حكومة صاحب الجلالة تواجه معارضة صاحب الجلالة!

حكومة صاحب الجلالة تواجه معارضة صاحب الجلالة!

 

الوثيقة الدستورية بما تمثله من تعاقد اجتماعي وسياسي، وبما تؤسسه من أطر جديدة للمعارضة والحكم، موجود حاليا في محنة. وعوض أن ترقى به النخبة الحالية إلى مزيد من التنزيل الديمقراطي تقوم، بعكس ذلك، بتمريغه على أرض النفاق والشك والتدليس

 صرح إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي في الحلقة الأخيرة من برنامج «مباشرة معكم» بقناة «دوزيم» بالقول «حتى المعارضة راها ديال صاحب الجلالة»، وذلك ردا على نبيل بنعبد الله، أمين عام التقدم والاشتراكية الذي قال في معرض النقاش «هذه حكومة صاحب الجلالة».

كان واضحا من السياق أن هذه الكلمات محكومة بسياق سجالي واضح، ولذلك رد بنعبد الله مباشرة بالقول «إننا لا نزايد على بعضنا البعض». ومع ذلك فالسياق الآني لا يفسر كل شيء كما يؤكد ذلك علماء الخطاب السياسي بشكل عام. هنا يكتسي تصريح لشكر بعدا يتجاوز فيه المنطوق سياق اللحظة إلى مساءلة طبيعة النسق السياسي المغربي، وآليات تدبير السلط، ومسالك صنع القرار المرتبط بالشأن العمومي. وبهذا الخصوص تبدو كلمات بنعبد الله منسجمة مع ذاتها بالنظر إلى طبيعة البناء الدستوري الذي يمنح الملك حق تنصيب رئيس الحكومة من الأغلبية الفائزة في التشريعيات، وحق تعيين الوزراء حيث يترأس المجلس الوزاري الذي يصادق على القرارات الاستراتيجية الكبرى. وبذلك فإن الحكومة هي حكومة صاحب الجلالة، دون أن يعني ذلك مسؤوليته على القرارات التنفيذية التي تتخذها الحكومة في مجال تصريف الاختيارات المرتبطة بالسياسات العمومية المتعلقة بالتشغيل والتطيب والتعليم وغيرها من مرافق العمل اليومي. لكن لشكر يعرف هذه الحيثيات القانونية، لكنه قال ما قال لأنه يدرك أن الاحتماء بتعبير «حكومة جلالة الملك» هو من باب الحق الذي يراد به الباطل. الحق هو الاعتبار الدستوري الواضح، أما الباطل فيتمثل في كون ترديد ذلك التعبير من طرف بنعبد الله، ومن طرف رئيس الحكومة في كل المناسبات المتاحة له، في البرلمان، وفي مقرات حزبه، وفي المنتديات العامة، يقصد منه تحديدا نوعا من «الميكافيلية» السياسية التي تختبىء وراء الملك من أجل تبرير أداء الحكومة المتعثر، وضحالة حصيلتها العامة. والأخطر ما في هذا «النفاق» الذي يطال الكلمات والمعاني هو محاولة مسح كل الفشل الحكومي وراء غطاء «حكومة صاحب الجلالة». وهو ما يعي به التحالف الحكومي، وهو أيضا ما ستستثمره الأحزاب الحكومية في الانتخابات القادمة، حين تتقدم أمام المجموع لتبرر البون الشاسع ما بين وعود برنامجها الانتخابي والحصيلة المادية لمنجزاتها في الحكومة. ولذلك فإن الإصرار المحتمل على تحميل الملك مسؤولية فشل الحكومة لا يضر فقط بالنسق السياسي المغربي، ولكنه يسيء إلى الملك الذي تجعله مثل هذه التصريحات طرفا في اللعبة السياسية، وليس فوق الأحزاب كما يحرص دائما على تأكيده في خطاباته.

