محمد يسين: آلة الغسيل

محمد يسين: آلة الغسيل محمد يسين
وأنا أحتسي قهوتي الصباحية بشرفتي، زقزقت عصافيري وكثرت رفرفتها ،خلتها تحتج على أصوات آلة التصبين وهي تدور في فلك الممنوع،لتفرك وتنظف الملابس على اختلاف مراتبها من حيث ما علق بها خارج الوطن وداخله،حين كانت الرياح لواقح لها…
أثار انتباهي صوت المصبنة ، ملابس تدور وتطير في كل اتجاه داخل قمرة التصبين ووالفرك والتنظيف  على قدم وساق -كما نقول في أمثلتنا- حين تنرفزت المصبنة لكثرة ما علق بالملابس من أدران، أصبحت تسرع في الدوران بسرعة 2400 دورة في الثانية،كما سجل مخترعها على جهة من بطاقة التوجيه، حينها تنصهر الملابس في بعضها البعض،ويضهر فقط ثقب في آخر القمرة وخيط رفيع رابط بين الكل بفعل الدوران…تناسلت البعض من الأسئلة:
أهي قوة السرعة تؤثر على بؤبأة العين فلا ترى غير ذلك؟أهي كثرة الأوساخ وما علق بالثياب وأهلها يبحثون عن لقمة العيش على مسافة وطن عز فيه العطاء؟ أم هي جاذبية "إنشتاين" تجر مختلف الملابس لإلصاقها عنوة بجدار القمرة؟
أسئلة وأخرى أحالتني على آلة كبيرة للغسل على مساحة الوطن…على حين غرة،حين تراجعت  وتيرة الدوران وعادة المصبنة للهدوء استعدادا لمهمة الفرك، أثار انتباهي جراب أسود كان كثير التنقل داخل المصبنة في كل اتجاه ،يحتم مع جوانب الملابس، دخل خلسة لجيب سروال من سراويل ابني، تنبهت للأمر حين وقت نشر الغسيل لوجود دراهم معدودات، هالني ما استحوذ عليه الجراب مما  نسيه الطفل في الجيب، ابتسمت كما زقزقت عصافير بشرفتي، وشوشت في أذني: ما دهاك ياعجوز؟
قلت لها خلت المصبنة وطنا، والملابس قوما والسرقة حاضرة هنا وهناك من باب لا فرق…
صاحت أنَايَ في أذني، طارت الخيرات بسرعة 2400 دورة في الثانية وعميت الأبصار بقوة الجاذبية فطار الجراب الأسود بالخيرات،في غفلة من الآلة مدركا أهمية الصابون في الانزلاق بعيدا عن الحساب والمحاسبة والحبس.