"تقدم شاب لخطبة فتاة، فسأله والدها: ما هي مهنتك يا ولدي، لكي أزوجك ابنتي أنا مطالب بالاطمئنان على مستقبلها. فأجابه الشاب: لا تقلق يا عمي، فأنا ميسور الحال وأملك ثلاث شركات كبرى بالحي الصناعي، كل واحدة تحقق رقم معاملات ضخم سنويا، كما أملك أسهما في لاسامير وسكانيا وأكوا ولوسيور ولافارج وديماتيت. فرد عليه والد الفتاة: ولكن هذه الممتلكات المتعددة تحتاج توفير سيارة لابنتي لتتنقل عليها. فقال الشاب: هذا أمر بسيط جدا، فأنا وفرت لها أسطولا من المرسيديس والهامر ومازيراتي ورانج روفر وشيفرولي. فتعجب الأب متسائلا: ولكن هذه السيارات تحتاج إلى مساحة كبرى لركنها وأيضا إلى مسكن محترم تسكن فيه ابنتي. هنا قاطعه الخاطب: ألم يسبق لي أن أخبرتك بأني أملك فيلا كبيرة في أنفا العليا وفيلا أخرى بعين الذياب وثالثة بمنطقة "لابيسا"، فضلا عن امتلاكي لـ "شاليه" بإفران وشقة فاخرة بالدائرة الأولى بباريز واستوديو مفروش بمانهاتن وقصرا بهوليود.
أمام هذه "الفتوحات" التي تركت والد الفتاة مشدوها قال الأب: حمدا لله على هذه المزايا، ولكن يا بني ألا تتميز بسلبية ما: الشراب أو الدريات أو القمار؟ فأجابه الشاب: أبدا عمي، فأنا لا أتميز سوى بعيب واحد ألا وهو: لكذوب، لكذوب، لكذوب، لكذوب".
هذه النكتة التي نسجها الخيال الشعبي تنطبق بامتياز على علاقة صندوق الإيداع والتدبير بالملك والشعب، إذ في كل مشروع يقدم للملك من طرف "السيديجي" إلا ويتم شحذ الماكينة لقنبلة الرأي العام بالمعطيات الوردية وإمطاره بالماكيطات الزاهية والأرقام التي ستمكن من أن يزاحم المغرب إيرلندا وكوريا الجنوبية وتركيا والبرازيل، وإيهام المغاربة أن صندوق الإيداع والتدبير هو خير مؤتمن على أموال المحاجير والعمال والمتقاعدين، وبأن إدارة الصندوق تحرص على توظيف المال العام، في ما ينمي الثروة الوطنية ويخلق الرفاهية ويحد من الفوارق الطبقية ويزيد من وعاء التشغيل ببلادنا. لكن للأسف سرعان ما تبين زيف الأرقام وخداع الماكيطات، وظهر أن صندوق الإيداع والتدبير بدل أن يكون رافعة للاقتصاد الوطني ورافعة للاستثمار في القطاعات الواعدة وصمام أمان المغرب في وجه العولمة، رأينا صندوق الإيداع يتحول إلى ماكينة الكذب على الملك وعلى الشعب الذي أودع ماله في "السيديجي".
فها هي فضيحة الحسيمة التي هزت الرأي العام مازالت التحقيقات -التي أمر الملك محمد السادس بإجرائها- تفاجئ الرأي العام كل يوم بحقائق صادمة. وها هي فضيحة فاس التي تنازلت البلدية فيها عن 160 هكتار لفائدة "السيديجي" في عام 2006 مقابل إنجاز قطب حضري جديد وعصري يرفع من تنافسية فاس مع الحواضر المتوسطية، فإذا بالصندوق"يهرف" على عائدات بيع العقارات دون أن ينجز المشروع ودون أن يعيد الأرض للبلدية. وها هي فضيحة مدينة زناتة بعمالة المحمدية، التي مارس فيها "السيديجي" جريمة "الكانيباليزم العقاري" ضد المواطنين العزل وضد أرباب المعامل الموجودة بالمنطقة و"هرف" على حوالي 2000 هكتار، وبدل أن تشع زناتة بهجة ونماء تحولت إلى مقبرة لدفن أحلام الملاك الصغار وملاك "لوزينات" الذين اضطروا إلى تسريح العمال بعد أن نزع الصندوق ممتلكاتهم مقابل تعويضات حقيرة لا تكفي حتى لتسديد مصاريف شحن الآليات والمعدات الصناعية فأحرى أن تسمح باقتناء عقار آخر وبناء معمل جديد. وها هي المدينة القديمة بالبيضاء تتهاوى فيها المنازل كل يوم في الوقت الذي يتلاعب "السيديجي" بأرض النسيم في عمالة الحي الحسني. وها هو قطب أنفا الذي سبق للوالي السابق محمد القباج أن سطر الكوابح كي لا يتحول المشروع إلى قنبلة بيئية ومجمعات سكنية إذا بأباطرة "السيديجي" يستغلون حلول الوالي حلب ويغيرون روح المشروع بما يضخم العيوب للتمويه بأن الصندوق يدار بعقلية البيزنيس الأمريكي حيث الكل يربح (الرأسمال والمدينة والمواطنون)، لكن ظهر أن عقلية الصندوق تدار بعقلية البزناسة بالمغرب وعقلية الكانيبال.
هذه مجرد فظاعات ظاهرة، أما ما خفي فأعظم. ألم يعترف الشاب أمام والد الفتاة بأن أسوا صفاته هي "لكذوب". فلما لا يريحنا مسؤولو صندوق الإيداع والتدبير ويقولون للملك وللشعب بأن أخبث صفة لـ "السيديجي" هي: "لكذوب، لكذوب، لكذوب"!!