صافي الدين البدالي: فلسطين بين المؤامرة العربية و التحالف الصهيوني/الإمبريالية

صافي الدين البدالي: فلسطين بين المؤامرة العربية و التحالف الصهيوني/الإمبريالية صافي الدين البدالي
لمن الأرض الفلسطينية التي تسقى بدماء الشهداء و الأبرياء؟ 
 
1 - أرض فلسطين  للفلسطينيين  
لا أحد يمكنه أن يجادل في حق الشعب الفلسطيني في أرضه. ولا أحد يمكن أن يجادل التاريخ الذي يشهد بأن أرض فلسطين هي للفلسطينيين.
وهي منذ البداية أرض الكنعانيين  بثلاثة آلاف سنين قبل الميلاد .ظلت منطقة صراع وغزوات في تاريخ البشرية. لكن الذين يريدون الكذب على التاريخ من الصهاينة والعملاء العرب أو من غيرهم لن يفلحوا في طمس الحقيقة التي يسعى كيان الإحتلال الإسرائيلي الصهيوني أن يطمسها بإبادة الشعب الفلسطيني.
فالتاريخ يشهد على أن أول جريمة ارتكبها المنتظم الدولي في حق الشعب الفلسطيني هي  الإنسياق وراء أطماع القوى الإستعمارية /التوسعية،  ( بريطانيا وأمريكا  وفرنسا …)، بخلق كيان دخيل على المنطقة العربية ،الذي هو إسرائيل، فأعطته أرض فلسطين كحق لمن لا حق له ، وتكون بذلك بداية وجود كيان لا شرعية له ضدا على حقوق الشعب الفلسطيني، كيان أصبح عبارة عن" محمية " من طرف مجلس الأمن و بقانونه حق( الفيتو ).
وأصبح هذا المجلس (مجلس الأمن ) يتخذ قرارات ضد الشعوب المستضعفة بأمر من أمريكا وحلفاءها (حق الفيتو)،وهو قانون خارج القواعد الديمقراطية ولا ينسجم مع المطلب الإنساني. لقد وجد الكيان الصهيوني المحتل  ضالته في هذا المجلس، لأنه لا يمكنه اتخاذ قرار ضده بوجود الفيتو الأمريكي. ويشهد التاريخ بأن الفلسطينيين لم يجدوا في الأنظمة  العربية  من يعيد إليهم أرضهم و ينصفهم من عدو غاشم..
 
2 - أرض فلسطين و نكبة 67 
 يشهد التاريخ بأنه في سياق المشروع الإمبريالي/ الصهيوني/ الإستعماري، انتصرالكيان الصهيوني على الجيوش العربية في حرب 1948 ثم في حرب 1967، وتوسع ليضم الضفة الشرقية للقدس و هضبة الجولان وقطاع غزة   وشبه جزيرة سيناء. لقد استغل الكيان المحتل ضعف الأنظمة العربية بقتل بعضهم بعضا، وبقتل شعوبهم التي تقاوم 
الإستبداد من أجل الديمقراطية الحقة والتداول على السلطة ، مما أدى إلى اختراق أنظمتهم من طرف المخابرات الإسرائيلية، بل اتخذتها بعض الأنظمة عونا لها لاغتيال الزعماء و العلماء وكل الذين  يتعاطفون مع الشعب الفلسطيني ، المهدي بن بركة مثلا ،وآخرون من الدول العربية .وكانت حرب حزيران  سنة 1967 من القرن الماضي، نكبة بالنسبة للشعوب العربية والإسلامية و انتصارا للكيان المحتل . هي حرب لم تدم أكثر من ستة أيام . ولو طالت لوصل جيش الكيان الصهيوني إلى المحيط الأطلسي .لقد كانت حربا كشفت عن حقيقة  ضعف الجيوش العربية وعن حقيقة مزاعم قادات  الأنظمة العربية من أجل  تحرير فلسطين. وخلفت حرب 1967 انعكاسات سلبية على المستوى السياسي في الوسط العربي وسط المقاومة الفلسطينية التي  لا زالت في ريعان تشكلها.ولإنقاذ دم الوجه العربي اعترفت القمة العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية  سنة 1973 أثناء انعقادها في الجزائر ما بين 26 و 28 نونبر 1973 حيث  تبنت  قرارا يعترف لأول مرة بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني بموافقة جميع رؤساء  الدول العربية باستثناء الملك حسين الذي امتنع عن تصديق القرار. و لم يتم اعتماده، وبقي سرا، إلى أن تم انعقاد القمة العربية في المغرب في26 أكتوبر 1974  
 كان هذا بعد حرب أكتوبر سنة  1973 العاشر من رمضان 1393هـ، حيث شنت مصر وسوريا حربا ضد إسرائيل، لاستعادة أرض سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية المحتلة، وقد تدخل الجيش المغربي في الجبهة السورية والجيش العراقي، لكن أخطاء استراتيجية وقعت في تقدير الحرب وعدم الاكتراث بقوة الجيش الاسرائيلي والدعم الأمريكي الذي كان وراء تمكين الجيش الإسرائيلي من تحقيق ارتباك في جبهات الجيوش العربية في سوريا وفي مصر،  قبل أن يتوقف إطلاق النار في 24 من الشهرنفسه بشروط أمريكية/ إسرائيلية.
 
