الحق في الأكل والشرب، ووطن – وإن ضاق – للنوم.
هي مقومات الوجود لا أكثر، قريبة المنال، لكنها مستحيلة، لأنها تتراقص سراباً أمام ناظريهم.
لقد أصبحت منتجات العذاب الأرضي تحمل شهادة الجودة العالمية، كيف لا؟ ومختبرات العالم تغص بفطاحلة هندسة الألم، ومصانع العذاب تجذب أمهر التقنيين في صناعة الوجع وصياغة برامجه المدمّرة.
عالم بلا روح، وإن علت فيه الأصوات ونشطت فيه الحركية، لكن لا صوت يعلو على صوت الأنين، ولا حركة تُسجَّل إلا بأزرار مختبرات القهر.
لم يكن طه حسين يعلم أنه سيصير لسان حال مقهوري هذا العالم، لم يكن يدري أن في غير أرض الكنانة من يتلوّى في كماشة العذاب، طه حسين لم يعلم، لكن صُنّاع العذاب علموا، علموا أن مجموعته القصصية "المعذبون في الأرض" عمل تخريبي،
فعمدت الدولة الفرنسية إلى منعه سنة 1949 فور صدوره.
المعذبون في الأرض، وهي تبسط معاناة المصريين وتقدّم شهادات حية على قسوة الحياة، كانت بمثابة صك إدانة لصنّاع الأزمات المفتعلة، عبر التاريخ والجغرافيا، فأصبح المنع يلاحق هذا العمل من طرف ذئاب العالم ومفترسي البشر.
أفلا يزال هناك ما يُسمّى بالقدر لكي نؤمن به؟
هل خلقنا الله ليفرّق بيننا في نعيمه؟
هل العذاب قدر محتوم من الله؟
لكي نكون حامدين لكل معاناة، ممتنّين للجلادين والسلاخين والناهِبين؟
نعم للتفاوت، نعم لاختلاف الدرجات، نعم للسلالم الاجتماعية والاقتصادية، لكن ليس إلى حد أن يتوسّد إخوتنا الأرصفة،
ويفترشون الأرض، ويقتاتون من مطارح النفايات.
ليس إلى حد أن تُهدم البيوت، وتُحارَب الأرزاق، وتُصادَر الكرامة.
لا للحروب، لا للتحكم، لا للعبودية الجديدة في عالم يزخر بكل مقوّمات العيش المشترك، تحت شعار كاذب..
سعيد عاتيق، فاعل جمعوي وحقوقي