في نفس السياق يندرج تصريح لشكر الذي يلحق، هو الآخر وبشكل غير مسبوق، فعل الإساءة إلى الملك. إذ نصبح والحالة هاته أمام معادلة «ترسم وضعا كاريكاتوريا للسياسة في المغرب: معارضة جلالة الملك تواجه حكومة جلالة الملك»، وهو ما يفسد اللعبة ويبطل مفعولها الدستوري لنخلص إلى النتيجة المرة: فساد نخبتنا السياسية، حيث لا أحد يريد أن يتحمل مسؤوليته، سواء كان ضمن الجهاز التنفيذي الذي متعه الدستور الجديد بصلاحيات واسعة، أو في المعارضة التي بوأها نفس الدستور صلاحيات ترقى بفعل المعارضة إلى سقف عال غير متحقق في التجارب الدستورية السابقة. هذه النتيجة تفضح النخبة، وتهزأ بالدستور وتولد تفاعلات أخرى من بينها المزيد من تيئيس المواطنين في العمل السياسي الذي قد يبدو لهم مجرد صفقة تبرم من وراء ظهورهم، والمزيد من تيئيس أعضاء الأحزاب، في الحكومة والمعارضة على حد سواء، الذي سيفقدون بكل تأكيد، الثقة في قادتهم، وفي خطاباتهم، وفي العمل السياسي بشكل عام.

هي إذن ريح فاسدة تطفىء الأمل الذي فجره دستور 2011، والذي عبر عن تطويق سلس إزاء اتفاعلات مع ما عرف بـ «الربيع العربي»، في انتظار أن تنضج السياسة لتقر من يعارض من، ومن يساند من، بلا تقية في الممارسة والخطاب. وهذا ما لن يتحقق ما لم تتحمل النخبة الحالية مسؤوليتها الكاملة أمام الدستور، وأمام المغاربة الذي أقروا هذا الدستور.

مجمل القول إن الوثيقة الدستورية بما تمثله من تعاقد اجتماعي وسياسي، وبما تؤسسه من أطر جديدة للمعارضة والحكم، موجود حاليا في محنة. وعوض أن ترقى به النخبة الحالية إلى مزيد من التنزيل الديمقراطي تقوم، بعكس ذلك، بتمريغه على أرض النفاق والشك والتدليس. إن سؤال من يعارض من، و من يساند من، سيتحول مع مجرى الأيام إلى السؤال التالي:

من يجب أن يحاسب من؟

آنذاك فقط ندخل زمن الدستور، ولا نبقى خارجه، خائفين منه، أو منافقين له.

إن من يسمو بالدستور هم الديموقراطيون الذين يحترمون الدستور لأنهم يحترمون إرادة المصوتين عليه.

وصدق من قال: «لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين.

 محمد حضراني، أستاذ جامعي

 أليس هذا هو التمييع؟ والمس بواجب الاحترام لشخص الملك

بخصوص محاولة تفسير تعبير «حكومة صاحب الجلالة» أو «معارضة صاحب الجلالة»، ومدى سندها في الدستور المغربي، وخاصة وثيقة 2011، فإنه باستقراء هاته الأخيرة، يتبين أن هناك ثلاثة فاعلين أو أجهزة. فمن جهة هناك الملك، حيث نظام الحكم بالمغرب يستند على ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية، والنظام الدستوري للمملكة قائم على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. بل إن الملكية الدستورية من ثوابت الأمة (الفصل الأول) ذات السيادة التي تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها (الفصل الثاني)، وأن شعار المملكة (ومنذ دستور 1962) هو: الله، الوطن، الملك (الفصل الرابع)، ولم تتم إليه إضافة حكومة أو معارضة صاحب الجلالة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالنظام الدستوري يقوم على الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومنها من ترتهن في وجودها إلى الإرادة الشعبية، باستثاء الملك الذي يتربع في قمة النظام السياسي والدستوري المغربي. فالملك هو ملك المغرب كله، يمارس التحكيم بين المؤسسات، ويجسد ديمومة الدولة وليس قبيلة أو حزب، ويختزل المشروعية الوطنية والحقوقية والسياسية، وهذا ما يعكسه بوضوح الفصل 42 من الدستور: «الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة. الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة».

أما بخصوص حكومة صاحب الجلالة، فلا وجود لهذا التعبير في دستور 2011. فالفصول التالية تشير إلى الحكومة أو رئيسها: الفصول 47 ـ 48 49 ـ 54 ـ 59 ـ 68 ـ 75 ـ 76 ـ 77 ـ 78 ـ 79 ـ 81 ـ 82 ـ 83...

