أحمد بروحو: الجزائر.. تمرد الشرطة على النظام

أحمد بروحو: الجزائر.. تمرد الشرطة على النظام

مَنْ يَحْرثُ الظُّلْمَ وَيَزْرَعُ البَغْيَ، يَجْنِي ثِمارَهُما؛ فَـيُهْلَكُ بِـهَبِيبِ الإِلـهِ وَيفْنَى بِريحِ غَضَبِـهِ. (الإنجيل، نبي الله أيوب - 4:  8، 9)

وهذا حُكْم الإِلـهِ في حُكّام الجزائر الذين فوجئوا مَذْهولين بتمرد رجال شرطتهم لأول مرة في تاريخ الجزائر، هذا الذراع الأمني الذي كان يُسَخَّر لحماية النظام البومدياني السوفياتي الدموي ضد الشعب في مظاهراته المطلبية الشرعية.

هاهي الشرطة، مصلحة "التدخل السريع ومكافحة الشغب"، تصنع الحدث، يوم الخميس 16 أكتوبر 2014، ضاربة عرضَ الحائط بقانون 2001، الذي يمنع منعا كليا التظاهر، كيف ما كان نوعه، في الشارع العام، وتترك ثكناتِـها وأماكنَها "حيْث يَقْتَضِي الواجب" لتتظاهر مكتظة (حوالي خمس مئة من الضباط السامين والضباط وضباط الصف والأعوان) أمام القصر الرئاسي، مطالبة برحيل الجنرال الـهامل، المدير العام للأمن الوطني، وبحضور وزير الداخلية الطيب بلمعيز، والوزير الأول عبد الملك سلال إلى الساحة لمقابلتهم.

تولدت في أذهان رجال الشرطة الجزائريين فكرةُ التمرد على النظام يوم انتحر شرطي في ولاية غرداية لمنعه من زيارة والدته وهي على فراش الموت بالجزائر العاصمة.

وتعبيرا عن سخطهم تجاه مديريتهم العامة، التي دفعت بزميلهم إلى وضع حد لحياته، عصى فريق من الشرطة أوامر مديرهم العام الـهامل الذي كان قد قرر إرسالـهم إلى ولاية غَرْداية لتعزيز صفوف رجال الأمن لقمع الساكنة المكونة من الأمازيغ والعرب الذين هم في حروب دامية مع النظام. إذ منذ أول شهر أكتوبر 2014، لم تهدئ المواجهات، حيث قُتل فيها ثلاثة أفراد من الشرطة وستة من المتظاهرين، فضلا عن توقيف وتعنيف وخطف العشرات من أفراد الشعب الغرداوي المطالب بحقوقه المهضومة، حقوق أمنية واجتماعية واقتصادية، ناشدا الحكومة بالعدول عن سياستها، سياسة التفرقة الإثنية التي تقوم على إذكاء نار الحرب بين العرب والأمازيغ، سياسة مَكْيافِيلِّية : "فرق، تسد".

لا داعي لتعزيز فيالق الأمن بغرداية، الذين يبلغ عددهم أكثر من عشرين ألف (20.000) رجل مدججين بالسلاح الهجومي الثقيل وكأنهم في حرب ضد تنظيم داعش الإرهابي.

نعم، الأمر لا يتعلق بانفلات أمني بـهذه الولاية الأمازيغية. المشكل مشكل سياسي محض، خلقه النظام لإشغال الجزائريين وإبعادهم عن تساؤلاتـهم فيما يحدث في قصر الـُمرادِية، حيث أصبح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ضحية انقلاب أبيض، قامت به حاشيته المتكونة من سبع جنرالات ومدنين، وهم: الجنرال قيد صالح، رئيس أركان الحرب العامة؛ الجنرال محمد مَدْيان، الرئيس الأعلى ومنسق للأجهزة الاستخباراتية المدنية والعسكرية، على نمط الجهازين "كْرو" و"كاجيبي" في عهد النظام السوفياتي؛ الجنرال عبد الحميد بن داود، مدير الأمن الداخلي؛ الجنرال محمد بُوزيت، مدير المستندات والأمن الخارجي، ومستشار الرئاسة (في الظل) في الشؤون الجهوية والدولية، قضية الصحراء المغربية على وجه الخصوص؛ الجنرال مْهانّة جْبّار، رئيس مكتب التنظيم بالمديرية المركزية للأمن العسكري؛ الجنرال عبد الغني الـهامل، المدير العام للأمن الوطني: له مكانة خاصة في الدوائر السياسية والعسكرية؛ الجنرال أحمد بوسْطِيلة، الرئيس الأعلى للدرك الوطني؛ سعيد بوتفليقة، الأخ الأصغر لعبد العزيز بوتفليقة، المستشار الخاص للرئيس منذ خمسة عشر سنة: لا شيءَ يرى النور في القصر الرئاسي وفي دواليب الدولة دون استشارته؛ عبد الملك سلال، رئيس الوزراء منذ العُهدة الرابعة لعبد العزيز بوتفليقة. إنه الوجه المدني للنظام الجزائري، ورئيس الدولة الفعلي في غياب بوتفليقة عن المسرحين السياسي والبْرُتوكولي.