3- الشعب الفلسطيني في قلب المعارك 
بعد الهزائم المتكررة للعرب ، يجد الشعب الفلسطيني نفسه والمقاومة الفلسطينية  في خندق المواجهة، مواجهة التهجير 
والإستيطان والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في غياب لميزان القوى. ولم تستطع منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل المقاومة الشعبية لتحرير فلسطين التحرك إلا خارج الأراضي  الفلسطينية حيث وضعت قواعدها في لبنان وفي سوريا ثم في تونس بعد إخراجها من لبنان .ظل الفلسطينيون منذ علمهم بوعد بلفور( 1917 ) يعيشون التهجير والتقتيل و الجلاء، ولم يستطيعوا الحفاظ على أراضيهم و على مقدساتهم و منها بيت القدس، الذي استباحه الكيان الصهيوني للمتطرفين اليهود .أمام هذا الوضع تجد المقاومة نفسها تقدم كل يوم  عشرات الشهداء من أجل  التحرير ، رغم الحصار المضروب عليها في الداخل و في الخارج.  وبالمقابل تحاول الأنظمة العربية ترويض المقاومة للإستلام عبرمبادرات كانت قاتلة و أولها مبادرة السادات، (مؤامرة كامب ديفيد )، التي خلقت للكيان الصهيوني مجالا واسعا للمناورة على القضية الفلسطينية . حيث فتح  جسورا سرية وعلنية مع الرجعية العربية و الرجعية الفلسطينية،مما ساعده على ممارسة
الإغتيالات في صفوف المقاومة الفلسطينية . وهو ما أشعل نار الإنتفاضة التاريخية يوم 8 دجنبر  1987، بدءا من جباليا، في قطاع غزة، ثم عمت  كل مدن وقرى ومخيّمات فلسطين. هي الانتفاضة الفلسطينية الشاملة  الأولى ممزوجة بـ "انتفاضة  أطفال فلسطين " إنهم أطفال الحجارة، سمّيت الانتفاضة بهذا الإسم، لأن الحجارة كانت أداة الهجوم والدفاع التي استخدمها المقاومون ضد عناصر الجيش الإسرائيلي. وكان شكل الإنتفاضة من حيث توقيتها وتنظيمها و الإنخراط فيها أقوى من الدروع و من الدبابات و الرشاشات ومن القنابل الحارقة.وهي لم تكن احتجاجية بل كانت انتفاضة تحرير.و ثورة أطفال الحجارة أرعبت الكيان الصهيوني والأنظمة العربية ،خوفا من العدوى، لأن الشباب العربي تأثر بهذه الثورة التي كانت تاريخية في عالم المقاومة بدون أسلحة. لقد كانت ردا دائما ومستمرا على الوضع العام المزري بالمخيمات وإهانة الشعورالقومي والقمع اليومي الذي تمارسه سلطات الإحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين..
 وفي أوج هذه الإنتفاضة وإجماع رأي الإمبريالية الصهيونية بزعامة امريكا والرجعية العربية على أن الإنتفاضة تحولت إلى نار تحرق جيش الكيان يوميا و خلقت ارتباكا في صفوف العدو ، مما عجل باغتيال خليل الوزير على أرض عربية ، بتونس  ، الذي كان أحد أبرز قادة الانتفاضة الفلسطينية وأبرز مهندسيها ومن أبرز القادة المُصممين على استمرار الكفاح المسلح. استمر تنظيم الانتفاضة من قبل القيادة الوطنية الموحدة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية ، لكنها تراجعت بدءا من سنة 1991 إبان الحرب على العراق وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام برعاية  أمريكا ، وبشروط تقتضي  إقصاء منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي لفلسطين، واختارت شخصيات فلسطينية لا علاقة لها بالمقاومة وذلك من أجل الإستسلام وليس من أجل السلام. وتوقفت الإنتفاضة نهائياً مع توقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993. كانت مرحلة بداية الإستسلام للمنظمة و الرفض من قبل فصائل فلسطينية. وما أن كُشف النقاب عن مشروع الإتفاق حتى أصدرت الفصائل الفلسطينية العشرة "جبهة الرفض" إثراجتماعٍ عقده أمنائها العامون في دمشق عقب التوقيع على اتفاق "أوسلو"، بياناً اعتبروا فيه بأن مشروع الإتفاق وملحقاته، ما هو إلا انصياع كامل للطموحات الأميركية والإسرائيلية ،المعبر عنها منذ سنوات، ب "الحل عبر الحكم الإداري الذاتي المتجاوز كلياً للحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية." 
 