لكن المثير للإشارة هو الفصل 47 الذي قيد من سلطة الملك في تعيين الحكومة التي أصبحت حزبية، وناتج عن صناديق الاقتراع (الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب). فالناخب هو الذي أصبح يختار حكومته، وهاته الأخيرة لا تعتبر منصبة إلا بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامج الحكومة. فالشعب يختار الحكومة والملك يعينها، والبرلمان ينصبها. بل الأكثر من ذلك أن الحكومة أصبحت تمارس السلطة التنفيذية. تعمل الحكومة، تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين. والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية (الفصل 89).

وفي ما يتعلق بمعارضة صاحب الجلالة، فهي غير واردة في الدستور، فهذا الأخير قد أشار، ولأول مرة، للمعارضة البرلمانية التي ضمن لها مكانة تخولها حقوقا، لتمكينها من النهوض بمهامها، في العمل البرلماني والحياة السياسية، ومنها :المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، وفي مراقبة العمل الحكومي، المساهمة في اقتراح وانتخاب الأعضاء المترشحين لعضوية المحكمة الدستورية، المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية...

فالمعارضة مكون أساسي في المجلسين، وتشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة، كما يؤكد ذلك الفصل 60، فهي معارضة برلمانية، وليست معارضة صاحب الجلالة، وإذا كانت فهل تستطيع أن تنازع في شرعية الملكية، ومراجعتها التي تخضع للحظر الدستوري الموضوعي (الفصل175). ولكن خارج البنيان والهندسة الدستورية، واستبطان الممارسة السياسية وسلوك الفاعل السياسي، وحتى التأويل الذي أعطي للفصل 19 من دساتير ما قبل وثيقة 2011 هو الذي جعل الملك فوق كل السلطات ، وعدم الفصل بينها، ألم يصرح الملك الراحل ذات يوم نواب الأمة كوزرائه، وباسم الفصل 19 الذي لوح به سنة 1981 لإرغام الفريق الاتحادي بمجلس النواب على عدم الانسحاب من المجلس الذي رفض التمديد، للعدول عن رأيه حتى لا يسري عليه حكم الخارجين عن جماعة المسلمين، كما سبق الحسن الثاني أن دعا في خطاب افتتاح الدورة التشريعية لمجلس النواب في أكتوبر 1994 المعارضة لتكوين حكومة أقلية بتحالف مع الحركة والتجمع ضامنا لهاته الحكومة استقرارا لمدة ثلاث سنوات. فالمعارضة ضرورية، وهي من سمات الأنظمة الحديثة، أو لم يسبق للحسن الثاني أن قال لو لم تكن عندي معارضة لأوجدتها.

ولهذا، ما انفك الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي ينشد ثقة الملك مع حكومة التناوب، وإذا كان الأمين العام لحزب الاستقلال قد صرح بأنه يطبق برنامج الملك، ولم تشذ عنه الحكومة الحالية، فقد يفهم من هذا نوعا من التزلف، والاختباء وراء الملك لتبرير الفشل، وتمييع الحقل السياسي، فأن يتم القول بمعارضة أو حكومة صاحب الجلالة، فقد يستتبعا القول بحزب صاحب الجلالة أو معارضة جماعة قروية لصاحب الجلالة... أوليس هذا هو التمييع؟ والمس بالتالي بواجب التوقير والاحترام لشخص الملك، ولمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

 محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش

 الدستور لا يتحدث عن حكومة صاحب الجلالة أو معارضة صاحب الجلالة

التعليق على ما صدر من السيد إدريس لشكر الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي يتطلب الإشارة أولا إلى بعض المداخل الدستورية لتوضيح الطبيعة القانونية لتصريح السيد لشكر، ومن جانب آخر الإشارة إلى الآثار السياسية التي يمكن أن يتركها هذا التصريح.