لكن رغم طغيانهم، لم يستطع هؤلاء المـَافْـيُوزِي المتسلطين على الشعب الجزائري الأَبِي أن يمنعوا فرقة من الشرطة  من تطويق القصر الرئاسي للمطالبة بحقوقهم:

فإذا كان الحرس الجمهوري والحرس الرئاسي، معززين بخمس مرواحيات، قد تدخلوا لتفريق هذه المظاهرة، فإنـهم لم ينجحوا إلا في فك الحصار عن القصر الرئاسي، إذ مكث بمحاذاة مُحيطه أكثر من ثلاثة مائة شرطي مُصرِّين على تلبية مطالبهم ومنددين بالوضع الكارثي الذي يعيشه الشعب وفئة من موظفي الدولة؛ بَيْد أن الجزائرَ ثاني بلد منتج للبترول، على الصعيد الإفريقي، ويحتل المرتبة السادسة في إنتاج الغاز عالميا!

من بين هذه المطالب: الحق في السكن؛ تحسين الظروف المادية والاجتماعية التي يصفونها بالمذلة؛المساواة بين جهاز الشرطة والمؤسسة العسكرية.

الجيش الجزائري يتمتع بوضعية خاصة تدفعه إلى القول، بغرور إبليس: "إن الجيش الجزائري هو الدولة الجزائرية، والدولة هي الجيش، والجيش سيد المؤسسات".

فمنذ استقلال الجزائر حافظ هذا الجيش على هالته مهما اقترف من جرائم شنعاء، منها:

- 19  جوان 1965، في الانقلاب على الرئيس الجزائري أحمد بنْ بْلَّة، أمر هواري بومدين، نائب الوزير الأول ووزير الدفاع آنذاك، والذي قاد الانقلاب، أمر الضباط الانقلابيين أن يرتدوا لباس الضباط السامين في الشرطة، حتى لا يقولَ الشعب "إن الجيش أطاح برئيس شرعي، أحد الزعماء التاريخيين التسعة للجنة الثورية للوحدة والعمل، التي اسْتُبذل اسمها بـ "جبهة التحرير الوطني". (ما كان للعقيد محمد بن براهيم بو خروبة، المعروف بـ "هواري بومديان"، ليتركَ على سدة الحكم في الجزائر أمازغيا مغربيا ومجرد "لاَجُودان": ضابط صَفّ، أحمد بن بلـة من أبوين مغربيين أمازيغيين، من قبيلة سيدي رحال، عاشا بمدينة مراكش)..

- 21 مارس 1996َ: قتل سبعة رجال دين فرنسيين، المعروفين بـ "رُهبان تِبْحِرِين"، وقطع رؤوسهم، جريمة اقترفها الجيش الجزائري ولفقها للجماعة الإسلامية المسلحة، التي كانت تقود الحرب، حربا أهلية، ضد النظام الجزائري الذي كان، آنذاك، يضطهد ويغتال أعضاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ في معاقل بالصحراء الجنوبية (الجزائرية)، لأجل فوزها، شهر يناير 1992، في الانتخابات الرئاسية، ولم تقبل المؤسسة العسكرية أن تكون الجزائر دولة إسلامية..

- 29 جوان1992: اغتيال الرئيس محمد بُوضْياف من طرف الجيش الجزائري الذي ادعى أنه قتل على يد ضابط شاب مختل عقليا. لكن سبب هذه التصفية الجسدية هو أن محمد بوضياف، الذي لم يحكم الجزائر أكثر من خمسة أشهر، طلبت منه المؤسسة العسكرية بأن يقود البلاد لتغتاله، لأنه كان سيعطي المغاربة الصحراويين، المقيمين كرها بتندوف، المدينة المغربية التي تحتلها الجزائر، حرية البقاء في مخيماتهم أو العودة إلى وطنهم الأم، المملكة المغربية الشريفة؛ كما كان عازما بأن يعترف رسميا بمغربية الصحراء.

باقترافها هذه الجريمة النكراء، حيث لم تحترم روح رجل منالأبطال الوطنيين الكبار، الذين صنعواالتاريخ، تؤكد الدولة الجزائرية للتاريخ أنها فعلا دولة لا مكان لها بين الدول النبيلة.

ملاحظة: المتتبعون  للشأن العام  الجزائري يرون في تمرد رجال الشرطة، الذين أربكوا النظام بصمودهم في وجه فيالق من الجيش الجمهوري والجيش الرئاسي معززين بسرب من الطائرات المروحية المقاتلة (خمسة)، يرون في هذا الحراك إلا مسبوق زحزحة قواعد الدولة وفقدان ثقتها في عملائها. فكل مؤسسة بنيت على المكر والاستبداد، مآلـها الانهيار: "قَدْ مَكَرَ الذِّينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى الله ُبُنْيَانَـهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ" (سورة النحل، آية 25).