4- المقاومة الفلسطينية و الاستمرار 
لم تستسلم المقاومة الفلسطينية لهذا القرار الجائر الذي يعني القبول بالعيش تحت وصاية الكيان المحتل، وليس كدولة فلسطينية لها وجود و عاصمتها القدس، وهو ما سعت إليه الصهيونية و العملاء العرب .لكن روح المقاومة لم تكن تخدعها كل المناورات على الحق الفلسطيني في دولته المستقلة وعاصمتها القدس .
وهكذا اندلعت في 28 سبتمبر 2000  الإنتفاضة الثانية يومين بعد اقتحام المسجد الأقصى،فكان من نتائجها اندلاع أعمال العنف والمواجهة بالسكاكين والحجارة ردا على الهجوم الهمجي لجيش الكيان الإسرائيلي الذي بصم همجيته باغتيال الطفل "محمد الدرة" ،وهو يحتمي بأبيه في شارع صلاح الدين ،فأصبح هذا الحدث يؤنب الضمير العالمي و لا يزال . ثم كانت الانتفاضة الفلسطينية الثالثة و سُميت ب "انتفاضة السكاكين"، هي موجة احتجاجات تشهدها الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل منذ بداية أكتوبر 2015 حتى 2016 ، حيث تميزت  بقيام فلسطينيين بعمليات طعن بسكاكين جنود ومستوطنين إسرائيليين، و بالمقابل يقوم  يهود بطعن فلسطينيين، ويقوم الصهاينة بإعدامات ميدانية للفلسطينيين، وقد تزامنت هذه الأحداث مع إقدام  القوات الصهيونية بدعم أمريكي بتوجيه ضربات جوية على قطاع غزة الذي انطلقت منه صواريخ نحو إسرائيل، ثم جاء طوفان الأقصى ليقلب الموازين  و يكشف عورات الكيان و المطبعين .إن المقاومة  الفلسطينية لم تنته ولن تنتهي  و الإنتفاضات  البطولية لم تتوقف رغم  تخاذل الأنظمة العربية  الذي يزداد خبثا والتحالف الصهيوني/الإمبريالي ماض في مخططاته التوسعية و إبادة الشعب الفلسطيني قبل أن يلتفت الى العالم العربي  ليجبر قادته على الإستسلام والركوع للسداسية. ولكن المقاومة الفلسطينية و الشعوب العربية لن تستسلم ولن تركع للسداسية رغم جسامة التضحية .