على المستوى الدستوري يتحدث الدستور عن حكومة الدولة المغربية وليس حكومة صاحب الجلالة، كما يتحدث عن المعارضة البرلمانية كمكون أساسي في مجلسي البرلمان، وتشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة، طبقا لما هو منصوص عليه في الدستور. ذكر دستور 2011 مصطلح الحكومة في حوالي 100 سياق ولا يشير أي أحد منها لا من قريب أو من بعيد على أن الحكومة هي حكومة صاحب الجلالة، على اعتبار أن الدور الدستوري للملك في علاقته بنشأة الحكومة يتمثل في كون الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، كما يعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها.

كما أن مصطلح معارضة تردد في حوالي عشرة سياقات، ولا يشير أي أحد منها لا من قريب أو من بعيد، على أن المعارضة هي معارضة صاحب الجلالة. وفي اعتقادي من الناحية السياسية مثل هذا الاستعمال يشكل مصادرة على المطلوب ويقود إلى اضفاء مزيد من الغموض على الحياة السياسية ويخلط الأوراق، ويعقد فهم مدى جدية الخطاب السياسي للأحزاب السياسية، خاصة التي قضت حياتها في النضال من أجل التاسيس لنظام سياسي في المغرب يقوم على أساس الملكية البرلمانية، وعليه استعمال عبارات حكومة صاحب الجلالة ومعارضة صاحب الجلالة يعبر عن عدم الوضوح في تحمل المسؤولية السياسية في الخطاب ويعكس الضعف الذي يعانيه نظام الأحزاب في باب تحقيق الاستقلالية والنزاهة في العمل والأداء.

 د.أحمد مفيد، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بفاس

 المعارضة كما الحكومة يجب أن يحترما مقتضيات الدستور

أولا، إن ما صرح به بعض قادة الأحزاب السياسية مؤخرا يعتبر نوعا من المزايدة السياسية وفيه الكثير من الشعبوية، على اعتبار أن جميع الفاعلين السياسيين يجب أن يحتكموا لمقتضيات الدستور، باعتباره أسمى عقد يربط الحاكم بالمحكوم. فالدستور حدد صلاحيات الملك كما حدد اختصاصات السلطات والمؤسسات سواء منها التشريعية أوالتنفيذية، والدستور يجعل من الحكومة هي المسؤولة عن إعداد وتنفيذ السياسات العمومية. وبالتالي فالمعارضة يجب أن تكون في مواجهة السياسات الحكومية وذلك عن طريق الكشف عن ثغراتها واختلالاتها ومظاهر محدودياتها مع اقتراح البدائل، وهذا من شأنه أن يطور الصراع السياسي، وأن يؤدي إلى بلورة سياسات عمومية قادرة على التجاوب مع متطلبات المواطنات والمواطنين. ومن هنا فالمعارضة ينبغي أن تكون معارضة السياسات الحكومية، كما أن الحكومة يجب أن يكون لها برنامج يعكس ويترجم طبيعة تعاقداتها مع الناخبين، والملك يتولى بطبيعة الحال باعتبار موقعه في الدستور المغربي الذي يخوله عدة اختصاصات مع احترامه كذلك لمبدأ فصل السلط، علما بأن الملك حسب الدستور له ثلاث صفات: فهو رئيس الدولة وأمير المؤمنين وهو الحكم بين المؤسسات. ومن هنا أستطيع القول بأن الخلاف الذي وقع مؤخرا هو خلاف بين الأحزاب وليس خلافا بين المؤسسات. وبالتالي فالمعارضة كما الحكومة يجب أن يحترما مقتضيات الدستور.

 عبد الهادي خيرات، قيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي

 الكلام عن حكومة أو معارضة صاحب الجلالة هو من قبيل التنابز

إن المغرب أصبح اليوم يتوفر على دستور جد متقدم بالمقارنة مع سابقيه. وقد حدد صلاحيات مختلف السلط والمؤسسات بدقة ابتداء من المؤسسة الملكية، فرئيس الحكومة، ثم باقي المؤسسات. وبالتالي فالكلام عن حكومة صاحب الجلالة أو معارضة صاحب الجلالة يأتي خارج السياق، وهو من قبيل التنابز والكلام الذي يلقى على عواهنه في حلقة تلفزية. وأعتقد أن مثل هذا الكلام يعبر عن صاحبه ويلزمه.